وِلادَةُ سَيِّدِنا عِيسَى المسيحِ عليهِ السَّلامُ

     إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحبهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا ولا والدَ ولا ولدَ وَلا صاحِبَةَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى كلِّ رَسُولٍ أرسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، أوصيكُمْ ونفسِيَ بتقوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحكَمِ كِتابِه ﴿إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيها فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٥ وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلا وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٤٦[1]

إخوةَ الإيمان، يَطيبُ لنَا اليَومَ أنْ نتَكَلَّمَ عَن نَبيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أُولِي الْعزْمِ خَصَّه اللهُ بِميزَةٍ عَظِيمَةٍ بأنْ خَلَقَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ وما ذاكَ بعزيزٍ علَى اللهِ فقدْ خَلَقَ أبانَا ءادَمَ عليهِ السَّلامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، قالَ تعالى في القرءانِ الكريمِ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥمِن تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُۥكُن فَيَكُونُ ٥٩[2]

وأمُّ سيدنا عيسَى أيها الأحبةُ هِيَ السيدةُ مَرْيَمُ عليها السلامُ أَفْضَلُ نِسَاءِ الدُّنيا التي وصفَها اللهُ تعالَى في القُرءانِ الكَريمِ بِالصِّدِّيقَةِ والَّتي نَشَأتْ نَشأَةَ طُهْرٍ وعفَافٍ وتَرَبَّتْ على التَّقوَى تُؤدِّي الواجِباتِ وتَجْتَنِبُ المحرماتِ وتُكثِرُ منْ نوافلِ الطاعاتِ والتي بَشَّرتْها الملائكةُ بِاصْطِفَاءِ اللهِ تعالَى لها منْ بينِ سائرِ النساءِ وبتَطهِيرِها منَ الأدْنَاسِ والرَّذائِلِ. ﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٢[3]

والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا بل هُم عبادٌ مُكرمُون خُلقُوا من نورٍ وقدْ يتشكَّلُون بهيئةِ الذكورِ منْ دُونِ أن يكون لهم ءالةِ الذُّكورِية، وعلى هذه الهيئةِ أَرْسَلَ اللهُ سيدَنا جِبْرِيلَ عليه السلامُ يومًا إِلَى السَّيدةِ مَريمَ مُتَشَكِّلاً بِشَكْلِ شَابٍّ أَبْيَضِ الوَجْهِ لَمْ تعرفْهُ ففَزِعَتْ مِنْهُ وَاضطَرَبتْ وخافتْ علَى نفسِها منْه وظنتْهُ إنسانًا جَاءَ ليتعَدَّى علَيهَا، فقالتْ ما أَخبرَ اللهُ بهِ ﴿قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّا ١٨[4] أي إذا كُنْتَ تَقِيًّا مُطيعا فلا تَتَعَرَّضْ لِي بسوء فقالَ لَها إنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ إليهَا لِيَهَبَهَا وَلَدًا صَالِحًا طَاهِرًا مِنَ الذُّنوبِ فقالَتْ مَريمُ أنَّى يكونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَقْرَبْنِي زَوْجٌ وَلَمْ أَكُنْ فَاجِرَةً زانِيةً؟ فأجابَهَا جِبْريلُ عليه السلام عَنْ تعَجُّبِها بِأَنَّ خَلْقَ ولَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ هَيِّنٌ على اللهِ تعالَى وأن الله سيَجْعَلُهُ عَلامَةً لِلنَّاسِ وَدَلِيلاً عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه سُبْحَانَه وَتَعالَى ورَحْمَةً وَنِعْمَةً لِمَنِ اتَّبعَهُ وَصَدَّقَهُ وءامَنَ بهِ.

قال الله تعالى ﴿فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانا قَصِيّا ٢٢ فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيا مَّنسِيّا ٢٣ فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّا ٢٤ وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبا جَنِيّا ٢٥ فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡناۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡما فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّا ٢٦[5]

نفخَ إخوةَ الإِيمانِ جِبْريلُ عليهِ السلامُ في جَيْبِ دِرْعِ السَّيدَةِ مريمَ وَهِيَ الفَتْحَةُ التِي عِنْدَ العُنُقِ فَحَمَلَتْ بعيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ تَنَحَّتْ بِحَمْلِها بَعِيدًا خَوْفَ أَنْ يُعيِّرَها النَّاسُ بِوِلادَتِها مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، ثُمَّ ألجأَها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى سَاقِ نَخْلةٍ يَابِسَةٍ وهناكَ خَوْفًا مِنْ أَذَى النَّاسِ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ فَنادَاها جِبْريلُ عليهِ السلامُ مِنْ مَكانٍ مِنْ تَحْتِها مِنْ أسفلِ الجبلِ يُطَمْئِنُها وَيُخْبِرُها أنَّ اللهَ تبارك وتعالى جَعَلَ تَحْتَها نَهَرًا صَغِيرًا وَيَقولُ لَهَا أَنْ تَهُزَّ جِذْعَ النَّخْلَةِ لِيَتَساقَطَ عَلَيْها الرُّطَبُ الْجَنِيُّ الطريُّ وأن تأكُلَ وتشربَ ممَّا رزقَها اللهُ وأَنْ تَقَرَّ عَيْنُها وَأَنْ تَقُولَ لِمَنْ رَءَاها وَسَأَلَها عَنْ وَلَدِها إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمـنِ أَنْ لا أُكَلِّمَ أحَدًا وكان هذا نذرًا صحيحا في الشرائعِ السَّابقة.

ثم بعدَ الوِلادَةِ المبارَكَةِ أيها الأحبابُ أَتَتِ السَّيِّدةُ مريمُ عليها السلام قومَها تَحْملُ مَوْلودَها عيسَى عليه الصلاة والسلامُ كمَا أخْبرنا اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿فَأَتَتۡ
بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡ‍ٔا فَرِيّا ٢٧
[6]

قالَ لَها قومُها لَقَدْ فَعَلْتِ فِعْلةً مُنْكَرَةً عَظيمةً، ظَنُّوا بِهَا السُّوءَ وَصَارُوا يُوَبِّخُونَها وَيُؤْذونَها وَهِيَ سَاكِتَةٌ لا تُجِيبُ لأنَّها أَخْبَرَتْهُم أَنَّها نَذَرَتْ للرَّحمَنِ صَوْمًا، وَلَمَّا ضَاقَ بِهَا الحَالُ أَشارَتْ إلَى عِيسَى عليهِ السلامُ أَنْ كَلِّمُوهُ، عندَها قالُوا لهَا مَا أَخْبَرَ اللهُ بهِ بقولِه ﴿فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّا ٢٩[7] عندَ ذلكَ إخوةَ الإيمانِ أَنْطَقَ اللهُ تعالى القَادِرُ علَى كُلِّ شَىءٍ بِقُدْرَتِه سيّدَنا عيسَى عليهِ السَّلامُ وَكَانَ رَضِيعًا فقال ما جَاءَ فِي القُرءانِ الكريمِ ﴿قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ أنَطَقَه الله فِي المهْدِ فكانَتْ أَوَّلُ كلمَةٍ قالَها عليهِ السَّلامُ ﴿إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ﴾ اعتِرَافًا منه بِعُبُودِيَّتِه للهِ الواحدِ القهارِ ﴿ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ أي جَعَلَنِي نَفَّاعًا مُعَلِّمًا لِلخَيْرِ حَيْثُما تَوَجَّهْتُ ﴿وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّا ٣١ وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارا شَقِيّا ٣٢ وَٱلسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّا ٣٣[8] ونشأَ عيسى عليهِ السلامُ نَشْأَةً حسنَةً فحَفِظَ التوراةَ في الكُتَّابِ وعَمِلَ بِشريعَتِها حتّى أَنْزَلَ اللهُ عليهِ الوَحْيَ فخَاطبَ بَنِي إِسرائيلَ قَائِلا مَا أَخْبَرَ اللهُ في القُرءانِ العظيمِ ﴿وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُول يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡر مُّبِين ٦[9] فدعَا عِيسى قومَهُ كَسائِرِ الأنبياءِ والمرسلينَ إلَى الإِسلامِ إلَى عبادةِ اللهِ وحدَهُ وعدَمِ الإِشراكِ بهِ شيئًا ولكنَّهم كَذَّبوهُ وحسدُوهُ وقالُوا عنهُ سَاحِرٌ ولَمْ يُؤمِنْ بهِ إلا القَليلُ وءاذَوْهُ وسَعَوْا إلى قَتْلِهِ لكنَّ اللهَ حَفِظَهُ وَرَفَعَهُ إلى السماءِ كَمَا جاءَ في القُرءانِ الكريمِ.

وقَدْ بَشَّرَ سيدُنا عيسَى عليهِ السلامُ كغيرِه مِنْ رُسلِ اللهِ بِخَاتَمِ الأنبياءِ سيدِنا محمدٍ عليهِ أَفْضَلُ الصلاةِ وأَتَمُّ التسليمِ وأَوْصَى أَتْبَاعَهُ بِاتِّباعِهِ إِنْ أَدْرَكُوهُ وقد رَوَى أبو سعدٍ النَّيْسَابوريُّ في كتابِهِ شَرفِ المصطفى أنَّ أربعَةَ أشخاصٍ خَرجُوا مِنَ اليَمَنِ قاصِدِينَ مكةَ في أولِ بِعثَةِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَينِهِمْ رَجُلٌ يُدْعَى جَعْدَ بنَ قَيْسٍ الْمُرَادِيَّ فَأَدْرَكَهُمُ الليلُ فِي البَريَّةِ فَنَزَلُوا في أرضٍ فنَامُوا إِلا جعدَ بنَ قيسٍ المرادِيَّ فسَمِعَ جعدٌ هاتِفًا لا يَرَى شخصَهُ يَقُولُ لَهُ

أَلا أيُّها الرَّكبُ الْمُعرِّسُ بلّغوا            إذَا مَا وَصَلْتُمْ لِلْحَطِيمِ وَزَمْزَمَا

مُحمًّدًا الْمَبْعُوثَ مِنَّا تَحيَّـةً      تُشَيِّعُهُ مِنْ حُيْثُ سَـارَ وَيَمَّمَا

وقولوا لهُ إِنَّا لِدينكَ شِيـعَةٌ             بِذَلِكَ أَوْصَانَا المسيحُ ابنُ مَريمَا

فهذا الهاتِفُ أيُّها الأَحِبَّةُ جِنِّيٌّ مؤمنٌ أدرَكَ سيدَنا عيسَى عليهِ السلامُ قبلَ رَفْعِهِ إلَى السماءِ وَءامَنَ بِهِ وسَمِعَ منهُ وَصِيَّتَهُ بِالإِيمانِ بِمحمَّدٍ إذَا ظهَرَ واتِّباعِه، فَأَوْصَى هذا الجنِّيُّ جعدًا بأَنْ يُبَلِّغَ سلامَهُ إلى سيِّدِنا محمَّدٍ إذَا مَا بَلَغَ مَكَّةَ فَلَمَّا وصلُوا إلَى مَكَّةَ سألَ أهلَ مكةَ عن محمدٍ فاجتَمَعَ بهِ وءامنَ بهِ وأسلَمَ وكانَ هذَا قبلَ أَنْ يَنْتَشِرَ خَبَرُ سيدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في الجزيرَةِ العربيَّةِ فصلَّى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى سائِرِ إِخوانِهِ منَ النبيّينَ والمرسلِينَ وفي هذه القصةِ زيادة بيانٍ أن عيسى عليهِ السلامُ جاء بدينِ الإسلامِ كباقِي أنبياءِ اللهِ تعالى كمَا روَى البُخارِيُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ الأَنبياءُ إِخْوَةٌ لِعَلّات دِينُهم وَاحِدٌ ـ أي الإسلام ـ وأُمَّهاتُهُمْ شَتَّى ـ أي شرائِعُهم مُخْتَلِفَة ـ وأَنا أولَى الناسِ بِعيسَى ابنِ مريمَ ليسَ بينِي وبَيْنَهُ نَبِيّ اﻫ

هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكم

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

أما بعدُ فإنَّ من قواعدِ الدينِ وأصولِهِ ومما يجبُ الإيمانُ بهِ إيمانًا جازِمًا قاطعًا لا شكَّ فيه ولا تردُّدَ ولا توقُّفَ أنه لا أحدَ يحيطُ علمًا بالغيبِ لا يحيطٌ بذلكَ نبيٌّ مُرْسَلٌ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا جنٌّ ولا إنسٌ قالَ اللهُ تعالى في سورة النمل ﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾[10] ومعنى الآيةِ كما ذكرَ الطَّبَريُّ في تفسيرِه ﴿قُل﴾ أي يا محمدُ لِسائِليكَ منَ المشركينَ عنِ الساعةِ متى هي قائمةٌ ﴿لَا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ﴾ الذي اسْتَأْثَرَ اللهُ بعِلْمِهِ وحَجَبَ عنهُ خَلْقَهُ ﴿إِلَّا ٱللَّهُ﴾ والساعةُ من ذلك اهـ هذه عقيدةُ النَّبِيِّينَ مِنْ لَدُنْ ءادمَ إلى ءاخِرِهِم محمدٍ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ وعقيدةُ الصَّحْبِ والآلِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسانٍ فَاثْبُتُوا عليها إخْوَةَ الإيمانِ حتى الْمَمَاتِ وَاحْذَرُوا وحَذِّروا غيرَكُمْ مِنَ اللجوءِ إلى ما حَرَّمَ اللهُ مِنَ الذَّهابِ إلى الكهَنَةِ وَالعَرَّافينَ فإنَّ الكاهنَ هو مَنْ يتعاطى الإخبارَ عمّا يقعُ في المستقبلِ كالذين لهم أصحابٌ من الجنِّ يأتونَهم بالأخبارِ فيعتمدونَ على أخبارِهِمْ فيحدّثونَ الناسَ بأنهُ سيحصلُ كذا وكذا والعياذ بالله والجنُّ كما لا يخفى عليكم هم أكذبُ خلقِ الله. وأما العرّافُ هو من يتحدّثُ عن الماضي من المسروقِ ونحوِهِ. فقد قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أتى كاهنًا أو عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يقولُ فقدْ كفرَ بما أُنزِلَ على محمّدٍ اﻫ رواه الحاكم أي إن اعتقدَ أنهُ يطَّلِعُ على الغيبِ وليسَ الْمُرَادُ مَنْ يَظُنُّ أنّه قَدْ يُوافِقُ الواقِعَ وقد لا يوافقُ الواقِعَ فإنّه لا يَكْونُ كافرًا بل يكونُ عَاصِيًا بسُؤَالِه إيّاهم.

       واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦[11] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيم ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢[12] اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

سورة ءال عمران.[1]

سورة ءال عمران.[2]

سورة ءال عمران.[3]

سورة مريم.[4]

سورة مريم.[5]

سورة مريم.[6]

سورة مريم.[7]

سورة مريم.[8]

سورة الصف.[9]

سورة النمل ءاية 65.[10]

سورة الأحزاب.[11]

سورة الحح.[12]