عَلِي بنُ أبِي طالِب رابعُ الخلفاءِ الرَّاشِدِين

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى الله وسلم عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

هو رابع الخلفاء تربَّى في حجرِ النبيِّ محمدٍ وفي بيتِه، صهرِ رسولِ اللهِ وابنِ عمِّه وأبي السبطينِ الحسنِ والحسينِ سيدَي شبابِ أهلِ الجنةِ، هو علمٌ من أعلامِ الدين، قدوةٌ للزاهدينَ ومن أشهرِ الخطباءِ المفوَّهِينَ والعلماءِ العاملينَ أبو الحسنِ عليُّ بنُ أبي طالبِ بن عبد المطلب بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ، أمُّه فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشمٍ، وُلدَ قبلَ البعثةِ بعشرِ سنينَ، أسلمَ وهو صغيرُ السِّن، كانَ يلقَّب حَيدرَة وكنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبَا تراب.

ولمّا هاجرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من مكةَ إلى المدينةِ أمرَ عليًّا أن يبِيتَ على فراشِه وأجَّلَهُ ثلاثةَ أيامٍ ليؤديَ الأماناتِ التي كانت عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابِها ثم يلحق بهِ إلى المدينةِ فهاجرَ من مكةَ إلى المدينةِ المنورةِ ماشِيًا. كان رضيَ اللهُ عنه وكرّمَ وجهَه ءادمَ اللون، أدعجَ العينينِ عظيمَها، حسنَ الوجهِ، ربعةً أميلَ إلى القصرِ، عريضَ اللحيةِ، ضخمَ عضلةِ الذراعِ، أصلعَ الرأسِ، ضحوكَ السِّنّ، من أشجعِ الصحابةِ وأزهدِهم في الدنيا، وكان أعلمَهم في القضاءِ، لم يسجُدْ لصنمٍ قطّ رضي الله عنه، شديدَ الساعدِ واليدِ ثبتَ الجَنَانِ أي القلب ما صارعَ أحدًا إلا صرَعه. كان رضي الله عنه وأرضاهُ غزيرَ العلمِ، زاهدًا ورعًا، فهذا ضرار الصدائي يُروَى عنه أنهُ قالَ في وصفِ سيدِنا عليٍ: “وأشهدُ لقد رأيتُه في بعضِ مواقفِه وقد أرخى الليلُ سدولَه وغارَت نجومُه قابِضًا على لحيتِه يتملمَلُ تملمُلَ السقيمَ ويبكي بُكاءَ الحزينِ ويقولُ يا دنيا غُرِّي غيري إليَّ تعرضتِ أم إليَّ تشوفتِ؟ هيهات قد طلقتُكِ ثلاثًا لا رجعةَ فيها فعمرُك قصيرٌ وخطرُك قليلٌ ءاه ءاه من قلةِ الزادِ وبعدِ السفرِ ووَحشةِ الطريقِ”. سيدُنا عليٌّ أيها الأحبة مدحَه رسولُ الله محمد صلى الله عليه وسلم مدحًا عظيمًا من ذلك قولُه عليهِ السلام: “من سبَّ عليًّا فقد سبَّني “أي كأنه سبني، فالذي يسبُّ عليًّا ويبغضُه يكونُ فاسِقًا وهذا تحذيرٌ من سبِّ عليّ.

وكان عليٌّ كرّم الله وجهَه لا يجدُ حرًّا ولا بردًا بعد أن دعا الرسولُ له قائلاً: “اللهم اكفِه أذى الحرِّ والبردِ. فكانَ رضيَ اللهُ عنه يخرُجُ في البردِ في المَلاءَتَينِ ويخرجُ في الحرِّ في الخشنِ والثوبِ الغليظِ. أخرجَه النسائيُّ في خصائصِ أميرِ المؤمنين. وعن عليّ بنِ زاذان، أن عليًّا حدَّثَ حديثًا فكذَّبَه رجلٌ، فقالَ عليٌّ: أدعو عليكَ إن كنتُ صادِقًا، قال نعم، فدعَا عليه فلم ينصرِفْ حتى ذهبَ بصرُه. ومن الكرامات التي حصلت لسيدنا علي رضي الله عنه ما أخبر عنه أبو ذرٍ رضي الله عنه قال بعثنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أدعو عليًّا، فأتيتُ بيتَه فناديتُه فلم يجِبْنِي فعدتُ فأخبرتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ لي: “عد إليهِ ادعُه“. قالَ: فعدتُ أنادِيه فسمعتُ صوتَ رحى تطحنُ، فشارفتُ فإذا الرحى تطحنُ وليس معها أحدٌ، فناديتُه فخرجَ منشرِحًا، فقلتُ له إن رسولَ اللهِ يدعوكَ، فجاءَ ثم لم أزَلْ أنظرُ إلى رسولِ اللهِ وينظرُ إلي. ثم قالَ: “يا أبا ذر ما شأنُك“، فقلتُ يا رسولَ اللهِ عجيبٌ منَ العجبِ، رأيتُ رحى تطحنُ في بيتِ علي، وليسَ معها أحد يرحى.

وقد كان عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ محبًّا لأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ محبةً كاملةً ما قالَ قطُّ إن هؤلاء ظلمونِي أخذوا الخلافةَ قبلِي بالباطِلِ بل كانَ يُحبُّ هؤلاءِ الثلاثةَ محبةً كاملةً كان يُصَلِّي أيامَ أبِي بكر خلفَ أبي بكرٍ الصلواتِ الخمسَ ثم أيامَ عمرَ كان يصلي عليٌ خلفَ عمرَ الصلواتِ الخمس وكذلك لما خُلِّفَ عثمانُ كان يصلِّي خلفَ عثمانَ الصلواتِ الخمس. هذا دليلُ رضاهُ بخلافةِ هؤلاءِ الثلاثةِ. ومن دليلِ محبةِ سيدِنا عليٍ لهؤلاء أن عليًّا رضي الله عنه سمَّى بعضَ أولادِه عمرَ وبعضَ أولادِه بعُثمانَ وزوَّجَ بِنتَه أمَّ كُلثوم وكانت صغيرةً بعمرَ بنِ الخطابِ عمرُ في ذلك الوقتِ عمرُه فوقَ الخمسين من أجلِ التبركِ طلبَ من عليٍ أن يُزوِّجَه بنتَه التي يقالُ لها أمُّ كلثوم وكان سنُّها دونَ العشرةِ فزوجَه فولدَت له ولدًا يُسمَى زيد وهذا دليلُ محبة عليٍ لعمرَ رضي الله عنه المحبةَ الكاملة.

لقد توفِي سيدُنا عليٌّ رضي الله عنه سعيدًا مبشَّرًا بالجنةِ ونعيمِها، وعمرُه ستونَ سنةً وكانت خلافتُه أربعَ سنواتٍ وتسعةَ شهور، رضي الله عنه وكرم وجهَه. فلتكن أخي المسلم محبًّا لمن أحبَّهم اللهُ ورسولُه، معظِّما لمن رفعَ اللهُ من شأنِهم وأعلى قدرَهم، وليبقَ حبُّ الصحابةِ محفورًا في قلبِك، ولا سيما الخلفاء الراشدينَ العاملينَ الورعينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍ رضي الله عنهم وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين وغفرَ لنا بجاهِهم وحشرَنا معهم ومع الصديقينَ والصالحينَ وحسُن أولئك رفيقًا.