عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلى الله وسلم عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فاستفتح رجل وكان متكئًا، أي النبي، فجلس فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال فقال: الله المستعان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر، وما أخفى وما أعلن، وما أسر وما أجهر.


وقد ذكرهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضمنَ العشرةِ الذين بشرَهم بالجنةِ في حديثٍ واحدٍ وفي سياقٍ واحدٍ فقالَ وهو الصادقُ المصدوقُ: “أبو بكرٍ في الجنةِ وعمرُ في الجنةِ وعثمانُ في الجنةِ وعليٌّ في الجنةِ وطلحةُ في الجنةِ والزبيرُ في الجنةِ وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ في الجنةِ وسعدُ أبي وقاصٍ في الجنةِ وسعيدُ بنُ زيدٍ في الجنةِ وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ في الجنةِ” رواهُ أحمدُ في مسندِه.
هو أبو عبدِ اللهِ عثمانُ بنُ عفانِ بنُ أميةَ القرشيُّ وأمُّه أروىَ بنتُ كُرَيْز. لُقبَ بذي النورينِ لأنه تزوجَ بنتَي سيدِ الكونينِ رقيةَ وأمَّ كلثوم. كان ربعةً أي معتدِلَ الطولِ ليسَ طويلاً ولا قصيرًا، حسنَ الوجهِ، أبيضَ، مشربًا بحمرةٍ، عظيمَ الكراديسِ أي مفاصلُ عظامِه كانت عظيمةً كثيرَ شعرِ الرأسِ عظيمَ اللحيةِ، كانَ خاتمُه خاتمَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كأبِي بكرٍ وعمرَ رضي اللهُ عنهم. وُلدَ بالطائفِ بعدَ الفيلِ بستِّ سنينَ، أسلمَ قديمًا على يدِ أبي بكرِ رضي الله عنهُما وعمرُه حينئذٍ تسعٌ وثلاثونَ سنة، ثم هاجرَ مع زوجتِه رقيةَ إلى الحبشةِ، ثم قدمَ مكةَ قبلَ الهجرةِ ومنها إلى المدينةِ قبلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. بُويعَ لهُ بالخلافةِ بعدَ دفنِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه بثلاثِ ليال.
وفي سنة ثلاثينَ بلغَ الخليفةَ عثمانَ بنَ عفانٍ أنهُ وقعَ في العراقِ اختلافٌ في القرءانِ فجمعَ عثمانُ الصحابةَ ونسخُوا سبعةَ مصاحفَ فبعثَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ بنُ عفان رضي الله عنه إلى كلِّ أفقِ من الآفاقِ بمصحفٍ يكونُ مرجعًا وعمدةً يعتمدونَ عليهِ وأبقى عنده في المدينةِ واحدًا فلم يقع بعد ذلك ولله الحمد خلاف في كلمة أبدا.
إضافةً إلى ما اجتمعَ في سيدِنا عثمانَ رضيَ اللهُ عنهُ من الخصالِ المرضيةِ والصفاتِ السنيةِ من حِلمٍ وورعٍ وجودٍ وحياءٍ وصفاءٍ وزهدٍ كانَ من أشدِّ الناسِ تواضُعًا. فقد روى الإمامُ أحمدُ أنَّ الحسنَ رضي الله عنهُ قال رأيتُ عثمانَ بنَ عفان يقيلُ في المسجدِ وهو يومئذٍ خليفة ٌوأثَّر الحصى بجنبِه فيقالُ: هذا أميرُ المؤمنينَ هذا أميرُ المؤمنين.
وعن شرحبيل بنِ مسلم ٍأنهُ قالَ: كانَ عثمان ُرضي اللهُ عنهُ يطعمُ الناسَ طعامَ الإمارةِ ويدخُلُ بيتَه فيأكُلُ الخلَّ والزيتَ. أما عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه فقد كانَ يحبُّ عثمانَ محبةً كاملةً فقالَ فيهِ: كانَ عثمانُ منَ الذين: ﴿ءامنوا وعملوا الصالحاتِ ثم اتَّقَوْا وءامَنوا ثم اتَّقَوْا وأحسَنُوا واللهُ يحبُّ المحسنين﴾.
ومن شدةِ تعلقِه بطاعةِ اللهِ تعالى فقد كانَ يختمُ القرءانَ في ركعةٍ، فقد قالتِ امرأةُ عثمانَ بنِ عفان رضيَ اللهُ عنه حينَ أطافُوا يريدونَ قتلَه: إن تقتلوهُ أو تتركوهُ فقد كانَ يُحيِي الليلَ كلَّه في ركعةٍ يجمعُ فيها القرءانَ.
نذكر هنا هذه القصةَ التي تدُلُّ على فضلِ الخلفاءِ الثلاثةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلى أنَّ الأولياءَ تُحدُثُ على أيديهِم خوارقُ تكون دليلاً على صدقِ اتباعِهم لنبيِّهم، كرامةٌ حصلت لرجلٍ منَ التابعينَ يقالُ له زيدُ بنُ خارجةَ الأنصاريُّ الخزرجيُّ الحارثِيُّ فقد روى البيهقيُّ عنهُ بإسنادٍ صحيحٍ أنهُ بعدما ماتَ قبلَ أن يُدفَنَ سُمِعَتْ له جَلْجَلَةٌ أي صوتٌ ثم تحرَّك فجلسَ فقالَ: محمدٌ رسولُ اللهِ في الكتابِ الأولِ صدقَ صدَق، أبو بكرٍ الصديقُ الضعيفُ في نفسِه القويُّ في أمرِ اللهِ في الكتابِ الأولِ صدقَ صدق، عمرُ بنُ الخطابِ القويُّ الأمينُ في الكتابِ الأولِ صدقَ صدق، عثمانُ بنُ عفان في الكتابِ الأول مَضَتْ أربعٌ وبَقِيَتْ سنتانِ بئرُ أريس وما بئرُ أريس. ثم ماتَ أي عادَ إلى حالتِه التي كانَ عليها، هو قبلا ماتَ إنما اللهُ تعالى أحياهُ ثم أعادَه إلى الموتِ إظهارًا لشرفِ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرفِ هؤلاءِ الثلاثةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وإظهارًا لكرامةِ هذا الميتِ. أما قولُه “مضت أربعٌ وبقيت سنتانِ” فمعناهُ أن عثمانَ بقيَ لأيامِه التي يكونُ أمرُ سلطتِه مُستقِرًّا ثابِتًا بطُمَأْنينةٍ ونشاطٍ مضى منها أربعٌ وبقيَ له سنتان، أي بعد ذلك تتغيرُ عليه الأحوالُ. وأما قولُه “بئرُ أريس وما بئرُ أريس” فهو اسمُ بئرٍ في المدينةِ المنورةِ كانَ عثمانُ معه خاتمُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي انتقلَ إليه بعد أبي بكرٍ وعمرَ كانا يلبسانِه بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فبينَا هو على هذا البئرِ بئرِ أريس أخرجَ خاتَمَه من يدِه فوقَعَ في البئرِ فنزحَ البئرَ فلم يظهَرْ بعد تفتيشِ ثلاثةِ أيامٍ لم يجدوهُ ثم بعدَ ذلك حدَثَتْ أشياءُ من الناسِ أقلقَتْ بالَ عثمانَ حتى أدى ذلك إلى قتلِه، كان ذلك الخاتمُ فيهِ سرٌّ وضعَه اللهُ فيه.
لما كثُرَ الطعنُ والقيلُ والقالُ في المدينةِ كتبَ رؤساءُ الفتنةِ إلى جماعتِهم في الأمصارِ يستقدمونَهم إلى المدينةِ إرادةَ الفتنةِ والمكيدةِ للخليفةِ. فحاصروه في بيتِه أيامًا، فلما بلغَ سيدَنا عليا رضي الله عنه أن أصحابَ الفتنةِ حاصروا عثمانَ ومنعوه الماءَ وأرادوا قتلَه، أرسلَ إليهِ بثلاثِ قرب مملوءةٍ بالماءِ وقالَ للحسنِ والحسينِ: اذهبَا بسيفيكُما حتى تقوما على بابِ عثمانَ فلا تدعَا أحدًا يصلُ إليهِ، وبعثَ الزبيرُ ابنَه وبعثَ طلحةُ ابنَه وبعثَ عدةٌ منَ الصحابةِ أبناءَهم يمنعونَ الناسَ من أن يدخلوا على عثمانَ رضيَ اللهُ عنه. ولكن رجالاً من الذينَ أرادوا بسيدِنا عثمانَ شرًّا تسوَّروا من دارِ رجلٍ منَ الأنصارِ حتى دخلوا عليه وكان يقرأُ القرءانَ وهو صائمٌ، فضربَه أحدُهم بالسيفِ فأكبَّتْ عليه نائلةُ زوجتُه فقُطِعَت أصابعُ يدِها ولم يكن مع عثمانَ رضي الله عنه سواها في الدار، فقُتلَ رضي الله عنه يومَ الجمعةِ لثمان عشرةَ خلَتْ من ذي الحجةِ سنةَ خمسٍ وثلاثينَ وعمرُه تسعونَ سنةً ودُفنَ ليلةَ السبتِ بينَ المغربِ والعشاءِ بمقبرةِ البقيعِ بالمدينةِ المنورةِ وصلَّى عليه الزبير.
وقد قالَ سيدُنا عثمانُ رضيَ اللهُ عنه قبلَ قتلِه: إني رأيت البارحةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في المنامِ وأبا بكرٍ وعمرَ فقالوا لي: اصبِرْ فإنك تفطِرُ عندَنا القابلةَ.
نسألُ اللهَ تعالى أن يجمعنا به في جنات النعيم.