يَومُ عَرفَةَ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا هيئَةَ ولا صُورَةَ ولا أعضاءَ ولا جِسمَ ولا كيفِيَّةَ ولا جِهةَ ولا مكانَ له، أحمدُهُ سبحانَهُ أنْ جعَلَ في قُلوبِنا التنـزيهَ، أحمَدُهُ سبحانَهُ أنْ جَعَلَ في قُلوبِنا التوحِيدَ، وأسأَلُهُ سبحانَهُ أنْ يُثَبِّتَ قلوبَنا على عقيدَةِ التَّوحيدِ والتَّنـزيهِ.

وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وَصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ، فجزاه اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ. الصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمدٍ عَلَمِ الهدَى وبَدْرِ الدُّجَى، الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سَيِّدَ الأنبياءِ وإمامَ الأتقياءِ ويا شمسَ الشُّموسِ ويا بَدْرَ البُدورِ ويا قَمَرَ الأَقمارِ يا مُحمَّدُ صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليكَ وعلى إخوانِك الأنبياءِ والمرسلينَ.

أيها الأحبةُ المسلمونَ أوصِي نفسِيَ وَإِيَّاكم بتقوَى اللهِ العَظِيمِ فَهَذِهِ الدُّنيا إلَى الزَّوالِ، كُنْ فِي الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ، كُنْ فِي الدُّنيا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ ثُمَّ راحَ وَترَكَهَا. يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في القُرءانِ الكَريمِ ﴿ وَٱلفَجرِ ١ وَلَيَالٍ عَشر ٢[1].

إخوة الإيمان، إننا في أيامٍ عظيمةٍ وَمُبَارَكَةٍ أَيَّامِ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَلَيَالِ خَيرٍ وفضيلةٍ وبرَكةٍ هي لَيَالِي العَشْرِ الأولِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، التي عَنَاهَا اللهُ تعالَى بِقوْلِه ﴿وَلَيَالٍ عَشر ٢.

فمِن هَذِهِ الأَيَّامِ المبارَكَةِ يَومُ عَرفةَ، وأفضَلُ أيامِ الأسبوعِ عندَ اللهِ هُوَ يَوْمُ الجمُعَةِ وَبَعْدَهُ يَوْمُ الاثنَينِ. أما يَومُ عَرَفَةَ فَلَهُ مَزِيَّةٌ خاصَّةٌ خَصَّهُ اللهُ تبارك وتعالى بِها. وَمِنْ هذهِ الأيامِ يَومُ الحجِّ الأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ العِيدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، يَوْمُ العِيدِ هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأكبرِ سَواءٌ كانَ يومَ الجمعَةِ أَمْ لا. وَسُمِّيَ يومُ العِيدِ للحاجِّ يَوْمَ الحَجِّ الأكبرِ لأنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ الحجِّ تَكُونُ فيهِ كَالطَّوافِ والحَلْقِ أَوِ التَّقصيرِ وَرَميِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ. وَتَبْدَأُ هذهِ الأيَّامُ الفَاضِلَةُ عَشرُ ذِي الحِجَّةِ مِنْ أَوَّلِ شهرِ ذِي الحِجَّةِ إلَى العَاشِرِ مِنْهُ وَهُوَ يومُ العِيدِ، وَقَدْ قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فيهَا أَحَبُّ إلَى اللّهِ مِنْ عَشرِ ذِي الحِجَّةِ اهـ فيُفْهَمُ أنَّ الأَعْمالَ الصَّالِحَةَ في هذهِ الأَيَّامِ تَزْكُو عِندَ اللهِ تعالَى أكثَرَ مِمَّا إذا عُمِلَتْ في غَيْرِها.

إخوةَ الإيمان، إنَّ يومَ عرفةَ هُوَ أفضلُ أيامِ العامِ فقد روى الترمذيُّ وغيرُه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال أفضلُ الدعاءِ يومُ عرفة وأفضلُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له لهُ الملكُ وله الحمدُ وهو عَلَى كلِّ شىءٍ قَدِير اهـ ويومُ عرفةَ يُسْتَحَبُّ لغيرِ الحاجّ صيامُه، قَالَ صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ اهـ[2]

إخوة الإيمان، في هذهِ الأيامِ المباركةِ نجدِّدُ الدعوةَ لاتِّباعِ الشَّرعِ الحنيفِ وكمْ هُوَ عَظِيمٌ قَوْلُكَ يا سيدي يا رَسولَ اللهِ يا أيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نبيِّهِ إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو المسلِمِ المسلِمُون إِخوَة اهـ الحديثَ.

نُجَدِّدُ الدعوةَ لِلعِلْمِ وَالاعتِدَالِ والوَسَطِيَّةِ وَالتَّآخِي عَلَى أَسَاسِ الالتِزَامِ بِحُدُودِ هذا الدِّينِ العَظِيمِ، وحُسْنِ الخُلُقِ مَعَ المسلِمِ وَغَيْرهِ وَنَبْذِ الْمُمَارَساتِ الْمُتَطَرِّفَةِ التِي تُسِيءُ إلَى الإِسْلامِ والمسلمينَ، ونَدْعُو للتعايشِ الحسَنِ بينَ النَّاسِ في هَذا البَلَدِ وللتَّعَلُّمِ وَمَعْرِفَةِ الإِيمانِ بِاللهِ ورَسُولِهِ، وَمَعْرِفَةِ الحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ لِيَصِيرَ عندَ المسلِمِ الميزَانُ الشَّرعِيُّ الذِي بِهِ يُمَيِّزُ الطَّيـِّبَ من الخبِيثِ وَالحَلالَ مِنَ الحَرَامِ والحقَّ مِنَ البَاطِلِ وَالحسَنَ مِنَ القَبِيحِ.

إخوَةَ الإيمَانِ، سَارِعُوا إلى التَّوبَةِ إلَى اللهِ، وأَكْثِرُوا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنَ الدُّعَاءِ، أنْ يُخفِّفَ اللهُ تعالى عنْ هذهِ الأُمَّةِ، في يومِ عرفةَ أكثِرُوا مِنَ الاستِغْفَارِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ القائلِ في حديثِهِ الشَّرِيفِ ما رُؤِيَ الشيطانُ أَصْغَرَ وَلا أَحْقَرَ وَلا أَدْحَرَ ولا أغْيَظَ منهُ في يَوْمِ عرفةَ وما ذاكَ إلا أنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ فِيهِ فيُتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ العِظَامِ اهـ

اللهمَّ اغفِرْ لَنا وتَجَاوَزْ عن سيِّئاتِنا إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ. هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخُطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ نَحمَدُهُ ونَستعينُه ونَستغفرُهُ ونَستهْدِيهِ ونَشكُرُهُ ونَعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على محمد رسولِ اللهِ.

عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦[3] اللّـهُمَّ صَلِّ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيِّدِنا محمَّدٍ كمَا صلَّيتَ على سيِّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيِّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيِّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدِينَ غيرَ ضالِّينَ ولا مُضِلِّينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى ويَنهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة الفجر.

[2] رواه مسلم.

[3] سورة الأحزاب/56.