في معنَى الشهادةِ الثانية

إنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، وأشهدُ أَنْ لا إِلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ له، كانَ وَلا مَكانَ كَوَّنَ، الأَكْوَانَ وَدَبَّرَ الزَّمانَ، سُبحانَهُ وتَعالَى ليسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصِير، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه وصَفِيُّهُ وحبيبُه صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ على سيدِنا محمدٍ وعَلَى جَميعِ إِخوانِهِ النَّبِيّينَ والْمُرْسلَين. أما بعدُ عبادَ الله، أُوصِي نفسِي وإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ القَائِلِ في مُحكَمِ التَّنْزِيلِ ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم ٣١﴾[1]

كلامُنَا اليَوْمَ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ عن معنَى الشهادَةِ الثَّانِيَةِ لكن قبلَ شُروعِنا أَوَدُّ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ بِمَعْنَى الشهادةِ الأُولَى بِاخْتِصَارٍ فَمعنَى شهادةِ أَنْ لا إِلهَ إلا اللهُ إِجْمَالا أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَعتَرِفُ بلسانِي وأُذْعِنُ بقَلْبِي بأَنَّهُ لا أَحَدَ يستَحِقُّ العبادةَ إلا اللهُ تعالَى فاللهُ وحدَهُ هُوَ الذِي يَسْتَحِقُّ نهايَةَ التَّعظِيمِ وغايَةَ الخُضُوعِ لأَنَّهُ هو خَالِقُنَا وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىءٍ وَهُوَ رازِقُنَا علَى الحقيقَةِ لا شَريكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ. ومعنَى شهادةِ أَنَّ محمدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعترِفُ بلسانِي وَأَعْتَقِدُ بقَلْبِي أنَّ سيدَنا محمدًا صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ إلَى كافَّةِ العالَمينَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ أَمَّا الملائِكَةُ فَلا دُخولَ لَهُمْ في ذلكَ لأنهم لا يَخْتَارونَ إلا الطاعةَ بِمشيئةِ اللهِ فلا يَحْتاجُونَ إلَى إِنذَارٍ.

فَالإيمانُ أيُّها الأحبةُ برِسالَةِ سيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَصْلُ معنَى الشهادَةِ الثانيةِ لكنَّهَا تَتَضَمَّنُ مسائِلَ كثيرَةً مِنْهَا أنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا يُخْطِئُ في شَىْءٍ مِمَّا أخبَرَ بهِ عنِ اللهِ تعالَى وأنَّ كلَّ ما جاءَ بهِ حَقٌّ صَحِيحٌ سواءٌ كانَ مِنْ أَخبارِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأُمَمِ وَالأَنْبِيَاءِ وَبَدْءِ الخَلْقِ أَوْ مِنَ التَّحلِيلِ أو التَّحريمِ لِبَعْضِ أفعالِ وأقوالِ العبادِ أَوْ مِمّا أخبرَ بهِ مما يَحدُثُ في المستقبلِ في الدنيا وفي البَرْزَخِ وفي الآخِرَةِ وذلكَ لقولِ اللهِ تعالَى في سورةِ النجم ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ ٣ إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ ٤﴾ فيجبُ علينَا التَّسْلِيمُ بِكُلِّ مَا جاءَ في شرعِ نبيِّنا محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ سَواءٌ تعلَّقَ بِالوُضوءِ أَوْ بِالصَّلاةِ أو بِالزِّواجِ أو بالطلاقِ أو بِالإِرثِ أو بِالثَّوابِ أَوْ بِالعِقابِ لا نَرُدُّ شيئًا مِنْ ذلك بِآرائِنا وَلا نَجْعَلُها حَاكِمَةً عليهِ بَلْ نَرُدُّ آراءَنَا إلى مَا جاءَ بهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْنَا الحِكْمَةَ مِنْهُ أَوْ لَمْ نَعرِفْ مُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تعالَى في سورة النساءِ ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِم حَرَجا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسلِيما ٦٥﴾ وَمُصَدِّقينَ بقولِ المصطَفَى صلى الله عليه وسلم حيثُ قالَ “ليسَ أحدٌ إِلا يُؤخَذُ مِنْ قَولِهِ وَيُدَعُ غيرَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم”. اللهمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الثابِتينَ علَى الإِسلامِ المتمَسِّكينَ بِهَدْيِ النبِيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كيفَمَا تَقَلَّبَتِ الأحوالُ. هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونفسي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ. اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف. عبادَ الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة ءال عمران.