في أحكام الحجّ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستَهْدِيهِ ونَشكُرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، الحمدُ للهِ الذِي فرضَ الحجَّ وجعلَ له ميزَةً لَيْسَتْ في غيرِه مِنَ الفَرائضِ، فمَنْ كانَ حجُّه مبرورًا رجعَ كيومَ وَلَدَتْهُ أمُّه فكانَ ذنبُه مغفورًا وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ. وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّهُ وحبيبُه، مَنْ بَعثَهُ اللهُ رَحمةً لِلعالمينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنذِيرًا فَصلَّى اللهُ على سيّدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسلَه.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتقوى الله. يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في كتابِه العزيزِ ﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَٰت فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَير يَعلَمهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰ وَٱتَّقُونِ يَٰأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ ١٩٧﴾[1].

اللهُ تبارك وتعالى فرضَ علينَا الحجَّ على المستطيعِ منَّا فهو فرضٌ بالإجماعِ على المسلِمِ إذَا كانَ حُرًّا بالِغًا عاقِلا مُسْتَطِيعًا. فإنْ كنتَ يا أَخِي المسلمَ قادرًا على نفقةِ الحجِّ بِما يُوصِلُكَ ويرُدُّكَ إلى وطنِكَ زيادةً عَنْ دَيْنِكَ وعَنْ ما تحتاجهُ لِمَسْكَنِكَ وكِسْوَتِكَ اللائِقَيْنِ بكَ ومُؤْنَةِ زَوْجَتِكَ وأولادِكَ الصغارِ وغيرِهم مِمَّنْ عليكَ نفقتُهم مِنْ مَسكنٍ وكِسْوَةٍ وطَعامٍ مُدَّةَ ذَهابِكَ إلى الحجِّ ورُجوعِكَ مِنْهُ فَإِنَّكَ مستطيعٌ يجبُ عليكَ الحجُّ، وأمّا غيرُ المستَطيعِ فَلا يَجبُ عليهِ الحجُّ ولكن لو حجَّ صحَّ حجُّهُ.

فإِن عزَمْتَ على الحجِّ فاعلمْ أنَّ للحجِّ شُروطًا وأركانًا ووَاجباتٍ ومُحَرَّماتٍ يجبُ تعلُّمُها علَى مَنْ أَرَادَ الدُّخولَ في هذَا العملِ لأنَّ الجهلَ بِها قَدْ يُوقِعُكَ في أَمْرٍ يُفْسِدُ حَجَّكَ وَأنتَ لا تدرِي.

ويجبُ تعلمُ هذهِ الأمورِ عندَ أهلِ العلمِ وليسَ بمجردِ المطالعةِ في الكتبِ فكم مِنْ أُناسٍ قرأُوا الكتبَ من غيرِ تَلَقٍّ على أهلِ المعرفَةِ فضَلُّوا وأَضَلُّوا إمَّا لِخَطَأٍ فيهَا وإِمّا لِعَدَمِ فَهْمِهِم لعِباراتهم علَى الوجهِ الصحيحِ.

وها نحنُ اليومَ في أشهُرِ الحجِّ المباركةِ والآلافُ منَ المسلمينَ يتهيَّأونَ لزيارَةِ البيتِ الحرامِ وقُلوبُهم مُشتاقَةٌ لِلْحَبِيبِ المصطفى ولِزيارَةِ تلكَ البِقاعِ الطَّيِّبةِ فَلْتَكُنْ خُطْبَتُنا اليومَ عن بيانِ بعضِ أحكامِ الحجِّ.

الحجُّ إخوةَ الإيمانِ لهُ ستّةُ أركانٍ مَنْ تركَ واحدًا منهَا لَمْ يَصِحَّ حجُّه. وأولُ هذهِ الأَركانِ الإحرامُ وذلكَ كأَنْ تَقُولَ فِي قلبكَ أدخُلُ في عملِ الحجِّ أو نويتُ الحجَّ وأَحْرَمْتُ بهِ للهِ تعالَى.

وأمّا الرُّكنُ الثاني مِنْ أركانِ الحجِّ فهو أن يكونَ الحاجُّ في جُزءٍ مِنْ أَرْضِ عرَفةَ ولَوْ لِلَحْظَةٍ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ يَومِ عرفةَ إلى فجرِ ليلةِ العيدِ.

والرُّكنُ الثالثُ مِنْ أَرْكَانِ الحجِّ الطوافُ بالبيتِ أي الكعبةِ سبعَ مَرَّاتٍ.

والركنُ الرابعُ مِنْ أَرْكَانِ الحجِّ السعيُ سبعًا بينَ الصَّفا والْمَرْوَةِ وَهُمَا بروزان مِنْ جَبلَيْن. لكن تنبَّهْ أخِي الحاجَّ أنهُ يشترطُ لصحةِ السعيِ أن يكونَ بعدَ طَوافٍ ولَوْ كانَ طوافَ القُدوم. ولا يصحُّ السّعيُ إِلا فِي المكانِ الذِي عيَّنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للسعيِ فيهِ بالإِجماعِ فلا يصحُّ السعيُ بينَ الصفا والمروةِ في هذهِ الزيادةِ التي جُعِلَتِ اليومَ فإنّها خارجةٌ عن الموضعِ الذِي بيَّنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمَنْ أرادَ صِحّةَ سَعْيِهِ فَلْيَسْعَ في الموضعِ القَديمِ في الطوابقِ العُلْيا والطابِقِ السُّفْلِيِّ.

والركنُ الخامسُ من أركانِ الحجِّ هو الحلقُ أو التقصيرُ.

وأما الرُّكنُ السادسُ من أركانِ الحجِّ فهو الترتيبُ في مُعْظَمِ الأركانِ لأنّهُ لا بدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الإِحرامِ علَى الكُلِّ وتأخيرِ الطوّافِ والحلقِ أو التقصيرِ عن الوُقوف.

وللحجِّ إخوةَ الإيمانِ واجباتٌ ويحرُم علَى المحرِم أشياءُ حالَ إِحرامِه فَمَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ هذهِ المحرَّماتِ فعليهِ الإثمُ والفديةُ علَى تَفْصِيلٍ يذكُرُه العُلمَاء.

فمَنِ اسْتَوْفَى الأَرْكانَ والوَاجِباتِ واجْتَنَبَ الجماعَ وكبائرَ الذنوبِ وكانَ مالُه الذِي أنفقَهُ في الحجِّ مالًا حلالًا كانَ حجُّه مبرورًا.

وَإِنَّنا نَنْصَحُ مَنْ أَرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الأَرْكَانَ وَالوَاجِبَاتِ وَأَنْ يَعْرِفَ مُحَرَّمَاتِ الإحْرامِ مِنْ إِنْسَانٍ ثِقَةٍ لِيَكُونَ عَمَلُهُ صَحِيحًا مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ.

اللهم ارزُقْنَا الحجَّ والعمرةَ واجعَلْهُ مُكَفِّرًا لِذُنوبِنا وَارْزُقْنا زيارةَ الحبيبِ المصطفى وشفاعتَه يومَ لا ينفَعُ مالٌ ولا بَنونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ بقَلْبٍ سَلِيمٍ.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[2] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ. اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهم تَوفَّنا وأنْتَ رَاضٍ عنَّا اللهم وَأَلْهِمْنَا عَمَلَ الخيرِ ووَفِّقْنا إليهِ وكَرِّهْ إلينَا الشُّرورَ وَاعْصِمْنَا مِنْ مُقَارَفَتِها اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ وارزقنا حجًّا مبرورًا مُتَقَبَّلًا، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1]سورة البقرة/197.

[2] سورة الأحزاب.