ثبوتُ صيامِ رَمَضانَ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه وَنَتُوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، الحمدُ للهِ الذِي كلَّفنا بِما في وُسْعِنا وَلَمْ يَجْعَلْ علَيْنا إِصْرًا كمَا جعَلَهُ علَى الذينَ مِنْ قَبْلِنا الحمدُ للهِ الذِي جعَلَنا مِنْ أُمَّةِ سيدِنا محمّدٍ الذِي جاءَ بالشَّريعَةِ السَّمْحَةِ ووَفَّقَ مَنْ شاءَ مِنْ عبادِهِ للتّقوى، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ وَلا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ وَلا جُثَّةَ ولا أعضاءَ لهُ، أَحَدٌ صمدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا. اللهم صَلِّ وسلِّمْ علَى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِه وصَفْوَةِ صَحْبِه.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابهِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣[1]

أيّها الأحبّةُ يَقْتَرِبُ منَّا سَيِدُ الشهورِ رَمَضانُ .. شهرُ رمضان الذي أُنْزِلَ فيهِ القُرْءَان .. شهرُ البرَكةِ والرِّضْوَان .. شهرُ تَطْهِيرِ النُّفوسِ مِنَ الشَّوائِبِ والأَدْرَان .. شهرُ الإكثارِ مِنَ الخيراتِ ونَيْلِ الدَّرجاتِ والتَّزَوُّدِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ .. شهرٌ أوَّلُهُ رَحمةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَءاخِرُه عِتْقٌ مِنَ النَّار هكذا أخبرَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

إخوةَ الإيمانِ إنّ صومَ رمضانَ مِنْ أفضلِ الطّاعاتِ وأَجَلِّ القُرُباتِ وأَحَدُ أهمِّ أمورِ الإسلامِ كمَا جاءَ في حديثِ الرسولِ الذِي روَاهُ الشَّيخانِ بُنِيَ الإِسلامُ على خَمْسٍ اﻫ وعَدَّ مِنْهَا صَوْمَ رمضان.

إخوة الإيمان، قالَ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٨٥[2] فأَمَرَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى مَنْ شَهِدَ هذَا الشّهرَ المباركَ مِنَ المكلَّفينَ بِصَوْمِهِ فَوَجَبَ عليهِمْ صَومُه لا صَوْمُ غيرِه وبيَّنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كيفَ يَثْبُتُ أَيْ كيفَ يُعْرَفُ دُخولُ الشهرِ وأوّلُهُ وخُروجُه وَءاخِرُه.

إذًا كيفَ يَثْبُتُ إِخوَةَ الإيمانِ صَوْمُ رمضانَ على ما بيَّنَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ اسمَعُوا مَعِي .. رَوَى مالكٌ في الموطَّأِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لا تَصومُوا حتَّى تَرَوُا الهِلالَ ولا تُفْطِرُوا حتّى تَرَوْهُ فإِنْ غُمَّ عليكُمْ فأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثِين اﻫ فَثُبوتُ الصومِ إخوةَ الإيمانِ برُؤْيَةِ الهِلال .. برؤيةِ هلالِ رمضانَ ليسَ بِحِسَابِ الفَلَكِيِّينَ .. برؤيةِ هلالِ رمضانَ بعدَ غُروبِ شمسِ يومِ التاسعِ والعِشرينَ مِنْ شعبَان.

وماذا نَفْعَلُ إِنْ لَمْ نَرَ هِلالَ رمضانَ بعدَ مَغِيبِ شَمسِ ذلكَ اليومِ بِسَبَبِ غَيْمٍ أَوْ غَيْرِه؟ لَمْ يَتْرُكْ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيانَ مَا تَحتاجُ إليهِ الأُمَّةُ فقالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ أَيْ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ اﻫ .. هذَا هُوَ حُكْمُ الشّرعِ .. هكذَا بَيَّنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُكْمَ اللهِ في هذهِ المسئَلَةِ ومنهُ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ أخَذَ المسلمونَ هذهِ الطريقَةَ وعَمِلُوا بِهَا مِنْ أَيّامِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى أيّامِنا هذِه. هذه الطّريقَةُ مَبْنِيَّةٌ علَى المراقبَةِ لِلهِلالِ بِالعَيْنِ فِي المدُنِ والقُرَى والبَلدَاتِ يَعْرِفُ ذلكَ كُلُّ مَنْ عاشَ فِي بلادِ المسلمينَ وشَهِدَ عاداتِهم مِنَ الخُروجِ لِمُراقبةِ الهِلالِ واجْتِماعِ النّاسِ في المواضِعِ التِي تَتَوضّحُ فيهَا الرُّؤْيةُ وإطلاقِ المدافِعِ أو إِيقادِ النِّيرانِ على رُؤُوسِ الجِبالِ عندَ ثُبوتِ الرُّؤْيَةِ إِيذَانًا بِبَدْءِ الشهرِ الشريفِ أو حُلولِ عِيدِ الفِطْرِ الْمُبارَك. عادَاتٌ جميلَةٌ تَمْتَدُّ جُذورُها إلَى أيامِ الصّحابَةِ الكِرامِ أَشْرَفَ عليهَا أَهْلُ العِلْمِ علَى مَرِّ الأَزْمَانِ وَحَرَصَ علَى الْمُشارَكَةِ فيهَا أهلُ التَّقْوَى والفَضْلِ واسْتَقَرَّ أَمْرُها بَينَ المسلمينَ في أَنْحاءِ الأَرْضِ.

وفوقَ ذلكَ فَهذَا أَمْرٌ نَصَّ عليهِ عُلماءُ المذاهِبِ الأَرْبَعَةِ فَذَكَرُوا أنّ الأصلَ في تَحديدِ أوّلِ رمضانَ هو أن يُراقبَ الهلالُ بعدَ غُروبِ شمسِ التاسعِ والعشرينَ من شعبانَ، فإذَا رُئِيَ الهِلالُ كانَ اليومُ التّالي أوَّلَ رَمضانَ وَإِذَا لَمْ يُرَ الهِلالُ يَكونُ اليومُ التّالِي الثلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ والّذِي بعدَهُ هُوَ أَوَّلُ أَيّامِ رمضانَ وبيَّنُوا أنَّ العُمْدَةَ على هذَا وأنّه لا التِفاتَ إلى أَقْوَالِ الحُسَّابِ والفَلَكِيّينَ ولا عِبْرَةَ بِكَلامِهِمْ لِتَحْدِيدِ ابْتِدَاءِ الصِّيامِ أَو انْتِهَائِه فَقَدْ قالَ الحافِظُ النَّوَوِيُّ في كِتابِه المجمُوع “وَمَنْ قَالَ بِحِسابِ الْمَنَازِلِ فَقَوْلُهُ مردودٌ بقولِه صلى الله عليه وسلم في الصحيحَيْنِ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَحْسُبُ ولا نَكْتُبُ الشَّهْرُ هَكذَا وَهَكذَا صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِين اﻫ ومعنَى قولِه صلى الله عليه وسلم لا نَكتُبُ ولا نحسُبُ أي لا نعتمدُ على الكتابةِ ولا على الحِسابِ لِمَعْرِفَةِ أوائِلِ الشُّهورِ القَمَرِيّة، وقولُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ الشهرُ هَكَذَا وهكذَا يعنِي أَنَّ الأشهُرَ القَمَرِيَّةَ إمّا تسعةٌ وعِشرونَ يومًا وإِما ثلاثُونَ يومًا، ليسَ فيهَا ثَمانٍ وعشرونَ ولا واحِدٌ وثَلاثُون. وفي كِتابِ رَدِّ الْمُحْتَارِ علَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لابْنِ عابدينَ الحنَفِيِّ “ولا عبرةَ بقولِ الْمُؤَقِّتِينَ أَيْ في وُجوبِ الصَّوْمِ علَى النَّاسِ بَلْ فِي المعراجِ مِنْ كُتُبِ الحنَفِيَّةِ لا يُعْتَبَرُ قَولُهُمْ بِالإِجْمَاع”. وفي كِتابِ اختِلافِ العُلماءِ لابنِ هبيرة “واتَّفقُوا أَيِ الأَئِمّةُ الأربعَةُ علَى أنهُ لا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَةِ الحِسَابِ في المنَازِلِ في دُخُولِ وَقْتِ الصَّوْمِ علَى مَنْ عَرَفَ ذلكَ وَلا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَأَنَّ ذلكَ إِنَّمَا يَجِبُ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ إِكْمَالِ عَدَد” اﻫ وَهذَا أخذَهُ علماءُ هذهِ الأُمَّةِ الْمُجْتَهِدونَ مِنْ كَلامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وبعدَ كلامِ الصَّادِقِ المصدوقِ صلى الله عليه وسلم لا عبرَةَ بأيِّ كَلامٍ يُعارِضُه، ولَسْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ بِتَارِكِي طريقَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَعْتَمِدَ علَى حِسابَاتِ الْمُنَجِّمِينَ والفَلَكِيِّينَ لِتَحْدِيدِ أَوَّلِ الصّومِ وموعِدِ عيدِ الفِطْرِ مَهْمَا قَالُوا وَمَهْمَا عَلَّلُوا فَكُلُّ ما أَتَى بهِ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ على الرَّأْسِ والعَيْنِ وكُلُّ  مَا خَالَفَهُ فهو بَاطِلٌ كما قالَ الرَّبُ تبارَك وتعالى ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ[3] وَلَمْ يكنِ الناسُ في زَمَنِ نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحابتِه الكِرامِ جَاهِلينَ بِحسابَاتِ مَنازِلِ القَمَرِ بل كانوا كَثِيرِي المراقبَةِ لِلسّماءِ والشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجومِ وكانَتْ معرِفَتُهُمْ بِمنَازِلِ القَمَرِ والكَواكِبِ أَقْوَى مِنْ مَعْرِفَةِ كَثيرٍ منَ  النَّاسِ في زمانِنا ومعَ ذلكَ لَمْ يَبْنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ على ذلك بل بَيَّنَ لنا حُكْمَ اللهِ تعالَى في كَيْفِيَّةِ دُخولِ شهرِ الصيامِ الوَاجِبِ وأنهُ بالمشاهدَةِ للهلالِ أَوِ اسْتِكْمَالِ شعبانَ ثلاثينَ لا بِحِسابِ منازِلِ القَمَر.

عبادَ اللهِ إِنَّ خالقَ العبادِ قَدْ شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الأَحْكامِ فِي شريعةِ سيدِنا محمدٍ التِي لا تُنْسَخُ إلى يَوْمِ القِيامَة مَا يُنَاسِبُ جميعَ العُصورِ والأَزْمَانِ إلى يومِ القِيامَةِ ونَحْنُ إِنْ شاءَ اللهُ بَاقُونَ علَى نهجِ صاحبِ الشرعِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَضِيَ مَنْ رَضِيَ وَأَبَى مَنْ أَبَى.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولَكم.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه واعلمُوا أن تقوَى اللهِ رأسُها تعلُّمُ علمِ الدينِ فنُذَكِّركُم بِحضورِ مَجالسِ العلمِ في رمضانَ التِي ستُقامُ بِإِذْنِ اللهِ تعالَى في هذا المكانِ لِتَعَلُّمِ أحكامِ الصيامِ وغيرِ ذلكَ منَ الضّروريات. أيامٌ قليلةٌ تفصِلُنا عن رمضانَ شهرِ العِلْمِ والعِبَادةِ وقراءةِ القرءان، فَيَا إِخْوَتِي فِي اللهِ تعالَوْا مَعِي لِنَسْتَمِعَ إلَى حَدِيثٍ طَيِّبٍ عَن علم الدين وفَضْلِهِ فَاللهُ تعالَى يقولُ ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لا يَعلمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَاب﴾[4] وعن أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي (يَطْلُبُ) فيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لهُ طريقًا إلَى الجَنَّةِ وَإِنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ اهـ رَوَاهُ أبو دَاوُدَ وَالترمِذِيُّ.

عبادَ اللهِ اعلموا رحمكم الله أنَّ من أنكر صفةً من صفات اللّه تعالى الواجبةِ له إجماعًا ككونه عالما و كونِه حيًّا و كونه سميعًا بصيرًا و كونه قديرًا يكفر لأنه ما عرف الله ولا يُعذر أحدٌ بالجهل في ذلك فإن العقلَ لو لم يرِد نصٌّ بذلك يدرك ثبوت القدرةِ الشاملةِ للّه والعلم الشامل والإرادة الشاملة ووجوبَ السمع والبصرِ له على ما يليق به وهكذا بقيّة الصفات الثلاثة عشرة، وقد كفَّرَ الشافعي رضي الله عنه حفصًا الفَرْدَ لأنه لا يثبت للّه الكلام الذاتيَّ الذي ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة والذي هو أحد معنيي القرءانِ ويُطْلِقُ القولَ بمخلوقية القرءان مع ذلك، فقد قال الشافعي رضي اللّه عنه لِحفص بعدما ناظره “لقد كفرت باللّه العظيم”، فكيف يُنسبُ للشافعي بعد هذا أنه لا يُكَفّر من نفى قدرةَ اللّه أو علمه أو سمعه للمَسموعات أو بصره للمُبصَرَات أو صفة الوحدانيّة أو صفة القِدم أو نحو ذلك، وأنه يقول إن كان جاهلًا يُعذر على وجه الإطلاق. وقد أساءَ بعض الناس فهم حديث نباش القبور فاستدلوا به على أن من شك في قدرة الله لا يكفر والعياذ بالله أعني بذلك قصة الرجل الذي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيه “كان رجلٌ يُسرفُ على نفسِه فلما حضرَه الموتُ قال لبنيه إذا أنا مِتُّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذُرُّوني في الريح فواللّه لئن قدر اللّه عليَّ لَيُعذِبَنِّي عَذابًا ما عذَّبه أحدًا” حيث ظنّ هؤلاء الجهال أن هذا الرجل شكَّ في قدرة اللّه عليه، قال ابن الجوزي “جَحدُه صفةَ القدرةِ كُفرٌ اتفاقًا” وإنما قيل إن معنى قوله “لئن قدر اللّه عليّ” أي ضيَّق فهي كقوله تعالى ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ﴾  أي ضُيِّق، ولعل هذا الرجلَ قال ذلك من شدّة جزعِه وخوفِه كما غلطَ أي سبقَ لسانهُ ذلك الآخر فقال أنت عَبدي وأنا ربُّك، أو يكون قوله “لئن قدّر علي” بتشديدِ الدال أي قدَّر عليَّ العذابَ ليعذبني. وهذا الحديثُ رواه البخاري وغيره.

قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث “وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتّى ذُهِبَ بعقلِه” اهـ و تتمة الحديث المذكور “فلما مات فُعل به ذلك فأمر اللّه الأرض فقال اجمَعي ما فيك منه، فَفَعَلَتْ فإذا هو قائمٌ فقال ما حَملَكَ على ما صنَعْتَ، قال يا ربّ خَشْيَتُك، فغَفَر له”.

فإذا عُرف هذا عُلم أنه لا يُعذر أحدٌ في الجهل بقدرةِ اللّه على كل شىء ونحوها من صفاته مهما بلغ الجهل بصاحبه كما زعم بعض الناس. وكن على ذُكرٍ واستحضار لِنَقلِ ابن الجوزي الإجماع.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦}[5]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢﴾[6]، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يَجْعَلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة البقرة/183.

[2] سورة البقرة/185.

[3] سورة الحشر/7.

 سورة الزمر/9.[4]

[5]  سورة الأحزاب/56.

[6]  سورة الحج/1ـ2.