بعضُ ما يَجْلبُهُ الحجّاجُ معهُم والتحذيرُ من الكتبِ التي شحنت بعبارات التكفير والتضليل للمسلمين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكُره ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصَحابَتِهِ الطّيّبينَ الطّاهرينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى كُلِ رَسُولٍ أرسلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِي أُوصيكُمْ ونفسِي بتقوى اللهِ العَلِيِ العظيمِ القائِلِ في مُحكمِ التّنْـزيلِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلتَنظُر نَفس مَّا قَدَّمَت لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ ١٨﴾[1] فهنيئًا لِمَنِ اتّقَى ربَّه والتزمَ بشرعِ سيّدِنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وهنيئًا لمن حَجَّ واعتَمَرَ وزَارَ قبرَ النبيِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وهَنِيئًا لِمَنْ تَمسَّكَ بِنَهْجِ سَيّدِ المرسلينَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم واهتَدَى بِهَدْيِه. وقَدْ علَّمَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أُمَّتَهُ كثيرًا مِنَ الأمُورِ التِي تنفعُهم في دينِهم ودُنْياهُمْ وحَضَّهُمْ علَى العَملِ بِها.

إخوةَ الإيمانِ خُطبتُنا اليومَ بِإِذنِ اللهِ رَبِ العالمينَ تَتَركَّزُ علَى أشياء يَجْلِبُها الحجّاجُ عَادةً معهم كالسّواكِ وماءِ زمزمَ وَتَمْرِ المدينةِ المنوّرةِ والسُّبْحَةِ وغيرِ ذلكَ مِنْ تلكَ الدّيارِ العَظيمَةِ مِنْ مكّةَ أُمِ القُرَى وَمِنْ طَيْبَةَ التِي طَابَتْ برسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم.

وسنَبْدَأُ بالتحدُّثِ عنِ السّواكِ فقد قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السِّواكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرّبِ ا[2] وقالَ أَيْضًا رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أفضَلُ مِنْ سبعينَ رَكْعَةً مِنْ غَيرِ سِواك ا[3] والسواكُ شرعًا معنَاهُ استِعمالُ عُودٍ أَوْ نَحوِهِ في الفَمِ لِتَنْظِيفِ الأَسنانِ وأفضلُ ما يُسْتَعْمَلُ لذلكَ هو خَشَبُ الأَراكِ فَيُسَنُّ الاسْتِياكُ عندَ القِيامِ إلى الصّلاةِ وكذلكَ للوضوءِ فَيَسْتَاكُ بعدَ غسلِ الكفَّينِ كما يُسَنُّ الاستياكُ للتيمُّمِ ولِقراءةِ القرءانِ ولصُفْرَةِ الأسنانِ وللطّوافِ وعندَ القيامِ منَ النومِ، ويُسَنُّ أن يستاكَ المسلمُ باليدِ اليُمْنى وأن يبدأَ بالجانبِ الأيمنِ مِنْ فمِهِ وأن يُمِرَّهُ على سَقْفِ حَلْقِهِ إِمْرَارًا لطيفًا ويَنْوِي بِالاسْتِيَاكِ السنّةَ. ومِنْ فوائِدِ السواكِ أنه يُطَهِّرُ الفَمَ ويُرْضِي الربَّ ويَشُدُّ اللِّثَةَ ويُضاعِفُ الأجرَ ويُبَيِّضُ الأسنانَ ويُساعدُ على إخراجِ الحروفِ من مَخارِجِها ويُذَكِّرُ بالشهادةِ عندَ الموتِ وَمَنْ مِنّا لا يتَمنَّى أن ينطِقَ بالشهادةِ عندَ الموتِ فحَافِظُوا إخوةَ الإيمانِ على هذهِ السنّةِ العظيمَة.

وأما مَاءُ زمزمَ فيُسْتَحَبُّ شربُه ومَنْ كانَتْ لهُ حاجَةٌ فَليَشْرَبْ ماءَ زمزمَ على نيَّةِ قضاءِ حاجتِه وليَقُلْ إذَا شاءَ اللهمَّ إنهُ بلغنِي أنَّ نَبِيَّكَ قالَ مَاءُ زمزمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ا[4] اللهمَّ إنِي أشربُه سائِلًا عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وشِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ ويسأَلُ غيرَ ذلكَ مِمَّا يُريد.

وأما التّمرُ فإنَّ لبعضِ أصنافِه خصوصيَّةً ليست في غيرِه منَ الأَصْنافِ ومِن ذلكَ عَجْوَةُ المدينة، فقد قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم مَن تَصَبَّحَ أَيْ أَكَلَ صَباحًا كلَّ يومٍ ِسَبْعَ تَمَرات عَجْوَة لم يَضُرَّهُ في ذلكَ اليَوْمِ سُمٌّ ولا سِحرٌ ا[5]

ومِن جُملةِ ما يحمِلُه الحاجُّ عندَ عودتِهِ مِنْ حَجّهِ السُّبْحَةُ ولا بأسَ باستِعْمالِها لذكرِ اللهِ تعالى فإنها تُذَكّرُ حامِلَها بتَسْبِيحِ اللهِ عزَّ وجلَّ وتمجيدِه فإنَّ بعضَ نساءِ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ وَضَعَتْ أمامَها أربعةَ ءالافٍ مِنْ نَوَى التّمْرِ لِتُسَبّحَ بِها فرءاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْكِرْ عليها فمِنْ هُنا فَهِمَ العُلماءُ أنَّ التّسبيحَ بالسُّبحةِ جائزٌ ليسَ حَرَامًا ولكنَّ الذِكرَ بِعَدِّ الأنامِلِ وعَقْدِها أَفْضَلُ فقَدْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ علَيْكُنّ بِالتَّسْبِيحِ والتَّهْليلِ والتَّقْديسِ وَاعْقِدْنَ بالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْؤُولاتٌ مُسْتَنْطَقاتٌ اﻫ[6] أي أنّ اللهَ تعالى يجعلُ فيها النُّطقَ يومَ القيامَةِ فَتَشْهَدُ على أصحابِها بِمَا كانوا يفعلونَه في الدُّنيا مِنْ ذِكْرِ اللهِ مَعَ العَدِّ علَى الأنامِل، وقد حَصَلَ في الدُّنيا ما يشهَدُ لهذَا وَهُوَ أَنَّ أبَا مسلمٍ الخَولانِيَّ وهو مِنَ التَّابعينَ الزّاهِدينَ مَرَّةً كانَ يُسَبِّحُ بالسبحةِ ثُمّ نامَ فصارَتِ السبحةُ تدورُ في يَدِهِ وهو نَائِمٌ وتَقُولُ سُبْحَانَكَ يَا مُنْبِتَ النَّباتِ ويا دَائِمَ الثَّبَاتِ، ومعنَى دائِمِ الثباتِ أي الذي وجودُه لا نِهايَةَ لَهُ، ثُمَّ استَيْقَظَ فنَادَى زوجتَه يَا أُمَّ مسلمٍ تَعالَيِ انْظُرِي إلى أَعْجَبِ الأَعاجِيبِ فلمَّا جاءَتْ ورأَتِ السُّبحةَ تدورُ وتَذْكُرُ سَكَتَتِ السُّبحةُ، فهذا حصَلَ في الدُّنيا وهو شاهدٌ لِما يَحْصُلُ يومَ القيامَةِ مِنْ نُطْقِ الأنَامِلِ لأصحابِها.

كما نُذَكِرُكُمْ إخوَةَ الإيمانِ بالطَّلَبِ مِنَ الحجَّاجِ القَادِمينَ بأَنْ يَسْتَغْفِرُوا لكم. فقد قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم اللهمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجُّ اﻫ[7]

هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُم

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسي بتَقْوَى اللهِ العلِيِ العظيمِ القائلِ في مُحكَمِ كتابِه ﴿وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلما ١١٤﴾[8] فعلمُ الدّينِ حياةُ الإسلامِ فوَجَبَ الاهتمامُ بهِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا، تعلُّمًا مِنَ الثِقاتِ مِنْ أَهْلِ المعرِفَةِ وليسَ بِمُجَرَّدِ المطالعةِ في الكُتبِ، فَكَمْ وَكَمْ مِنَ الناسِ مِمَّنْ لَمْ يتَلَقَّوُا العلمَ مِنْ أفواهِ العُلَمَاءِ ضَلُّوا وأَضَلُّوا لأنَّهُمْ ظَنُّوا أنَّ الكُتبَ تهدِي لإِدراكِ العُلومِ مِنْ غيرِ شيخٍ وَمِنْ هذهِ الكُتُبِ ما يَحْوِي ضلالاتٍ بأنواعِها كالكُتُبِ التِي تُوَزَّعُ علَى حُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرام، تلكَ الكُتَيِباتُ الصّغيرةُ الْمُلَوَّنَةُ الْمُزَخْرَفَةُ التِي شُحِنَتْ بعباراتِ التكفيرِ والتضليلِ للمسلمينَ بغيرِ حقٍ والتي تزرعُ الفِتَنَ والشِّقَاقَ في الْمُجْتَمَعَاتِ. فَاحْذَرُوا مِنْ هذِهِ الكُتُبِ ولا تَقْرَءُوا فيهَا وَحَذّروا منها مَن جَلَبَها.

اللهمَّ احْفَظْ علينَا دينَنا الذِي جعَلْتَهُ عِصْمَةَ أمرِنا يَا رَبَّ العالَمين.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ٍ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[9]، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة الحشر/18.

[2] رواه البخاري.

[3] رواه ابن ماجه.

[4] رواه ابن ماجه.

[5] رواه البخاري.

[6] رواه الترمذي.

[7] رواه البيهقي.

[8] سورة طه/114.

[9] سورة الأحزاب/56.