اَلتَّحذِيرُ منَ الكِبْرِ والفَخْرِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهرين. اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ القَائِلَ في مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلتَنظُر نَفس مَّا قَدَّمَت لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ ١٨﴾ [1]تَقْوَى اللهِ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَدَارُها على أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمات، وكَلامُنا اليَوْمَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى عَنْ مَعْصِيَةٍ عَدَّها العُلَمَاءُ مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ ألا وَهِيَ الكِبْرُ والعياذُ بِاللهِ. فالتَّكَبُّرُ عِبَادَ الله مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ وَهُوَ نَوْعانِ الأولُ ردُّ الحقِّ أي أَنْ يَعْرِفَ الحقَّ ولا يَلْتَزِمَ بِهِ وَيَقِفَ عِنْدَهُ والثانِي استِحْقَارُ الناسِ وسَبَبُهُ نَاشِئٌ مِنَ القَلْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مَظَاهِرُهُ مِنْ أَعْمَالِ الجَوارِحِ وذلكَ لأنَّ القَلْبَ إذا حصلَ فيه الْكِبْرُ ظَهَرَتْ ءَاثَارُهُ عَلَى الجَوَارِحِ، فيَنْظُرُ الْمُتَكَبِّرُ بِعَيْنِ الاحْتِقَارِ إلَى الفَقِيرِ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ تَرَفُّعًا، أَوْ يَرُدُّ الْحَقَّ على قائلِهِ مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ معَ القَائِلِ لِكَوْنِه أصغرَ مِنْهُ سِنًّا أو أقلَّ جاهًا أو يَتَكَبَّرُ فِي مِشْيَتِهِ فيَمْشِي مِشْيَةَ الخُيَلَاءِ لِلتَّكَبُّرِ. كُلُّ هذَا مِنْ كَبائِرِ.

فعليكم إخوةَ الإيمانِ بالتواضع، فقد قال رسولُ صلى الله عليه وسلم إنَّكُمْ لَتَغْفُلونَ عَنْ أَفْضَلِ العِبَادَةِ التَّوَاضُع اهـ[2] ولذلك كان أكابِرُ الصحابةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَوَاضُعًا. سَيِّدُنا عُمَرُ رضي اللهُ عنهُ كانَ خَرَجَ مَرَّةً لِلجُمُعَةِ ولَبِسَ اللِّباسَ الذِي يَلْبَسُهُ المسلِمُ لِلجُمُعَةِ وَهُوَ في طَريقِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِ دَارِ العَبَّاسِ دَمُ فَرْخَيْنِ ذُبِحَا مَعَ ماءٍ، فَذَهَبَ وغَسَلَ ما نَزَلَ علَيْهِ ثُمَّ قَالَ يُزَالُ هَذَا الميزَابُ، فقالَ العَبَاسُ هَذَا الرَّسولُ وَضَعَهُ فَقَالَ عُمَرُ يُعَادُ كَمَا كَانَ، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي لِتُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، أَمِيرُ المؤمِنينَ عُمَرُ يَقُولُ للعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي، وعَزَمَ عليهِ فَطَلعَ العبّاسُ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَعَادَهُ. التَّوَاضُعُ أيُّها الإِخْوَةُ نَتِيجَتُهُ سَلامَةٌ مِنَ الفَخْرِ واللهُ تعالى لا يُحِبُّ الفَخْرَ من عبدِهِ سَوَاءٌ كانَ في الثِّيَابِ أم فِي الأَثَاثِ أم فِي الْمَسْكَنِ أم في نحوِ ذلكَ، بل الذِي يَعْمَلُ لِلفَخْرِ فعليه ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَقَدْ يُظهِرُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى عُقُوبةً على البعضِ في الدنيا لِيعتبرَ بِها من شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ. الرسولُ صلى الله عليه وسلم حَدَّثنا أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ هذهِ الأُمَّةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَانَ يَمْشِي مُتبَخْتِرًا يَنْظُرُ فِي جَانِبَيْهِ، أَعْجَبَهُ ثَوْبُهُ وشَعَرُهُ، تَهْيِئَةُ شَعَرِهِ وحُسْنُ شعرِه، بينما هو يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا أَمَرَ اللهُ تباركَ وتعالَى الأَرْضَ فَبَلَعَتْهُ فهو يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ القِيامةِ، والتَّجَلْجُلُ مَعْنَاهُ السَّوْخُ أَيِ النُّزُولُ في الأَرْضِ معَ التَّحرُّكِ والاضطرابِ الشَّدِيدِ مِنْ شقٍّ إلى شقٍّ. فالفَخْرُ إخوةَ الإيمانِ مَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ الشخصُ مثلَ ذَلِكَ ليُعْجَبَ به الناسُ، يُريدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِصَاصٌ عندَ النَّاسِ بالنَّظَرِ إليهِ والتَّفْخِيمِ أَمَّا إِذَا فَعَلَ ذلكَ للتَّجَمُّلِ فَقَطْ وليس للفَخْرِ فَلَا ذَنْبَ عَلَيْهِ. اللهمَّ اجعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ المتواضِعِينَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين. هَذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه. اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة الحشر.

[2] رواه البيهقي.