الحث علَى التوبةِ وترك الأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ والقُنوطِ مِنْ رَحْمةِ الله

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونَسْتَهْدِيهِ ونَسْتَغْفِرُهُ ونتوبُ إلَيه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومن يضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شَبيهَ ولا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، ولا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه. غافِرُ الذَّنْبِ وقابِلُ التَّوبِ شديدُ العِقَابِ ذُو الطَّوْلِ لا إلهَ إلّا هوَ إليهِ المصير، وأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا وَحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقَائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه. اللهم صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمّدٍ خيرِ الأنامِ وعلَى ءالِه الأَبْرارِ وصَفْوَةِ الأَصْحَابِ. أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتقوى اللِه العليِّ العَظِيم.

اعلَمُوا إخوَةَ الإيمانِ أنَّ للذّنبِ أثرًا يترُكُهُ في قَلْبِ الْمَرْءِ فهُوَ كمَا روَى أصحابُ السُّنَنِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَذْنَبَ كانتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قلبِه فإذَا تابَ ونَزَعَ واسْتَعْتَبَ صُقِلَ قَلْبُهُ وإِنْ زَادَ زادَتْ حتَّى يُغْلَقَ قلبُهُ فذَلكَ الرَّانُ الذِي قالَ اللهُ تعالَى ﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٤﴾[1] اﻫ فالذُّنوبُ إذَا تَتَابَعَتْ علَى القُلوبِ فأَغْلَقَتْهَا أَتاهَا حينئَذٍ الْخَتْمُ مِنَ اللهِ والطَّبْعُ فَلا يكونُ للإِيمانِ إِليْهَا مَسْلَكٌ وَلا لِلْكُفْرِ مِنْهَا مَخْلَصٌ كَما قالَ محمَّدُ بنُ جريرٍ الطبريُّ رحمهُ اللهُ تعالَى، فَلا ينبغِي لِلْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يُهْمِلَ التَّوبَةَ وإنْ كانَ يُعاوِدُ الذَّنْبَ مرَّةً بعدَ أُخْرَى فإِنَّ فِي التَّوبَةِ مِنَ الذَّنْبِ صَقْلًا لِلْقَلْبِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلُوَهُ الرَّانُ فَيُخْتَمَ علَى قَلْبِهِ. وَلا يَقولَنَّ الواحِدُ مِنَّا كيفَ أَتوبُ وَقَدْ تُبْتُ مِنْ ذُنوبٍ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ عاوَدْتُها بعدَ النَّدَمِ فَقَد روَى التِّرمذِيُّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ بَنِي ءَادَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ اﻫ[2] معنَاهُ غالِبُ بَنِي ءادَمَ يَقَعُونَ في الذَّنْبِ وَخَيْرُهُمُ الذِي يَتُوبُ بعدَ الحَوْبَةِ فَكُلَّمَا عَصَى تَابَ.

والتَّوبةُ إخوةَ الإيمانِ واجبَةٌ علَى الفَوْرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرًا كانَ أَوْ صَغِيرًا فبادِرْ أخِي المسلم إلى التوبةِ مِنَ المعصيةِ بالإِقلاعِ عنهَا مَعَ النَّدَمِ علَى عَدَمِ رعايَتِكَ حَقَّ اللهِ الذِي خَلَقَكَ وأَنْعَمَ عليكَ بنِعَمٍ لا تُحصِيهَا ثم أنتَ تَسْتَعْمِلُ نِعَمَهُ فِي مَعْصِيَتِه .. سُبْحَانَكَ رَبَّنا ما أحْلَمَك.

توبُوا إخوَةَ الإِيمانِ إلَى اللهِ واعزِمُوا فِي قلُوبِكُمْ أَنَّكُمْ لا تَرْجِعُونَ إلَى مَعْصِيَتِهِ مِنْ قَبْلِ الفَواتِ فَإِنَّ الموتَ يأتِي بَغْتَةً، فإن كانَتْ معصيتُكَ أخِي المسلم بِتَرْكِ فرضٍ فَاقْضِهِ فَإِنَّ قَبُولَ تَوْبَتِكَ مُتُوَقِّفٌ علَى ذلكَ، وإِنْ كانَتْ مَعْصِيَتُكَ في حَقٍّ مِنْ حُقوقِ عبادِ اللهِ فقَبولُ توبَتِكَ مُتَوَقِّفٌ علَى إيصالِ الحقِّ لِـمُستَحِقِّه والخَلاصِ مِنْ تَبِعَاتِ العِبَادِ فقَدْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَنْ كانَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منها فإِنّهُ ليسَ ثَمَّ أي في الآخرةِ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ اﻫ[3] فمَنْ كانَ لأخِيهِ المسلِمِ عندَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ كأَنْ سَبَّهُ أَوْ فِي مَالٍ كأَنْ أكَلَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلْيُبَرِّئْ ذِمَّتَهُ اليَوْمَ وَإِنْ لمْ يَفْعَلْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالأَمْرُ يومَ القِيامَةِ شَدِيدٌ فإِنَّ أصحابَ الحُقوقِ المظلُومينَ يأخُذُونَ مِنْ حسنَاتِ الظّالمِ يومَ القِيامَةِ فإِنْ لم تَكْفِ حَسَنَاتُهُ لذلكَ أُخِذَ مِنْ سَيِّئاتِ المظلومِ فَحُمِلَتْ علَى الظالمِ ثُمَّ يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ، فَتُبْ يَا أخِي قبلَ مَوتِكَ فإنَّ الموتَ يَكْشِفُ أَسْرَارَكَ والقِيامَةَ تَتْلُو أَخْبَارَكَ والعَذَابَ يَهْتِكُ أَسْتَارَك.

أخي المؤمن اسْتَعِدَّ لِيَوْمِ القِيامَةِ، اذْكُرْ ذلكَ اليَوْمَ ﴿يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡس لِّنَفۡس شَيۡ‍ٔاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذ لِّلَّهِ ١٩﴾[4] لكن لا تَقْنَطْ مِنْ رحمةِ اللهِ مهمَا كَثُرَتْ مَعاصِيكَ فقَدْ قالَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣﴾[5] لا تَقُلْ أَنَا لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي وسَيَعُذِّبُنِي لا مَحالةَ لِكَثْرَةِ ذُنوبِي، حَرامٌ عليكَ أَنْ تَظُنَّ هذَا بِاللهِ، وَمَا يُدرِيكَ مَا يَفْعَلُهُ بِكَ رَبُّكَ وكيفَ تَجْزِمُ أَنَّ اللهَ سَيَعُذِّبُك، اللهُ شديدُ العِقابِ ولكنَّهُ أيضًا غَفُورٌ رَحِيم. وإيّاكَ أَنْ تَسْتَرْسِلَ فِي المعاصِي اتِّكالًا على رَحمةِ اللهِ مِنْ غَيرِ تَوْبَةٍ فَتَقُولَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ فَلَنْ يُعَذِّبَنِي فهذَا حَرَامٌ. عليكَ يا أخِي المؤمن أن تكونَ بينَ الخَوْفِ وَالرَّجاءِ تَخَافُ عِقَابَ اللهِ وتَرْجُو عَفْوَهُ وثَوابَه هكذا يَنْبَغِي أَنْ يَكونَ حالك.

اسمَعْ معِي يَا أَخِي المسلم هذا الحديثَ الذي رواهُ ابنُ ماجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ الله عنهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَه يُمْلِي لِلظَّالمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَـمْ يُفْلِتْهُ اﻫ فَلا يَغْتَرَّنَّ الوَاحِدُ بِمَعْصِيَتِهِ وظُلْمِهِ مَعَ تَأَخُّرِ العُقوبَةِ عنهُ فإنَّ اللهَ إذَا عَاقَبَ الظَّالمَ هَلَكَ.

اللهَ اللهَ عِبادَ الله .. تُوبُوا إلَى اللهِ .. ارجِعُوا إلَى اللهِ .. وفِرُّوا إلَى اللهِ

يا اللهُ ارْحَمْنَا يا رَحِيمُ تُبْ عَلَيْنَا وَاسْتُرْ عُيوبَنا وسَامِحْنَا يَا اللهُ عَفْوَكَ يَا الله. هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

قال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي الله عنه أَنَّى يُشْبِهُ الخَالِقُ مَخْلُوقَهُ اهـ أيْ لا يُشْبِهُ اللهُ الخلقَ بِوَجْهِ مِنَ الوُجوهِ فَمَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ فَمَا عَرَفَهُ وَإِنَّهُ كَافِرٌ بهِ فلذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (فُلانٌ زَاحَ رَبِّى) لِأَنَّ هَذَا فِيهِ نِسْبَةُ الْحَرَكَةِ وَالْمَكَانِ لِلَّهِ وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (قَدَّ اللَّه) يَقْصِدُ الْمُمَاثَلَةَ وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ (خَوَتْ رَبِّ) أَيْ جَنَّن، وَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذلكَ فَلْيَعُدْ إلى الإسلامِ فورًا بالنُطقِ بالشَّهادَتَيْنِ.

اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهم إنا نعوذُ بكَ مِنْ شَرِّ أَسْمَاعِنَا وَمِنْ شَرِّ أَبْصَارِنا وَمِنْ شَرِّ أَلْسِنَتِنَا وَمِنْ شَرَّ قُلوبِنا، اللهم اغفِرْ لنا خطيئاتِنا وجَهْلَنا وإِسرافَنا في أمرِنا ومَا أَنْتَ أعلَمُ بهِ منّا، اللهم اغفِرْ لنَا جِدَّنا وهَزْلَنا وَخَطَأَنَا وَعَمْدَنا، اللهم اغفرْ لنا ما قَدَّمْنا وما أخَّرْنا وما أَسْرَرْنا ومَا أعْلَنَّا ومَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، أنتَ المقَدِّمُ وأَنْتَ المؤَخِّرُ وأَنْتَ على كلِّ شىءٍ قَدير، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة المطففين/14.

[2] رواه الحاكم في المستدرك.

[3] رواه البخاري.

[4] سورة الانفطار/19.

[5] سورة الزمر/53.