الحثُّ علَى صِلَةِ الأَرْحَامِ والتحذيرُ مِنْ قَطيعَتِهم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.
عبادَ اللهِ أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِىِّ القَدِيرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفس وَٰحِدَة وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِۦ وَٱلأَرحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبا ١﴾
﴿ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾ أَىْ أطِيعُوا رَبَّكُمْ بِامْتِثَالِ أَوامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَواهِيهِ فَالرَّابِحُ مَنْ صَانَ نَفْسَهُ وَحَمَاهَا وَقَهَرَها وَمَنَعَها مِنَ الحرَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ حَفِظَهَا، وأمَّا مَنْ أَطْلَقَ لِنَفْسِهِ العِنَانَ ولِجَوارِحِهِ الاستِرْسالَ في المعاصِي فَقَدْ أَذَلَّ نَفْسَهُ واستَحَقَّ عَذَابَ اللهِ. أَقْبِلُوا إلَى الخَيراتِ أَيُّها الأَحبَّةُ وإِيَّاكُمْ وَالوُقوعَ في المعاصِى والآثامِ، فإِنَّ العَبْدَ سَيَرَى يومَ القيامةِ ما عَمِلَ في الدنيا مثبتًا في كتابِه، ﴿إِنَّ ٱلسَّمعَ وَٱلبَصَرَ وَٱلفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنهُ مَسُولا ٣٦﴾ حتَّى النظرة التى نظرَها إلى ما حَرَّمَ اللهُ يَجِدُها مكتوبَةً. فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وخَافُوا هَوْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ الذِي ءَامَنْتُمْ بِأَنَّهُ ءَاتٍ لا رَيْبَ فيهِ واسْتَعِدُّوا لِمَا بَعْدَ الموتِ، وَمَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِالْحَرَامِ فَلْيُحَاسِبْهَا وَلْيَقُلْ لَهَا يا نَفْسُ أُريدُ لكِ الجنَّةَ، يَا نفسُ أريدُ لَكِ السَّعادةَ الأبديَّةَ، يا نفسُ لا تَأخُذِينِي إلَى النَّارِ. بِالْمُحَاسَبَةِ يَسْتَعِينُ الإِنْسَانُ علَى ضبطِ جوَارِحِهِ مِنَ الوُقوعِ فِي الحَرامِ وإِلزامِهَا بِالطَّاعَاتِ، فَيَسعَدُ فِي الدَّارَيْنِ الدنيا والآخِرَةِ.
عبادَ اللهِ ﴿ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفس وَٰحِدَة﴾ وَهِىَ نَفْسُ ءَادَمُ عليهِ السَّلام ﴿وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا﴾ أَىْ حَوّاءَ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ ءادَمَ الأَقْصَرِ الأَيْسَرِ ﴿وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء﴾ أَىْ وَأَظْهَرَ منهُمَا أَىْ مِنْ ءادَمَ وحواءَ رِجالا كثيرًا وَنِسَاءً وَنَشَرَهُمْ في أَقْطَارِ العَالَمِ علَى اخْتِلافِ أَصْنَافِهِم وصِفَاتِهِمْ وأَلْوَانِهِم وَلُغَاتِهِمْ قالَ تَعالَى ﴿وَمِن ءَايَٰتِهِۦ خَلقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَٰفُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوَٰنِكُم إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰت لِّلعَٰلِمِينَ ٢٢﴾ فَسُبْحَانَهُ القَادِرِ علَى مَا يَشَاءُ، القَادِرِ على كلِّ شَىءٍ، القَادِرِ علَى عِقابِ الكُفَّارِ والفُجّارِ، الْمُسْتَحِقِّ لِغَايَةِ التَّذَلُّلِ والانكِسارِ.

﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِۦ﴾ أَىْ وَأَطيعُوا اللهَ الّذِى تَتَسَاءَلونَ بِهِ أَىْ يَسْأَلُ بعضُكُمْ بعضًا بِهِ علَى سَبِيلِ الاسْتِعْطَافِ كَقَوْلِ الشَّخصِ لِغَيْرِهِ بِاللهِ افْعَلْ لِى كَذَا ﴿وَٱلأَرحَامَ﴾ أَىْ وَاتَّقُوا الأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبا ١﴾ أىْ حَفِيظًا مُحْصِيًا علَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ عالِمَا بِرِعايَتِكُمْ حُرْمَةَ أرحامِكُمْ وَصِلَتِكُمْ إِياهَا أو قَطعِكُمْ لَهَا وتَضْيِيعِكُمْ حُرْمَتَهَا.
إخوةَ الإِيمانِ لَقَدْ حَثَّنَا الشرعُ الحنيفُ على خِصالٍ عَظِيمَةٍ ومَكارِمَ كَريمَةٍ وجعَلَها سَبَبًا لِنَيْلِ الثَّوابِ العَظِيمِ فِي الآخِرَةِ ففِى صَحِيحِ ابنِ حبانَ مِنْ حديثِ أبِى هُريرَةَ رضىَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ يا رسولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بِشَىءٍ إِذَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الجنَّةَ، فقالَ عليهِ السلامُ أَطْعِمِ الطَّعَامَ وأَفْشِ السَّلامَ وصِلِ الأَرْحَامَ وَقُمْ بِالليلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلِ الجنَّةِ بِسَلام اﻫ
أَيُّها الأَحِبَّةُ إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَكَّدَ الشَّرعُ عليهِ مِنَ الخِصَالِ صِلَةَ الأَرْحَامِ، وهِىَ خَصْلَةٌ عَلَّمَنا إِيَّاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالحالِ وَالْمَقَال.
فهذا رسولُ اللهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم أولَ ما نزلَ عليه جبريلُ بالوحيِ ذكرَ ما قد رءاهُ من نزولِ الملَكِ عليهِ للسَّيِّدَةِ خَدِيجةَ فَقالَتْ لهُ اثبُتْ يا ابنَ عمّ وأبشِرْ، إنك لتصِلُ الرحمَ، وتَصدُقُ الحديثَ، وتَكْسِبُ المعدومَ، وتَقْرِي الضيفَ، وتعينُ على النوائِبِ اﻫ
ولما نزلتِ الآيةُ ﴿وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ ٱلأَقرَبِينَ ٢١٤﴾ صَعِدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى جبلِ الصَّفا وجعلَ ينادِى حتى يجتمعُوا عليهِ فقالَ لهم يا معشرَ قريش اشتَرُوا أنفُسَكُم، لا أُغْنِي عنكم منَ اللهِ شيئًا، يا بنِي عبدِ منافٍ لا أغنِي عنكم منَ اللهِ شيئًا، إلى أَنْ قَالَ يا فاطمةُ بنتَ محمدٍ سَلِينِي مِنْ مالِي ما شِئْتِ لا أُغنِي عنكِ منَ اللهِ شيئًا رواه البخارِيُّ. أيْ أَنَّهُ بَدَأَ بِدُعَاءِ قَبِيلَتِهِ وأقارِبِهِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ لِلإِيمانِ بِاللهِ وَمَنْ ءَامَن لِلتَّمَسُّكِ بِالإِيمانِ وَالطَّاعَةِ إلَى الممَاتِ.
عبادَ اللهِ اعْلَمُوا أَنَّ صِلَةَ أرحامِ الْمُسْلِمينَ مِنْ جُمْلَةِ الوَاجِبَاتِ، وَقَطِيعَة الرحمِ مِنَ الكَبَائِرِ بإِجماعِ المسلمينَ فقدْ روى البخاريُّ ومسلمٌ عن رسولِ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لا يَدْخُلُ الجنَّةَ قَاطِع اﻫ أَىْ لا يَدْخُلُها مَعَ الأوَّلينَ لكونه يعذَّبُ زمانًا بسببِ قطيعتِه رَحِمَهُ إن لمْ يعفُ اللهُ عنه. وقالَ اللهُ تعالَى ﴿فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُواْ فِي ٱلأَرضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرحَامَكُم ٢٢ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَىٰ أَبصَٰرَهُم ٢٣﴾ وَالأرحامُ هُمُ الأَقارِبُ كَالخالاتِ وَالعَمَّاتِ وأَولادِهِنَّ والأَخْوَالِ وَالأَعْمَامِ وأَولادِهم.
وتحصُلُ القَطِيعَةُ إخوةَ الإيمانِ بِإِيحاشِ قُلوبِ الأَرْحَامِ وتنفيرِها إِمَّا بِتَرْكِ الإِحسانِ إلَيْهِمْ في حَالِ الحاجَةِ النَّازِلَةِ بِهِمْ أَوْ تَرْكِ الزِّيارَةِ بِلا عُذْرٍ، فَلَوْ نَزَلَ بِبَعْضِ رَحمِ الشَّخْصِ نَازِلَةٌ فَمَا عَادَ يَجِدُ مَا يَأْكُلُ أَوْ يَلْبَسُ أَوْ يَسْكُنُ مِمَّا يَقِيهِ بَرْدَ الشِّتاءِ وحَرَّ الصَّيْفِ فَكَسَرَ قَلْبَهُ بِتَرْكِ إِعانَتِهِ وَهُوَ فِي هذَا الحالِ مَعَ قُدْرَتِهِ على ذَلِكَ وعِلْمِهِ بِحَالِهِ كانَ قاطِعَ رَحمٍ، وَلا رَيبَ أنَّ الرحمَ المحتاجَ يَنْكَسِرُ قلبُهُ بِإِهْمالِ رَحِمِهِ لَهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ هَذِه.
إِذَنْ فَمِنْ صِلَةِ الرَّحمِ أيُّها ا لأَحبةُ إعانَتُهُمْ عندَ الحاجَةِ النَّازِلَةِ ومِنْهَا الزيارَةُ في الأَفْرَاحِ والأعيادِ، كما في الأحزانِ ونزولِ المصائبِ وفِي غَيْرِهَا كمَا هِىَ الحالُ عندَ الوَفَاةِ، وَفِي هذهِ الحالِ يكونُ للزِّيارَةِ وَقعٌ أَشَدُّ، وقد ورد في الحديثِ بَيانُ فَضْلِ المواسَاةِ فِي التعزِيَةِ حيثُ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللهُ سبحانَهُ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يومَ القِيامَةٍ اﻫ فَكَيْفَ إذَا كانَ المسلِمُ ذَا رَحمٍ لَكَ؟! فَلا تُقَصِّرُوا عبادَ اللهِ في هذِهِ الطاعَةِ العَظِيمَةِ، فقَدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه اﻫ مُتَّفَقٌ عليهِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمُدَّ اللهُ في عُمُرِهِ وَيُوَسِّعَ عليهِ رِزْقَهُ ويَدْفَعَ عنهُ مِيتَةَ السُّوءِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ اﻫ رَواهُ الحاكِمُ في المستَدْرَك.
أيُّها الأَحِبَّةُ الطَّاعاتُ لَهَا أَسْرَارٌ وَأَنْوَارٌ وَءاثَارٌ وبَركاتٌ، وصِلَةُ الرَّحِمِ سببٌ لِجَلْبِ الرِّزْقِ وَدَفْعِ البَلاءِ والبَركَةِ فِي العُمُرِ. وَلَيْسَ معنَى قولِه مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمُدَّ اللهُ في عُمُرِهِ أنَّ تَقْدِيرَ اللهِ يَتَغَيَّرُ بِعَمَلِ طاعَةٍ مِنَ الطاعاتِ، أىْ لَيْسَ معنَى الحدِيثِ أَنَّ عُمُرَ الإنسانِ الذِى شَاءَهُ اللهُ لَهُ سَيَزْدَادُ ويَتَغَيَّرُ بعمَلِ طَاعَةٍ مَا، أَوْ أَنَّ خَاتِمَتَهُ سَتَتَغَيَّرُ كذلكَ بِعَمَلِ هذهِ الطاعَةِ أَوْ تلكَ بلِ المعنَى أَنَّ اللهَ إِنْ وَفَّقَ العَبْدَ إلَى عَمَلِ تِلْكَ الطَّاعَةِ، فإِنَّهُ سيَعِيشُ مُدَّةً أَطْوَلَ مِنْ تِلْكَ التِى كانَ سَيَعيشُها إِنْ لَمْ يفْعَلْ تِلْكَ الطاعَةَ. أىْ إِنْ فَعَلَ كذَا مِنَ الطاعاتِ سَيَنَالُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَزَايَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هذِهِ الطاعاتِ لَنْ ينَالَ تلكَ المزَايَا مِنَ البَرَكَةِ فِي العُمُرِ وانْدِفَاعِ مِيتَةِ سُوءٍ مَثَلا واللهُ عَلِمَ فِي الأَزَلِ هَلْ سَيَفْعَلُ أَوْ لا وَشَاءَ اللهُ تعالَى أَنْ يَحْصُلَ مَا عَلِمَ حُصولَه. وهذَا مَا قَرَّرَهُ عُلَمَاءُ التَّوحيدِ، ولَيْسَ المعنَى أَنَّ تَقْدِيرَ اللهِ وقَضَاءَهُ يتَغَيَّرانِ بَلْ يَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ ذلكَ، تَعالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
أَحبابَنا الكِرامَ وأُنَبِّهُكُمْ علَى أَمْرٍ مُهِمٍّ إيَّاكُمْ والوُقوعَ في حبائِلِ الشيطانِ فَيَدْفعكُمْ لِلْقَولِ “فلانٌ ءاذَانِى لا أَزُورُهُ”، “فلانٌ لا يَزورُنِى فأنَا أَقْطَعُهُ” بِدَعْوَى الْمُعامَلَةِ بِالْمِثْلِ فَإِنَّ هذَا سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ ليسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ولكنَّ الوَاصِلَ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ إذَا قَطَعَتْ اﻫ رَوَاهُ البُخَارِىُّ.
وهذَا فيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ صِلَةَ الرَّجلِ لِلرَّحِمِ التِى لا تَصِلُهُ أفضَلُ مِنْ صِلَتِهِ رَحمَهُ التِى تصلُهُ لأنَّ ذلكَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ الذِى يُحبُّه اللهُ ورسولُه لنَا. فَاعْمَلُوا بِالأَخْلاقِ والآدابِ الْمُحَمَّدِيَّة، وتَزَيَّنُوا بِالالتِزَامِ بِكتَابِ اللهِ تعالَى، فَإِنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ يقولُ ﴿وَلَا تَستَوِي ٱلحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ٱدفَع بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم ٣٤﴾ ﴿ٱدفَع بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ﴾ كَدَفْعِ الغَضَبِ بِالصَّبْرِ، وَالجهلِ أَىِ الطَّيْشِ وَالغَضَبِ بِالحِلْمِ، وَالإِساءَةِ بِالعَفْوِ وَالإِحْسانِ، فَإِنَّ هَذَا يُؤَلِّفُ قلوبًا ويَغُيِّرُ أَحْوَالا.
نَسْأَلُ اللهَ تبارَكَ وتعالَى أَنْ يَرْزُقَنا حُسْنَ الحَالِ وَحُسْنَ الْمَآلِ وَالوَفَاةَ علَى كَامِلِ الإِيمانِ.
أقولُ قولِىَ هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِى وَلَكُمْ.

الخُطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.
واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾ اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾ ، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.