التبيان فيما يجوز من الدعاء في ليلة النصف من شعبان

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

رُويَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها “. رواه ابن ماجه

* فضل الدعاء في الإسلام: الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مقدر الأقدار، مصرف الأمور، مكور الليل على النهار القائل في كتابه العزيز: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } سورة البقرة

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدعاء مخ العبادة

معناه أن منـزلة الدعاء عالية في العبادة لأن دعاء العبد المؤمن لربه فيه إقرار منه بربوبية الله وبقدرته واعتراف منه بالنعم الكثيرة التي منّ الله بها عليه .

* فضل قيام الليل تطوعًا لله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” رواه مسلم .

ليعلم أن قيام الليل تطوعًا لله تعالى هو من النوافل والمستحبات التي رغبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء قام الليل بالصلاة أو الدعاء أو الذكر والاستغفار أو الصلاة على النبيّ أو تلاوة القرءان وهذا مما يتقرب به إلى الله مع  أداء الواجبات واجتناب المحرمات .

* ليلة النصف من شعبان وما ورد فيها :

ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة مشرفة وإحياؤها وقيامها بأنواع العبادات كالصلاة والذكر وتلاوة القرءان شىء مستحسن فيه ثواب عظيم. وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها” رواه ابن ماجه.

وأفضل ما يعمل المرء تلك الليلة أن يتقي الله تعالى فيها كما في غيرها من الليالي ليحظى برضا الله تعالى لأن تقوى الله خير ما يؤتاه الإنسان في هذه الدنيا الفانية الزائلة.

يقول الله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}.

( سورة ءال عمران الآية 102 )

وتقوى الله هي أداء الواجبات واجتناب المحرمات فينبغي للشخص الفطن الذكيّ في ليلة النصف من شعبان أن يسارع للخيرات كما ينبغي له في سائر الأوقات وسائر الليالي وأن يتذكر أن الموت ءات قريب لا محالة وأن الناس سيبعثون ثم يحشرون ويحاسبون يوم القيامة، فيفوز من ءامن بالله ورسله واتقى، ويخسر من كفر بالله وظلم وعصى.

يقول الله عز وجل: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ( سورة البقرة الآية 197 )

وفي معرض الحديث عن ليلة النصف من شعبان يهمنا بيان وذكر أمور شاع أمرها بين كثير من العوام وهي غير صحيحة ولا أصل لها بل هي مخالفة للشرع الحنيف. فمن ذلك عدة أحاديث مكذوبة لا يجوز نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كحديث: “رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي” وحديث: “رجب شهر الاستغفار وشعبان شهر الصلاة على النبيّ ورمضان شهر القرءان فاجتهدوا رحمكم الله”. فلا أصل لهما عند علماء الحديث.

وأما قراءة سورة يس في هذه الليلة ففيه ثواب كما في سائر الأوقات ولكن ليعلم أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يستحب قراءتها في هذه الليلة خاصة.

* بيان أن القرءان لم ينـزّل في ليلة النصف من شعبان:

كما ينبغي أن يتنبه أن ليلة النصف من شعبان ليست الليلة التي يقول الله تعالى فيها: {فيها يفرق كل أمر حكيم}( سورة الدخان  الآية 4 ). وإن كان شاع عند بعض العوام ذلك فهو غير صحيح إنما الصواب أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة القدر. ومعنى {فيها يفرق كل أمر حكيم} أن الله يطلع الملائكة في ليلة القدر على تفاصيل ما يحدث في هذه السنة إلى مثلها من العام القابل من مقدورات للعباد أي مما قدر أن يصيب العباد من موت وحياة وولادة وأرزاق ونحو ذلك.

فلا ينبغي للشخص أن يعتقد أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي نزل فيها القرءان إلى بيت العزة في السماء الأولى بل هي ليلة القدر بدليل قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} ( سورة القدر الآية 1 ) فهذه الآية تفسر الآية الأخرى {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} ( سورة الدخان الآيات 3-4 )

* بيان أنه لم يرد في قيام ليلة النصف من شعبان عدد معين من الركعات:

ومما ينبغي التنبه له أيضًا أن صلاة مائة ركعة أو خمسين أو اثنتي عشرة ركعة بصفة خاصة في هذه الليلة المباركة لا أصل له في الشرع ولم يثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنما للمسلم الذي يريد الخير والثواب أن يصلي في تلك الليلة ما قدّر له من الركعات النوافل من غير تقييد بعددٍ معينٍ أو هيئة وصفة خاصة بتلك الليلة.

فقد ذكر المحدث الشيخ عبد الله الغماري في كتابه “حسن البيان في ليلة النصف من شعبان” ما نصه: “لم ترد صلاة معينة في هذه الليلة من طريق صحيح ولا ضعيف وإنما وردت أحاديث موضوعة مكذوبة”.

* بيان أن الدعاء لا يردّ القضاء وأن مشيئة الله أزلية لا تتغير: ليعلم أن عقيدة أهل الاسلام أن مشيئة الله تعالى شاملة لكل أفعال وأقوال العباد فلا يحصل شىء في هذا العالم إلا بمشيئة الله وتقديره وعلمه وخلقه. وأن مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} (سورة التكويرالآية 29 )

فكل ما دخل في الوجود هو بمشيئة الله سواء كان خيرًا أو شرًا طاعة أو معصية، كفرًا أو إيمانًا لأنه لا خالق لشىء من الأشياء إلا الله تبارك وتعالى.

ومشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغير ولا تحول وكذلك سائر صفاته كالعلم والقدرة ، فالله تعالى يستحيل عليه التغيّر في ذاته وصفاته لأن التغير من صفات المخلوقات. فلا يجوز أن يعتقد انسانٌ أن الله تعالى تتغير صفاته أو مشيئته أو يتبدل علمه أو تحدث له مشيئة شىء لم يكن شائيًا له في الأزل كما لا يجوز أن يعتقد أنه يحدث له علم شىء لم يكن عالمًا به في الأزل.

فلا تتغير مشيئة الله تعالى بدعوة داعٍ أو صدقة متصدق أو نذر ناذر فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن كما روى أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما علم الله وشاء في الأزل أن يكون لا بد أن يوجد وما علم أنه لا يكون لا يدخل في الوجود ومن الدليل على ذلك حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم: “إن النذر لا يردّ من قدر الله وإنما يستخرج به من البخيل” وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة.

سألته أن لا يُكْفِرَ أمتي جملة فأعطانيها.

وسألته أن لا يهلكهم بما أهلك به الأمم قبلهم فأعطانيها.

وسـألتـه أن لا يـظهر عليـهم عـدوًا من غيـرهم فيسـتأصلهم فأعطانيها

وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.” رواه الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي هريرة

وروى مسلم عن ثوبان هذا الحديث عن النبيّ عليه السلام أنه قال: “سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة”. وفي رواية: قال لي :”يا محمد إنـي إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد”.

فهذا دليل واضح على أن الله سبحانه لا تتغير مشيئته بدعوة داع وأنه لا يكون إلا ما قدره الله وشاءه في الأزل.

ولو كان الله يغير مشيئته لدعوة أحد لغيّرها لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. هذه عقيدة أهل الحق عقيدة رسول الله وعقيدة الصحابة ومن جاء بعدهم واتبعهم باحسان.

* المعنى الصحيح لقول الله تعالى: {يـمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} .

أما قوله تعالى {يمحو الله ما يشاء ويثبت} فمعناه أن الله تعالى يمحو ما يشاء من القرءان ويرفع حكمه وينسخه ويثبت ما يشاء من القرءان فلا ينسخه.

وليس معناه أن الله تعالى يغير مشيئته لدعوة أو صدقة أو نذر كما فهم ذلك بعض الجهال ومعنى {وعنده أم الكتاب} أي جملة ذلك أي الناسخ والمنسوخ في اللوح المحفوظ.

* تفسير الآية: {كل يوم هو في شأن} ( سورة الرحـمن الآية 29 )

فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية بقوله: “يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع ءاخرين“.

ويوافق هذا قول الناس “سبحان الذي يغير ولا يتغير” وهو كلام حسن جميل إذ التغير في المخلوقات وليس في ذات الله و صفاته.

فتبين أن الله يغير أحوال العباد من مرض إلى صحة ومن فساد إلى صلاح ومن فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر على حسب المشيئة الربانية الأزلية. فالتغير يطرأ على أحوال المخلوقات وليس على مشيئة الله وعلمه. فإذا دعا العبد ربه أن يشفيه فاستجاب له يصح أن يقال إن دعاءه وافق مشيئة الله. وإذا لم يستجب له يصح أن يقال إن الله لم يشأ له الشفاء وعلى كلا الحالين يستفيد المؤمن بدعائه لربه سواء مع النفع الحاصل بالشفاء أو لم يحصل النفع بالشفاء لأن الثواب كتب له.

* تنبيه وتحذير: جرت العادة في بعض البلدان أن يجتمع الناس في ليلة النصف من شعبان في المساجد أو البيوت لقراءة دعاءٍ فيه لفظ فاسد  ينسبونه للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولبعض الصحابة وهو كذب على رسول الله لم يثبت عنه ولا عن واحد من الصحابة.

وهو قولهم: اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا عليّ في الرزق فامح اللهم شقاوتي وحرماني وطردي واقتار َ رزقي واكتبني عندك من السعداء”.

فهذا الكلام لم يثبت عن عمر ولا عن ابن عباس ولا عن مجاهد ولا عن أي واحد من السلف ومعناه مخالف للعقيدة الصحيحة وهي أن الشقي شقي في بطن أمه فلا يتبدل سعيدًا لأنه صح الحديث الشريف بذلك واعتقاد تبدل المشيئة أو العلم أو أي صفة من صفات الله تعالى كفر كما قال الإمام أبو حنيفة وغيره من العلماء الأفاضل.

وهذا دأب كثير ممن يقرأون هذا الدعاء الفاسد يعتقدون أن الله يغير مشيئته في تلك الليلة فينقلب العاصي إلى طائع والمسيء إلى محسن والشقي إلى سعيد والمحروم إلى ميسور فمن اعتقد ذلك فسدت عقيدته وعليه أن يعتقد الحق ويرجع إليه ويتشهد أي يقول الشهادتين للخلاص من الكفر، نسأل الله السلامة.

وأخيرًا ينبغي على الانسان أن يسارع إلى الخيرات بجد ونشاط ويستقبل الليالي المباركة ومنها ليلة النصف من شعبان بتوبة صادقة ليفوز يوم القيامة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه و سلم