احفظ ولدك

الحمدُ للهِ الواحِدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمدِ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ولم يكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. أَحْمَدُهُ تعالَى وأَسْتَهْدِيهِ وأَشْكُرُه وَأَسْتَرْشِدُهُ وَأَتُوبُ إليه وأعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا. مَنْ يهدِ اللهُ فَهو المهتدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَن تجدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. والصلاةُ والسلامُ علَى سَيِّدِنا وَحَبِيبِنا وَعَظِيمِنا وقَائِدِنا وقُرَّةِ أعيُنِنا محمّدٍ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَاديًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا ودَاعِيًا إلَى اللهِ بِإِذْنِهِ سِرَاجًا وَهَّاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا. وأشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ وأشهدُ أنّ سَيِّدَنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وَخليلُهُ صلَواتُ رَبِّي وسَلَامُهُ علَيْهِ وعلَى ءالِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

أمَّا بعدُ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ المسلمونَ فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ والسَّيْرِ علَى نَهْجِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ وَالثَّبَاتِ علَى صِراطِهِ الْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّ هذهِ الدنيا زَائِلَةٌ ومَلَذَّاتُها ذَاهِبَةٌ وَالفَائِزُ مَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنا بِأَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا النَّارَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ في سورةِ التَّحْرِيمِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَٰئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ٦﴾.

هذهِ الدنيا دارُ عَمَلٍ وَالآخِرَةُ دَارُ جَزاءٍ، فَطُوبَى لِمَنْ عَمِلَ لآخِرَتِهِ فَحَفِظَ نَفْسَهُ وَمَنْ هُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَإِنْ أَنْتَ عَمِلْتَ الخيرَ أَخِي المسلمَ فَإِنَّما لِنَفْسِكَ تَعْمَلُ، وَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ فَإِنَّما نَفْسَكَ تَحْفَظُ، واللهُ تعالى لا يَنْتَفِعُ بِطَاعَةِ الطَّائِعِينَ وَإِيمَانِ الْمُؤْمِنينَ كمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِمَعْصِيَةِ العَاصِينَ وَلَا يَتَأَذَّى بِكُفْرِ الكَافِرينَ فَاللهُ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ.

أخي المسلم، إِنْ أَنْتَ اتَّقَيْتَ اللهَ في نَفْسِكَ وَأَوْلادِكَ كَانَ أولادُكَ من بَعْدِكَ يَدْعُونَ لَكَ، وَيَنْطَبِقُ علَيْهِمْ ما قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ[1] اهـ أَمَّا مَا جَرَتْ علَيْهِ عَادَةُ كثيرينَ مِنَ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ في زَمَانِنا أَنْ لَا يَكْتَرِثُوا في أَيِّ مُجْتَمَعٍ انْخَرَطَ أَوْلادُهُمْ أَوْ بِأَيِّ زُمْرَةٍ مِنَ الشُّبَانِ والشَّابَّاتِ اخْتَلَطُوا، لَا يَكْتَرِثُونَ وَلَا يَسْأَلونَ بَلْ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ أَنْ يَسْأَلُوهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ أَوْ أَنْ يُحَذِّرُوهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

وَقَدْ قَالَ مُفْتِي بَيْروتَ الأَسْبَقُ الشيخُ مُصطَفَى نَجَا رَحِمَهُ اللهُ والوَلَدُ قَبْلَ البُلُوغِ يَكُونُ على الفِطْرَةِ وَقَلْبُهُ يَكُونُ خَالِيًا مِنَ الشَّواغِلِ فَمَهْمَا شَغَلْتَهُ بِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ وَلَا يَعُودُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَّسَعٌ لِقَبُولِ غَيْرِهِ كَالْإِنَاءِ إِذَا مُلِئَ بِشَىءٍ لا يَعُودُ لِشَىءٍ ءَاخَرَ مَحَلٌّ فِيهِ اهـ

إِنَّكَ حِينَمَا يَأْتِي خَاطِبٌ لِابْنَتِكَ تَبْعَثُ هُنَا وَهُنَاكَ تَسْأَلُ مَنْ يَسْتَقْصِي لَكَ عَنْهُ وَمَنْ يَسْتَعْلِمُ. وَكذلكَ إِنْ جَاءَكَ وَلَدُكَ يُريدُكَ أَنْ تَخْطُبَ لَهُ فُلانةَ تُسارِعُ أَنْتَ وَزَوْجَتُكَ لِلسُّؤالِ عَنْهَا وَعَنْ أَخْلَاقِهَا وَعَنْ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَأَحْوَالِ أُسْرَتِهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَهْتَمَّ لِأَوْلَادِهِ مَنْ يُصَاحِبُونَ فَإِنْ كَانَ الصاحبُ مِمَّنْ يَجْنَحُ إلَى الرَّذِيلَةِ تَرَى الوَلَدَ اكْتَسَبَ مِنْهُ الرَّذَائِلَ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْ تُصَادِقُ ابْنَتَكَ وَتُوَجِّهُهَا تَجْنَحُ نَحْوَ الحِشْمَةِ الدِّينِيَّةِ تَرَى ابْنَتَكَ صُورَةً تَعْكِسُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِينَا مَنْ يَرْغَبُ أَنْ يكونَ أولادُهُ مَوَائِدَ لِلرَّذِيلَةِ وَلَا أَنْ يكُونُوا أَعْضَاءً في فِرْقَةٍ لِلرَّذائِلِ وَلَا أَنْ يكونوا عَالَةً وَلَا حُثَالَةً في الْمُجْتَمَعِ.

وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تبارك وتعالى في القرءانِ الكريمِ بِحِفْظِ النفسِ والأَهْلِ مِنَ النارِ فقالَ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارا﴾[2]. وهذهِ الآيَةُ الكريمةُ فَسَّرَهَا سيدُنا عَلِيُّ بنُ طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَكَرَّمَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الخَيْرَ[3] اهـ أَيْ عِلْمَ الدِّينِ.

أَخِي المسلمَ إِنْ أَرَدتَ أَنْ تَحْفَظَ أَولادَكَ فَاعْرِفْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ بِاسْمِ الدِّينِ وَمَاذَا يُعْلَّمُونَ. الْمُهِمُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَلَدُكَ العِلْمَ الصحيحَ لَا مُجَرَّد تَرْكِهِ لِيَذْهَبَ إلى المسجدِ وَيَلْتَقِي بَعْضَ القَنَّاصِينَ أَدْعِيَاءِ الدَّعْوَةِ الذينَ قَدْ يَجُرُّونَ وَلَدَكَ لِأَفْكَارٍ هَدَّامَةٍ وَمَخَاطِرَ جَمَّةٍ.

انْتَبِهْ إلَى مَنْ يَلْجَأُ وَلَدُكَ في الْمَسَاجِدِ. انْتَبِهْ إلَى مَنْ يَلجأُ وَلدُكَ في الْمَدَارِسِ. انتبهْ إلى منْ يلجأُ ولدُك في النَّوادِي. انتَبِهْ إلَى مَنْ يُشارِكُ ولدُك في النشاطاتِ الرياضيةِ والاجتماعيةِ وغيرِها فَإِنَّ بَعْضَ الأَنْشِطَةِ تَمْوِيهٌ لِنَشَاطَاتٍ خَطِيرَةٍ يَتَسَتَّرُونَ بِها وَهُمْ كَالذِّئْبِ الذِي يَتَحَايَلُ علَى أَوْلادِنا لِيَلْتَهِمَهُمْ وَيَجُرَّهُمْ لِمَفَاسِدَ تَهْدِمُ وَتُدَمِّرُ الْمُجْتَمَعَ وَالوَطَنَ.

أَخِي المسلمَ سَتُسْأَلُ يومَ القِيَامَةِ هَلْ قُمْتَ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكَ تُجاهَ أَوْلادِكَ. كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ يُوَبِّخُونَ أَوْلَادَهُمْ لِأَجْلِ تَوْسِيخِ الثِّيابِ وَلَا يُوَبِّخُونَ الوَلَدَ إِذَا سَبَّ اللهَ أوِ الدِّينَ أَوِ الرَّبَّ أَوِ القُرْءَانَ.

أَخِي المسلمَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ اهـ فَانْظُرْ هَلْ أَعْدَدْتَ جَوَابَكَ لِذَلِكَ اليَوْمِ أَوْ أَنَّكَ عَنْ ذَلِكَ غَافِلٌ.

أَقُولُ قَولي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ علَى سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلَى ءالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرِينَ. وأشهدُ أن لا إله اللهُ الْمَلِكُ الحَقُّ الْمُبِينُ وأشهدُ أن محمدًا رَسُولُ اللهِ الصَّادِقُ الوَعْدِ الأَمِينُ صَلَوَاتُ رَبِي وَسَلَامُهُ عليهِ وعلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرينَ.

أَمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ والعَلَنِ فَإِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ، واعلَموا بأنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[4] اللهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مَجِيدٌ. اللهمَّ بارِكْ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.

اللهمَّ يا رَبَّنَا إِنَّا دَعْوَنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لَنَا ذُنوبَنا وَإِسْرَافَنا في أَمْرِنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِئَاتِنا وَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللهمَّ أَصْلِحْ نُفُوسَنَا وَءَاتِ نُفوسَنا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. اللهمَّ أَكْرِمْنَا بِزِيَارَةِ الحَبِيبِ الْمُصْطَفَى عليهِ الصَّلَاةُ والسلامُ وأَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ اللَّيْلَةَ وفي كُلِّ ليلَةٍ في الْمَنَامِ، اللهمَّ شَفِّعْهُ فِينَا يَا رَبَّ العالمينَ يَا رَحِيمُ يَا غَفَّارُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَاغْفِرِ اللهمَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصَّلاة.

[1] رواه مسلم في صحيحه.

[2] سورة التحريم ءاية 6.

[3] ذكره السيوطي في الدر المنثور مع زيادة وأدبوهم.

[4] سورة الأحزاب.