إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغْفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا جِسْمَ ولا مكانَ لهُ، أنْزَلَ عَلَى حبيبِهِ محمّدٍ شريعةً سَمْحَاءَ قدْ فازَ ورَبِحَ مَنْ تَمَسّكَ بِها، وقدْ خَابَ وخَسِرَ مَنْ أَعْرَضَ عنها. وأشهدُ أنّ سيِّدَنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ، المبعوثُ رحمةً للعالمينَ فَبَلّغَ شريعةً سَمَاويَّةً عَظِيمَةً فَأَنْقَذَ اللهُ تعالى بهِ خلقًا كثيرًا كانُوا يَعبُدُونَ الأوثانَ فَصَارُوا يَعْبُدُونَ اللهَ الواحِدَ الدَّيَّانَ.
الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ سيّدي يا محمّدُ يا عَلَمَ الهُدَى ما هَبَّتِ النَّسَائِمُ وَمَا نَاحَتْ علَى الأَيْكِ الحَمَائِمُ.
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكُمْ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ وبالتمَسُّكِ بِنَهْجِ سيِّدِ المرسلينَ سيِّدِنا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ الذي أنْزَلَ اللهُ تعالى على قَلْبِهِ قرءانًا عربيًا ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢﴾[1] وقَدْ جاءَ في هذا القرءانِ العظيمِ قولُه تعالى ﴿ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَة مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَنۡ عَادَ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٧٥﴾[2] إنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى تَعَبَّدَنا أَيْ كَلَّفَنَا بِأَشْيَاءَ فَلا بُدَّ مِنْ مُراعَاةِ مَا تَعَبّدَنا، فعَلَى العَبْدِ أنْ يُطِيعَ خَالِقَهُ بِأَدَاءِ ما أَمَرَ بِهِ واجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ لأنَّ اللهَ تعالَى أَهْلٌ لأَنْ يُطَاعَ، وسَواءٌ في ذلكَ ما ظَهَرَتِ الحِكمَةُ فيهِ ومَا لَمْ تَظهَرْ لَنَا الحِكْمَةُ فِيهِ وَهَذَا ابتِلاءٌ مِنَ اللهِ تباركَ وتعالى لعبادِهِ. وَلْيُعْلَمْ أنَّ اللهَ لم يَأْمُرْ بشىءٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَىْءٍ إِلَّا لِحِكْمَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ الرِّبا، فَاللهُ تَعَالَى حَرَّمَ علينَا الرِّبَا فِعْلَهُ وَأَكْلَهُ وَأَخْذَهُ وَشَهَادَتَهُ، فَلَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنّهُ قالَ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ءَاكِلَ الرِّبَا وَمُوْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ اهـ وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى وَذَمَّ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبا فقَالَ ﴿ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ﴾[3] أَيْ أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا مِنْ قُبورِهِمْ يُبْعَثُونَ علَى هذِهِ الهيئَةِ أَيْ هَيْئَةِ الْمَصْرُوعِ لِأَنَّهُ تَخَبَّطَ في المعامَلَةِ في الدنيا فَجُوزِيَ بِمَا يُنَاسِبُ فِعْلَهُ في الآخِرَةِ فيَقُومُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ مُخَبَّلِينَ كَحَالِ مَنْ أَصَابَهُ الجُنونُ وَتِلْكَ سِيمَاهُمُ التِي يُعْرَفُونَ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ.