الحمدُ للهِ بَاعِثِ الرُّسُلِ وَالنَّبِيِّينَ رَحْمَةً لِلنَّاسِ بِالنُّورِ الْمُبِينِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى ءَالِهِ الطَّاهِرينَ وَصَحَابَتِهِ الخِيرَةِ الْمُنْتَجَبِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ الأَحَدُ الـمُنَزَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بعدُ عِبَادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ فَقَدْ قَالَ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُور رَّحِيم ١٨﴾[1] فَإِنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى أَكْرَمَ الإنسانَ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لَا يُحْصِيهَا، في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ خَلَقَهُ فَسَوّاهُ فَعَدَلَهُ، فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَهُ، وَزَادَ في كَرَامَتِهِ فَوَهَبَهُ العَقْلَ وَمَيَّزَهُ، ليَعْرِفَ خَالِقَهُ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ، فَيَعْتَقِدَ أَنَّ بارِئَهُ وَبارئَ كُلِّ شَىْءٍ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ قَدِيمٌ لَا ابْتِدَاءَ لَهُ دَائِمٌ لَا انْتِهَاءَ لَهُ، حَيٌّ قَدِيرٌ عَالِمٌ مُخْتَارٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ لَا شَبِيهَ لَهُ، وَلِيَتَلَقَّى التَّكْلِيفَ عَنْ رَبِّهِ فَيَعْبُدَهُ وَيَعْرِفَ نِعَمَهُ، فَيقدرَها قَدْرَها ويَشْكُرَها ويُثْنِيَ علَى اللهِ حَقَّ قَدْرِه، وَأَوْجَدَه في الدُّنيا حَيْثُ شَهَوَاتُها غَرَّارَة وَنَوائِبُهَا كَرَّارَة، وَابْتَلَاهُ بِشَيْطَانٍ يَقْعُدُ لَهُ صِرَاطَ اللهِ المستَقِيمَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُضِلَّهُ ويُغْوِيَهُ، وبجِماعِ كَيْدِهِ يَجْلِبُ عليه بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، فَيَقْذِفُ عَلَى قَلْبِهِ بِالشُّبُهَاتِ وَالشَّهَواتِ وَيُوالِيهَا حَتَّى يُصِيبَ قَلْبَهُ بِالْأَمْراضِ الفَتَّاكَةِ وَالْعِلَلِ القَتَّالَةِ ليُعْرِضَ عَنْ رَبِّهِ فَاطِرِهِ وَبَارِئهِ وَيَشْتَغِلَ عَنْهُ تعالَى بِتِلْكَ العِلَلِ وَالأَمْرَاضِ وَزُخْرُفِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّهَوَاتِ.
إخوةَ الإيمانِ، إِنَّ وِقَايَةَ القُلُوبِ مِنْ تِلْكَ الأَمْرَاضِ وَطِبَّها مِنْ تِلْكَ العِلَلِ إِنَّما يكونُ بِإِرْشَادِ خَالِقِها العَالِمِ بِها وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِ السَّلَامَةِ والعَافِيَةِ إِلّا مِنْ طَرِيقِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِمْ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يُرْضِي اللهَ ومَا يُسْخِطُهُ وَمَا يُنْجِي فِي الآخِرَةِ مِمَّا يُهْلِكُ إِلّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ الْمُبَلِّغِينَ عَنِ اللهِ إِذْ لَيْسَ فِي العَقْلِ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهُمْ فَأَتمَّ اللهُ نِعْمَتَهُ علَى الخَلْقِ بِأَنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسلِ وَالأَنْبِيَاءِ مُبَيِّنِينَ السَّبِيلَ لِمَا فِيهِ عَافِيَتُهُمْ وَسَلَامَتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَفَلاحُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.