إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ، خالقُ العرشِ والكُرسِيِّ والسماواتِ والأَرْضِ، خالقُ الجنِّ والإِنسِ والملائكةِ، خالقُ البحارِ والأنهارِ، خالقُ النباتاتِ والأَشْجارِ والثِّمارِ، خالِقُ كلِّ شىءٍ ولا يَحتاجُ إلى شىءٍ ليس كمثلِه شىءٌ لا يُشبِهُ شيئًا ولا يشبِهُهُ شَىْءٌ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، اللهُم صلِّ على سيدنا محمدٍ صلاةً تَقضي بها حاجاتِنا اللهُم صلِّ على سيدنا محمدٍ صلاةً تُفرِّجُ بها كُرُباتِنا وسلّمَ عليهِ وعلى ءالهِ سلامًا كثيرًا.
أما بعدُ عبادَ الله فإِنِّي أُوصيكُمْ وَنَفْسِي بتقوَى اللهِ العظيمِ واعلَمُوا أنَّ اللهَ تعالَى يقولُ في القُرءانِ الكَريمِ ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيم ١٣﴾[1].
إخوةَ الإيمانِ إِنَّ سيدَنا لقمانَ رَجُلٌ حَكِيمٌ، أي أعطاهُ اللهُ الحِكْمَةَ قيلَ كانَ نَبِيًّا وقيلَ كانَ رَجُلًا وليًّا صَالِحًا وهذَا هو القَولُ الرَّاجِحُ. فقَدْ وَعَظَ وَلدَهُ مُسْتَفْتِحًا نُصْحَهُ لَهُ بِالابْتِعَادِ عَنِ الشِّركِ مُحَذِّرًا منهُ وَاصِفًا لَهُ بأنَّهُ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وهذا دَأْبُ الأَنبياءِ والصَّالِحينَ، لأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ والإيمانِ والتَّحْذِيرَ مِنَ الكُفْرِ والشِّرْكِ هو أهمُّ ما يُؤْمَرُ بهِ العبدُ علَى الإِطلاقِ.
وبعدَ أن حذَّرَ لُقْمَانُ وَلدَهُ مِنَ الشِّركِ أخَذَ يُعَلّمُهُ قَائِلًا ﴿يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَل فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير ١٦﴾[2]. فأَفْهَمَهُ بِهَذَا أَنَّ اللهَ تعالَى علَى كُلّ شَىءٍ قَدِيرٌ وأنَّ اللهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِ شَىْءٍ عِلْمًا، حتى لو كانَتْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لا تُعْجِزُ اللهَ، فاللهُ تعالَى يأتِي بِهَا ولو كَانَتْ في أبعدِ مَجاهِلِ الكَوْنِ.
انظروا أيها الإخوةُ حَذَّرَ لُقْمَانُ ولَدَهُ مِنَ الشِّركِ ثم أعطاهُ دَرْسًا في التوحيدِ وهذَا يذَكِّرُنا بِحَدِيثِ جُندُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ “كُنَّا مَعَ النبِيِّ صلى اللّه عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَة – والحَزَاوِرَةُ جَمْعُ الْحَزَوَّرِ وَهُوَ الغُلامُ إذَا اشْتَدَّ وَقَوِيَ – قالَ فَتَعَلَّمْنَا الإيمانَ قبلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ القُرْءَانَ ثم تعلَّمْنَا القُرءَانَ فَازْدَدْنَا بهِ إيمانًا”.