Category Archives: خطب الجمعة

الجار

إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنا وَعَظِيمَنا وَقَائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُه، هَذَا السَّيِّدُ الْمُفَخَّمُ الذِي عَلَّمَ الأُمَّةَ مَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَرَسَّخَ لَهُمْ قَواعِدَ صَلاحِ دُنْيَاهُمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ فَأَوْصَى بِالجَارِ وَأَمَرَ بِالاهْتِمَامِ لِأَمْرِهِ غَايَةَ الاهتِمَامِ فَفِيهِ تَوْطِيدُ الرَّوَابِطِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ إِذْ مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلّا وَلَهُ جَارٌ. اللهمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا محمدٍ وَعَلَى سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ ﴿وَٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشرِكُواْ بِهِۦ شيئا وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنا وَبِذِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلجَارِ ذِي ٱلقُربَىٰ وَٱلجَارِ ٱلجُنُبِ﴾[1]

إِخْوَةَ الإِيمانِ في هَذِهِ الآيةِ أَمَرَ اللهُ تباركَ وتعالَى بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ، وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الأَمْرُ بالإِحسانِ لِلْوَالِدَيْنِ وَذِي القُرْبَى وَمُلَاطَفَةِ اليَتِيمِ وَإِعَانَةِ الْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الْمُنْقَطِعِ فِي سَفَرِهِ.

وفي الآيَةِ أَيْضًا تَوْصِيَةٌ بِالْجَارِ قالَ اللهُ تباركَ وتعالَى ﴿وَٱلجَارِ ذِي ٱلقُربَىٰ وَٱلجَارِ ٱلجُنُبِ﴾ أَيِ الجَارِ القَرِيبِ وَالجَارِ البَعِيدِ عَنْ دَارِكَ أَوِ الجَارِ الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَالْجَارُ الغَرِيبُ.

Continue reading الجار

المرءُ على دِينِ خَلِيلِه

        الحمدُ للهِ الذي غمَرَ صَفْوَةَ عبادِه بِلَطَائِفِ التَّخْصِيصِ طَوْلًا وامْتِنَانًا، وألَّفَ بينهم فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، ونزعَ الغِلَّ مِنْ صُدورِهم فَظَلُّوا بِنِعْمَتِهِ أَصْدِقاءَ وأَخْدَانًا وفي الآخِرَةِ رُفَقَاءَ وخِلَّانا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيّهُ وحبيبُهُ. اللهمَّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ وعلى سائرِ إخوانِه منَ النبيينَ والمرسلينَ وعلى ءال كلٍّ وصحبِ كلٍّ وسلم.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القديرِ القائِلِ في مُحكمِ كتابِه ﴿ٱلأَخِلَّاءُ يَومَئِذ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلمُتَّقِينَ ٦٧﴾[1]

اللهُ تبارك وتعالى أخبَرنا في هذهِ الآيةِ الكريمةِ أنَّ الذينَ كانُوا في هذهِ الدُّنيا أَخِلّاءَ وَأَحْبَابًا وأصحابًا يَنْقَلِبُونَ في الآخِرَةِ أعداءً لِعظمِ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيامةِ وشِدَّةِ خوفِهم فِيهَا فيتَعَادَى ويَتَبَاغَضُ كلُّ خَليلٍ كانَ في الدُّنيا علَى غيرِ تُقًى معَ خَليلِه لأنهُ يرَى أَنَّ الضَّرَرَ قَدْ دَخَلَ علَيْهِ مِنْ قِبَلِ خَليلِه، إِلّا الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ مَوَدَّتَهُم تبقَى بينَهُم فِي الآخرةِ وينْتَفِعُ كُلُّ واحِدٍ بِصاحِبِه.

Continue reading المرءُ على دِينِ خَلِيلِه

التحذيرُ مِنْ مَسَبَّةِ الخَالِق

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُه ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ .وأشهدُ أنْ لا إِلَـهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَلا مَثيلَ لَهُ ولا نِدَّ ولا ضِدَّ لَهُ، جَلَّ رَبِّي لا يُشبهُ شَيئًا ولا يُشْبِهُهُ شَىءٌ ولا يَحُلُّ في شَىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شَىء، ليسَ كمثلِهِ شَىءٌ وهوَ السَّميعُ البَصِيرُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُهُ وصفيهُ وحبيبُه، بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ مَا جزَى نَبِيًّا مِنْ أنبيائِهِ. اللهمَّ صَلِّ على سيدِنا محمدٍ صلاةً تقضِي بِها حاجاتِنَا وتُفَرِّجُ بِها كُرباتِنا وَسَلِّمْ عليهِ وعلَى ءالِه سَلامًا كَثِيرًا.

أَمَّا بعدُ إخوةَ الإِيمان، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ أَلا فَاتَّقوهُ وخافُوهُ. يَقولُ اللهُ تعالى في القُرءانِ العَظيمِ ﴿وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّة يَدعُونَ إِلَى ٱلخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ ١٠٤﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ والإسلامِ، إنَّ موضوعَ خُطبَتِنا اليومَ ينبغِي أَنْ نَخْرُجَ بهِ إلَى الناسِ لنتكَلَّمَ بهِ في البُيُوتِ، لِنَتَكَلَّمَ بهِ في الشوارعِ والطُّرقاتِ بينَ الكَبيرِ والصَّغيرِ، بينَ الرِّجَالِ والشبابِ والنساءِ وهوَ التحذِيرُ مِنْ كُفرٍ صريحِ وكَبيرٍ جِدًّا شَاعَ وَلِلْأَسَفِ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَلَا وَهُوَ مَسَبَّةُ اللهِ عزَّ وجلَّ والعياذُ باللهِ تعالَى، فهذَا الأمرُ الذِي فيهِ ذَمٌّ وافتِرَاءٌ ونقصٌ وَازْدِرَاءٌ وإساءَةٌ للهِ تَقْشَعِرُّ منهُ الأَبْدانُ وتَرْتَجِفُ منهُ القلوبُ وتذرِفُ منهُ العيونُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ الوَاحِدِ القَهَّار.

أيهَا الأحبَّةُ الكرامُ، مَنْ مِنَّا لا يَعْصِرُ قَلْبُهُ إذَا سَمِعَ إِنْسَانًا يَسُبُّ أمَّهُ أوْ أباهُ وهذَا مِنَ الكبائرِ والعياذُ باللهِ فكيفَ بمسبَّةِ الخالقِ ؟ كيفَ بمسبَّةِ اللهِ سبحانَهُ وتعَالى ؟

فهذِه الأمُّ أنتَ لا تسبُّها فكيفَ بمَنْ يسبُّ خالقَ الأُمِّ والطفلِ وهوَ الذِي مَنَّ عَلينا وأنعمَ عَلينا بِنِعَمٍ لا تُحصى ؟ أنعَمَ عَلينا بالصحّةِ، بِالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ واللِّسانِ، بالطعامِ وَالشَّرابِ، بالنباتِ والثمارِ والفواكهِ، بالأنعَامِ، بالتذوقِ والشَمِّ واللمْسِ، بالأنهارِ وَالْبِحَارِ، بِعِلْمِ الدِّينِ، بِالْإِسْلامِ، فَكَيْفَ بَعْضُ الناسِ يسبّونَ اللهَ الذِي أنعمَ علينَا بنِعَمٍ لا تحصَى؟ لِيتكلَّمْ كلُّ واحدٍ مِنَّا بهذَا الموضوعِ أيِ بالتحذيرِ مِنْ مسبَّةِ اللهِ بينَ زملائِه في العمَلِ في الجامعةِ في المدرسةِ بينَ أهلِ بيتِه وجيرانِه عمَلًا بقولِه تعَالى ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ[2]

Continue reading التحذيرُ مِنْ مَسَبَّةِ الخَالِق

الصّلاة

الحمدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعيدِ الغنِيِّ الحمِيدِ ذِي العَفْوِ الوَاسِعِ والعِقابِ الشَّديد، من هَداهُ فهوَ السَّعِيدُ السَّدِيدُ وَمَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ الطَّريدُ البَعِيدُ ومن أَرشدَهُ إلى سبيلِ النجاةِ ووَفَّقهُ فهو الرَّشيدُ، يَعْلَمُ ما ظهَرَ وما بطَنَ وما خفِيَ وما عَلَنَ وهو أقرَبُ إلى كلِّ مُريدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على سيِّدِنا محمدٍ البشيرِ النّذيرِ وعلى ءالِه وأصحابِه الطّيّبينَ الطّاهرِين. أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العلِيِّ العظيمِ القائِلِ في مُحكَمِ كِتابِه {إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلمُهتَدِينَ ١٨}[1] إخوةَ الإيمانِ يا شَبابَ الإسلامِ {حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلوُسطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨}[2] فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كتَبَهُنَّ اللهُ على العبادِ فمَنْ جاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كانَ لَهُ عندَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجنَّةَ ومَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فليسَ لهُ عندَ اللهِ عهدٌ إِنْ شَاءَ عذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجنَّةَ اهـ [3]

فالصلاةُ شأنُها عَظِيمٌ إخوةَ الإيمانِ فإِنّها أفضَلُ الأَعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِه فانظُرُوا وفَّقنِي اللهُ وإِيَّاكُمْ كَمْ قُرِنَ ذِكْرُ الصلاةِ بالإيمانِ باللهِ ورسولِه في القرءانِ {وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ ٥}
[4] {ٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِٱلغَيبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ ٣}[5] {قَد أَفلَحَ ٱلمُؤمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَٰشِعُونَ ٢}[6]

وَانْظُروا كَمْ قُرِنَ ذِكْرُ تَرْكِ الصَّلاةِ بِالكُفْرِ والعياذُ باللهِ قالَ تعالَى إِخْبَارًا عن أَهْلِ النارِ حين يسألونَ توبيخًا لَهُمْ {مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَم نَكُ مِنَ ٱلمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَم نَكُ نُطعِمُ ٱلمِسكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلخَائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ ٱلدِّينِ ٤٦}[7] وقال تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ٣١ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ٣٢}[8] فإذَا تركَ العبدُ الصلاةَ فإِنْ كانَ تَرَكَها مُنْكِرًا لِفَرْضِيَّتِها أَوْ مُسْتَخِفًّا بِها فقد كفرَ والعياذُ بِالله، قالَ تعالى {وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَعقِلُونَ ٥٨}[9] وأمَّا إِنْ تَرَكَهَا كَسَلا فإنّهُ لا يكفُرُ ولكنهُ يفسُقُ ويقَعُ في الذّنْبِ العَظِيمِ.

Continue reading الصّلاة