Category Archives: خطب الجمعة

علِىُّ بنُ أبِى طالِب رابعُ الخُلَفَاءِ الراشِدِين

 

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِىَ لهُ وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الواحدُ الأحدُ الذِى لم يلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكُنْ له كفُوًا أحدٌ وأشهدُ أنّ سَيّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا ومُبشرًا ونذيرًا. اللهم صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه الطيبينَ وأصحابِهِ الميامِينَ حُماةِ الحقِّ والدِّين.

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإنّى أوصِيكُم ونفسِى بتقوَى اللهِ العلِىِّ العظِيمِ القائلِ فِى محكمِ التنزيلِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾[1]. وقال تعالى أيضًا ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلا ٢٣﴾[2] وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فعليكُمْ بِسُنَّتِى وسُنَّةِ الخُلفاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذِ[3] اهـ وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخلافةُ بعدِى ثلاثونَ سنةً[4] اهـ ثُمَّ يكونُ مُلكًا عَضُوضًا أَىْ ظَالِـمًا وكانَتْ هذه السّنُونَ الثَّلاثُونَ هِىَ مُدَّةَ خِلَافَةِ أبِى بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعلِىٍّ والحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ رضِىَ اللهُ عنهم وكانُوا جميعًا مِنْ أهلِ العِلْمِ الذِينَ هُم وَرَثَةُ الأنبِيَاءِ. وحديثُنَا اليومَ عنْ أميرِ المؤمنينَ سيدِنا عَلِىِّ بْنِ أبِى طالبٍ رَضِىَ اللهُ تعالى عنه.

هو أبو الحسنِ علِىُّ بنُ أبِى طالبِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشِمِ بنِ عبدِ منافٍ ابنُ عَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أمُّهُ فاطمةُ بنتُ أَسَدِ ابنِ هاشِمِ بنِ عبدِ مَنَافٍ وُلِدَ قبلَ البِعْثَةِ بعَشْرِ سِنينَ وتَرَبَّى فِى حِجْرِ النبِىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وَفِى بَيْتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أسلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ كَانَ يُلَقَّبُ حَيْدَرَةَ وَكَنَاهُ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أبا تُراب. ولما هاجَرَ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم مِنْ مكةَ إلى المدينةِ أمرَه أنْ يَبِيْتَ فِى فِراشِهِ وأجَّلَهُ ثلاثَةَ أيامٍ لِيُؤَدِّىَ الأَمَانَاتِ التِى كانتْ عندَ النبِىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إلى أَصْحَابِهَا ثُم يَلْحَقَ به إلى المدينةِ فهاجَرَ مِنْ مكةَ إلى المدينةِ المنورةِ ماشيًا. اصطفاهُ النبِىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم صِهرًا له وزوَّجَهُ بِنْتَهُ فاطمةَ الزهراءَ. كان رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ وجهَهُ ءادَمَ اللونِ ثقيلَ العَيْنَيْنِ عظيمَهُمَا حَسَنَ الوجهِ رَبْعَةَ القَدِّ إلى القِصَرِ أقرب كثيرَ شعرِ الصَّدْرِ عظيمَ اللحيةِ أصلعَ الرأسِ كثيرَ التَّبَسُّمِ أَعْلَمَ الصَّحَابةِ فِى القَضَاءِ وَمِنْ أَشْجَعِهِم وَأَزْهَدِهِمْ فِى الدُّنيا لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطّ رَضِىَ اللهُ عنه.

كان رضِىَ اللهُ عنه وأرضاه غزيرَ العِلْمِ زاهدًا وَرِعًا شُجاعًا. وَيَكْفِيهِ خُصُوصِيَّةً أنه مِنَ المغفورِ لهم حيثُ جاءَ فِى الحديثِ عنه رضِىَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ غَفَرَ اللهُ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ قالَ قُلْ لا إله إلَّا اللهُ العَلِىُّ العظيم لا إلهَ إلَّا اللهُ الحليمُ الكريمُ لا إله إلَّا اللهُ سبحانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ[5] اهـ

وأَخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِيَدِهِ عندَ غديرِ خُم فقالَ اللَّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ[6] اهـ.

وكان كرّمَ اللهُ وجْهَهُ لا يجِدُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا بَعْدَ أَنْ دَعَا لَهُ الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم فِى خيبر قائلًا اللَّهُمَّ اكْفِهِ أَذَى الحَرِّ والبَرْدِ[7] اهـ فكان رضِىَ اللهُ عنه يخرجُ فِى البردِ فِى الملاءتينِ ويخرجُ فِى الحرّ فِى الحشوِ والثوبِ الغليظِ.

ولقد كان لسيدِنَا علِىّ رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ وجهَهُ أقوالٌ ومواعظُ كثيرةٌ منها أنه قال إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الأَمَلِ فَأَمَّا اتّبَاعُ الْهَوَى فيصُدُّ عَنِ الْحقّ وَأمَّا طولُ الأمَلِ فيُنْسِى الآخِرَة[8]. وَقَالَ أَيْضًا ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَاب وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل[9].

وبُويعَ لسيدنا علِىٍّ رضِىَ اللهُ عنه بالخلافةِ فِى ذِى الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَاسْتَمَرَّتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ ابْتُلِىَ فيها بكثرةِ الأعداءِ فكانتِ الوَقَائِعُ الثَّلاثُ وَقْعَةُ الجَمَلِ مَعَ مَنْ نكَثُوا بَيْعَتَهُ وَوَقْعَةُ صِفِّين مَعَ معاويةَ وَوَقْعَةُ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخوارجِ وكانَ يَسْتَعِدُّ لِلزَّحْفِ إلى الشامِ لاستِعَادَتِهَا تَحْتَ سُلْطَةِ الخِلافَةِ حِينَ كَمَنَ عَبْدُ الرحمنِ ابنُ مُلْجِم لسيدِنا علِىٍّ وهو خَارِجٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فوثَبَ عليه وضَرَبَهُ بسيفٍ مسمُومٍ فِى جَبْهَتِهِ فكانَتْ وفاةُ أميرِ المؤمنينَ علِىِّ بنِ أبِى طالبٍ رضِىَ اللهُ عنه وكرَّمَ اللهُ وجهَهُ فِى شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ عنْ ثلاثٍ وستينَ سنة.

أخِى المسلم كُنْ محبًّا لمنْ أحبَّهُم اللهُ ورسولُه معظمًا لمن رفعَ اللهُ مِنْ شأنِهِم وأعلَى قدرَهُم وليَبْقَ حُبُّ الصحابةِ مُتَمَكِّنًا فِى قلبِكَ لا سيَّمَا الخلفاءِ الراشدينَ العامِلِينَ الوَرِعِينَ أبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمانَ وعلِىٍّ رضِىَ اللهُ عنهُم وأرضاهم. اللهُمَّ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ وَحُبِّ أَحْبَابِكَ وَاجْعَلْ وُلاةَ أمورِنَا مِنَ الصالحينَ العَامِلِينَ الوَرِعِينَ.

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

واعلَمُوا أنَّ اللَّهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نَبِيّهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[10] اللَّهُمَّ صَلّ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا صلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى ءالِ محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ اللَّهُمَّ ءاتِنَا فِى الدنيا حسنةً وفِى الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى اللهُمَّ مُصَرّفَ القُلُوبِ صَرّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ ودَرْكِ الشَّقَاءِ وشَمَاتَةِ الأعدَاءِ اللهُمَّ أصلِحْ لنا دينَنَا الذِى هو عِصْمَةُ أمرِنَا وأَصْلِحْ لنا دُنيانَا التِى فيها مَعَاشُنَا وأصلِحْ لنا ءاخِرَتَنَا التِى فيها مَعَادُنَا واجْعَلِ الحيَاةَ زيادَةً لنا فِى كلّ خيرٍ واجعلِ الموتَ راحةً لنا مِنْ كلّ شرّ اللهُمَّ ءاتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وزَكِّهَا أنتَ خيرُ مَنْ زَكَّاهَا أنتَ ولِيُّها ومَوْلَاها اللهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زوالِ نعمَتِكَ وتحوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجميعِ سَخَطِكَ اللهُمَّ اغفِرْ لنا ما قَدَّمْنَا وما أخَّرْنَا وما أسرَرْنَا وما أعْلَنَّا وما أنتَ أعلَمُ به منَّا أنتَ المقدّمُ وأنتَ المؤخّرُ وأنتَ علَى كلّ شَىءٍ قديرٌ اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بك مِنْ عِلمٍ لا ينفَعُ ومِنْ قلبٍ لا يخشَعُ ومِنْ نفسٍ لا تشبَعُ ومِنْ دَعوةٍ لا يُستجَابُ لها اللهُمَّ اكفِنَا بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وأغْنِنَا بفضْلِكَ عَمَّنْ سِواك. عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذكُرُوا اللهَ العظيمَ يذكركُم واشكُرُوه يزدكُم، واستغفِرُوهُ يغفِرْ لكُم واتَّقُوه يجعَلْ لكُم مِنْ أمرِكُم مخرَجًا وأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1]  سورة التوبة/ءاية 119.

[2]  سورة الأحزاب/ءاية 23.

[3]  رواه أبو داودَ فى سُنَنِهِ وغَيْرُه.

[4]  رواه ابن حبان فِى صحيحه.

[5]  رواه الترمذِىُّ فِى سننه.

[6]  رواه أحمد فِى مسنده.

[7]  رواه النسائِىُّ فِى السنن الكبرى.

[8]  ذكره البيهقِىُّ فِى الزهد الكبير.

[9]  رواه البخارِىُّ فِى صحيحه.

[10]  سورة الأحزاب/ءاية 56.

عثمانُ بنُ عَفَّانَ رضي الله عنه ثالثُ الخلفاءِ الرَّاشِدين

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِىَ لهُ وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا شبيه   ولا مثيل ولا ضد ولا ند له وأشهدُ أنّ سَيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبدُه ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمين هادِيًا ومُبشرًا ونذيرًا. اللهم صلّ وسلّمْ على سيدنا محمدٍ وعلَى ءالِه الطيبينَ وأصحابِهِ الميامِين حُماةِ الحقّ والدّين.

أما بعد عبادَ اللهِ فَإِنِّي أوصيكم ونَفْسِيَ بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلا ٢٣﴾[1] وقالَ رسولُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ[2] اهـ

إِنَّ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كانوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ العِلْمِ الذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ. وَأَفْضَلُهُمْ الخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ أَبُو بكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. وَمُدَّةُ خِلافَتِهِمْ كَانَتْ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ سَنَة. وحَدِيثُنا اليَوْمَ عَنْ أميرِ المؤمنينَ عثمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه. هو أبو عبدِ اللهِ عثمانُ بنُ عفانَ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ وَأُمُّهُ أَرْوَىَ بِنْتُ كُرَيْز. لُقِّبَ رضي الله عنه بِذِي النُّورَيْنِ لِأَنَّهُ تزوجَ بِنْتَيْ سَيِّدِ الكَوْنَيْنِ رُقَيَّةَ ثُمَّ أُمَّ كُلثوم بعدَ وفاةِ أُخْتِهَا وكان رضيَ الله عنه رَبْعَةً لَيْسَ بِالقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ حَسَنَ الوَجْهِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍكَثَّ اللحْيَةِ طَوِيلَ الذِّرَاعَيْنِ شَعَرُهُ كَسَا ذِرَاعَيْهِ قَدْ شَدَّ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ.

وُلدَ في السنةِ السادسةِ منَ الفيلِ وَقَدْ أَسْلَمَ قديمًا على يدِ أبي بكرِ رضي الله فهو مِنَ السابقينَ الأولينَ هاجرَ الهجرتينِ الأولى مِنْ مَكَّةَ إلى الحَبَشَةِ والثانِيَة مِنْ مَكَّةَ إلَى المدِينَةِ. وشَهِدَ المشاهِدَ كُلَّهَا معَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا بَدْرًا لأنَّ زَوْجَتَهُ رُقَيَّةَ كانَتْ مَرِيضَةً فأَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم أن يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ لِيُمَرِّضَهَا وَقَدْ عَدَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. بُويِعَ لَهُ بِالخِلافَةِ بعدَ دَفْنِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه بثلاثِ لَيَال. وفي عَهْدِه دَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الإِسْلامِ وَللهِ الحَمْد.

وأما فضائلهُ ومَآثِرُه رضيَ الله عنه فهيَ كثيرةٌ جِدًّا وَمِنْهَا أَنهُ سنةَ ثَلاثِينَ خَافَ أَنْ يَقَعَ اخْتِلَافٌ في القُرْءَانِ فَجَمَعَ الصَّحابةَ وَنَسَخُوا أَرْبَعَةَ مَصَاحِفَ أَوْ خَمْسَةً مِنَ الْمُصْحَفِ الذِي كانَ قَدْ جَمَعَهُ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ثم بَعَثَ إلى كُلِّ أفُقِ مِنَ الآفاقِ بِمُصْحَفٍ يَكُونُ مَرْجِعًا وَعُمْدَةً يعتمدونَ عليهِ فَلَمْ يَقَعْ وَللهِ الحمدُ خِلَافٌ فِي القُرْءَانِ أبدا.

وأما زهدُه في الدنيا وإنفاقُهُ المالَ في سبيلِ اللهِ فَقَدْ رَوَى الترمذيُّ في سُنَنِهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فحثَّ على الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ فَقَالَ عُثْمَانُ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا أي ما يوضع على ظُهُورها مِنْ كِسَاءٍ وَرَحْلٍ للركوبِ في سبيلِ اللهِ ثُمَّ حَثَّ أي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ حَثَّ عَلَيه الصلاةُ والسلامُ فَقَالَ عُثْمَانُ عَلَيَّ ثَلاَثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ قال الرَّاوِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ اهـ وقالَ شُرَحْبِيلُ بنُ مُسلمٍ كانَ عُثْمَان ُرضي اللهُ عنهُ يُطْعِمُ النَّاسَ طَعامَ الإِمَارَةِ وَيَدْخُلُ بَيْتَهُ فَيَأْكُلُ الخَلَّ وَالزَّيْتَ.[3]

Continue reading عثمانُ بنُ عَفَّانَ رضي الله عنه ثالثُ الخلفاءِ الرَّاشِدين

عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي الله عنْه ثَاني الخلفَاءِ الرَّاشِدِين

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الحمدُ للهِ الذي قَيَّضَ للخلق رجالًا حفظوا عليهم الدين، وأظهر مناقبَهم نُصرةً لهذا الدين، وأشهدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن سيدَنا ونَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُه ورَسُولُهُ إلى جميعِ الخلق رَحْمَةً لِلْعَالَمِين. اللهمَّ صلِّ وسَلِّمْ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ لهم بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العظيمِ والثَّبَاتِ على هَدْيِ نَبِيِّهِ الكريمِ. يقولُ اللهُ تعالى ﴿مِّنَ ٱلمُؤمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلا ٢٣﴾[1].
إِنَّ أفضَلَ هذهِ الأُمَّةِ بعدَ نَبِيِّها الخُلفَاءُ الرَّاشِدُونَ الأربعةُ أبو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِمْ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ سَنَةً. وحدِيثُنا اليومَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه ثاني الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ وأفْضَلِ هذِهِ الأُمَّةِ بعدَ نَبِيِّها صلى الله عليه وسلم وَبعْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ومُدَّةُ خِلافَتِهِ عَشْرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ تَقْرِيبًا فَقَدْ وَلِيَ الخِلَافَةَ بعدَ وفاةِ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه سنةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنَ الهِجْرَةِ.
هو أميرُ المؤمنينَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عَبْدِ العُزَّى ابنِ رِيَاحٍ القُرَشِيُّ وَأُمُّهُ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمٍ، لَقَّبَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالفاروقِ لأَنَّهُ يَفْرُقُ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ فَقَدْ قَالَ صلَّى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِه[2] اهـ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ أَجْرَى الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. وُلِدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعدَ عَامِ الفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وأَسْلَمَ بعدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً. كانَ طَوِيلًا كَأَنَّهُ عَلَى دَابَّةٍ أَصْلَعَ الرَّأْسِ أَبْيَضَ اللونِ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ كَثَّ اللحيةِ أَيْ كَثِيفَها خَفِيفَ شَعَرِ العَارِضَيْنِ مُتَواضِعًا زَاهِدًا وَرِعًا مُتَقَشِّفًا.

وَلِيَ عُمَرُ الخِلَافَةَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُما. وَقَامَ بِأَمْرِ الخِلَافَةِ بِالصِّدْقِ والعَدْلِ وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ والسِّياسَةِ لا يَخَافُ في اللهِ لوْمَةَ لَائِمٍ. وَهُوَ مَعَ حَزْمِهِ كَانَ مُتَواضِعًا فَيُرْوَى أَنَّهُ حَمَلَ الدَّقِيقَ وَالطَّعَامَ عَلَىَ ظَهْرِهِ إلَى الأَيْتَامِ الذِينَ عَلِمَ بِحالِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ وَالشِّدَّةِ. وَرَاجَعَتْهُ امْرَأَةٌ فِي مَنْعِهِ الزِّيادَةَ في مُهورِ النِّساءِ عمَّا سَاقَهُ النَّبِيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أَوْ سِيقَ إِلَيْهِ فِي بَنَاتِه فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِعُمَرَ لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تعالَى يَقُولُ ﴿وَءَاتَيتُم إِحدَىٰهُنَّ قِنطَارا فَلَا تَأخُذُواْ مِنهُ شَي‍ًا﴾[3] فَرَجَعَ سيدُنَا عُمَرُ إلَى الْمِنْبَرِ وَبَيَّنَ لِلنَّاسِ خَطَأَهُ وَتَرَاجُعَهُ عَمَّا قَالَ فَقَالَ أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَر. رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وفي سنةِ سَبْعَ عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ تَوَجَّهَ أَمِيرُ المؤمنينَ مُعْتَمِرًا وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَفِيهَا وَسَّعَ الْمَسْجِدَ الحَرَامَ جَزَاهُ اللهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. وَفِي هذهِ السنةِ تَزَوَّجَ أميرُ المؤمنينَ عمرُ بنُ الخطابِ بِأُمِّ كُلثومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبٍ وكانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَدْ أَرْسَلَ إليهِ بِابْنَتِه أُمِّ كُلثومٍ في حَاجَةٍ إلَى عُمَرَ ثم سَأَلَهُ إِنْ أَعْجَبَتْهُ لِيُزَوِّجَهَا إِيَّاهُ فَقَبِلَ عُمَرُ وهذا يَدُلُّ علَى شِدَّةِ حُبِّ عليٍّ لعُمَرَ وَتَوْقِيرِه وَحِرْصِ عُمَرَ علَى التَّشَرُّفِ بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمُصَاهَرَةِ عَلِيٍّ فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَا كانَ أَخْلَصَ حُبَّهُمَا فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

Continue reading عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي الله عنْه ثَاني الخلفَاءِ الرَّاشِدِين

أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق رَضِي الله عَنهُ أَولُ الخلَفَاءِ الرَّاشِدِين (مختصرة)

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الحمدُ للهِ الذي خَلَقَنَا وأمرَنَا بعِبَادَتِهِ وطَاعَتِهِ. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن سيدَنا ونَبِيَّنَا وعظيمَنا مُحمَّدًا عبدُه ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وخليلُهُ، مَنْ أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين. اللهمَّ صلِّ وسَلِّمْ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعِينَ لهم بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدين.
عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَالثَّبَاتِ على هَدْيِ نَبِيِّهِ الكريمِ.
يقول اللهُ تعالى ﴿مِّنَ ٱلمُؤمِنِينَ رِجَال صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلا ٢٣﴾[1].
أما بعدُ عبادَ اللهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ العِلْمِ الذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ الخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ أَبُو بكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. وَمُدَّةُ خِلافَتِهِمْ كَانَتْ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ سَنَة. وحَدِيثُنا اليَوْمَ عَنْ أَبِي بكرٍ الصِّديقِ رضي اللهُ عنه أَوَّلِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَفْضَلِ هذهِ الأمَّةِ بعدَ نَبِيِّها صلى الله عليه وسلم.

هُوَ أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه مَعْدِنُ الهُدَى وَالتَّصْدِيقِ واسمُهُ عَبْدُ اللهِ ابنُ عُثْمَانَ مِنْ قَبِيلَةِ قُرَيْش. وُلِدَ بعدَ الفِيلِ بِنَحْوِ ثَلاثِ سِنينَ كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ مُحَبَّبًا فِيهِمْ مَأْلَفًا لَهُم. كَانَ أَبْيَضَ اللونِ نَحِيفَ الجِسْمِ خَفِيفَ العَارِضَيْنِ نَاتِئَ الجَبْهَةِ أَجْوَدَ الصَّحَابَةِ. وَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ سَبَقَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ وَكانَ عُمُرُه سَبْعًا وَثَلاثِينَ سَنَةً وَعَاشَ فِي الإِسلَامِ سِتًّا وَعِشْريِنَ سَنَةً. وَهُوَ أَوَّلُ خَلِيفَةٍ كانَ فِي الإِسلامِ وَأَوَّلُ مَنْ حَجَّ أَمِيرًا فِي الإِسلامِ فَإِنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتَحَ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَيَّرَ أَبَا بَكْرٍ يَحُجُّ بِالنَّاسِ أَمِيرًا سَنَةَ تِسْعٍ.

وهاجَرَ أَبُو بَكْرٍ الصديقُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصَحِبَهُ في الغَارِ وَءَانَسَهُ فِيهِ وَوَقَاهُ بِنَفْسِه. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لأَبِي بَكْرٍ أَنْتَ أَخِي وَصَاحِبِي فِي الغَار[2] اهـ وَقَدْ كَانَ أبُو بكرٍ يَسْتَأْذِنُهُ في الخُروجِ فَيَقُولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا تَعْجَلْ لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا فَلَمَّا كانَتِ الهجرةُ جاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِي بَكرٍ وهو نائمٌ فَأَيْقَظَهُ فقالَ لَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُذِنَ لي فِي الخُرُوجِ قالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها فَلَقَدْ رَأَيْتُ أبَا بَكْرٍ يَبْكِي فرَحًا[3] اهـ

Continue reading أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق رَضِي الله عَنهُ أَولُ الخلَفَاءِ الرَّاشِدِين (مختصرة)