Category Archives: خطب الجمعة

النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَريِمِ ﴿فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥ ٨﴾[1].

إِخْوَةَ الإيِمَانِ، إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ التَّرْغِيبَ بِقَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ وَالتَّحْذِيرَ مِنْ قَلِيلِ الشَّرِّ وَكَثِيرِهِ، فَحَرِيٌّ بِنَا وَنَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ أَنْ نُقْبِلَ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ قالَ في ليلةِ النصفِ من شعبان إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا اﻫ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وغيرُه وفيهِ أنَّهُ قالَ فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ أَلَا مِنْ مُسْتَرْزِقٍ فَأَرْزُقَهُ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حتّى يَطْلُعَ الفَجْرُ اﻫ

أيها الأحبةُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ عظيمةٌ وهيَ ليلةٌ تُذَكِّرُنا بِاقْتِرَابِ خيرِ الشهورِ شهرِ رمضانَ الذِي أُنْزِلَ فيهِ القرءانُ وقد أَرْشَدَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغِي للمُؤْمِنِ أن يفعلَه في يومِ النصفِ من شعبانَ وماذا يفعَلُ في ليلتِه أيِ الليلةِ الْمُتَقَدِّمَةِ على يومِ النصفِ من شعبانَ بأن يقومَ ليلَهُ بالصلاةِ والدُّعاءِ والاستِغْفَارِ ويصومَ نَهارَه، وقد مدَحَ اللهُ الْمُسْتَغْفِرينَ فِي الأَسْحارِ قالَ تعالى ﴿ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلقَٰنِتِينَ وَٱلمُنفِقِينَ وَٱلمُستَغفِرِينَ بِٱلأَسحَارِ ١٧﴾[2] وَقالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وسلامُه عليهِ فيمَا رواهُ مسلمٌ أَفْضَلُ الصلاةِ بعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ الليل اﻫ فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَهْتَمَّ بهذهِ الليلةِ ونَشْغَلَها بالطاعاتِ والخيراتِ ونسألَ اللهَ فيها أن يغفِرَ لنَا الزَّلّاتِ وقد قالَ ربُّ العزّةِ في كتابِه الكريم ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنيَا﴾[3] أَيْ لاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ لآخِرَتِكَ مِنْ دُنْيَاكَ، فَمَنْ تَزَوَّدَ لآِخِرَتِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَهُوَ الْمُتَزَوِّدُ وَمَنْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ لِلآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَقَدْ فَاتَهُ التَّزَوُّدُ واللهُ تعالَى يقولُ ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰ﴾[4] وقد جاءَ في أَخْبارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ أنَّ أهلَ مكةَ كانُوا إذَا أَتَتْ ليلةُ النصفِ من شعبانَ خرجَ عامَّةُ رجالِهم ونِسائِهم إلى المسجِدِ فصَلَّوْا وطافُو وأَحْيَوْا لَيْلَتَهم حتّى الصباح بِالقِرَاءةِ في المسجدِ الحرامِ حتّى يَخْتِمُوا القُرْءانَ كُلَّه ومِنْهُمْ مَنْ كانَ يُصَلِّي تلكَ الليلَةَ مائةَ ركعَةٍ يَقْرَأُ في كُلِّ ركعَةٍ بالحمدُ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَد عشرَ مرَّاتٍ وأنهم كانوا يأخُذونَ مِنْ مَاءِ زمزمَ تلكَ الليلةَ فيَشْرَبُونَه ويَغْتَسِلُونَ بِه ويُخَبِّئونَهُ عندَهُم لِلْمَرْضَى يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ البَرَكَةَ في هذِهِ الليلَةِ.

Continue reading النِّصْف مِنْ شَعْبَان (مغانم ومحاذير من دسائس)

بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾

الحمدُ للهِ الْمُنَزَّهِ بِذاتِه عن إِشارَةِ الأَوْهَام، الْمُقَدَّسِ بِصفاتِه عن إِدراكِ العُقولِ والأَفْهَام، المتَّصفِ بالأُلوهِيَّةِ قبلَ كُلِّ مَوْجُودٍ، البَاقِي بِالنُّعوتِ الأَبَدِيَّةِ بعدَ كُلِّ مَحمُود، القَدِيمِ الذِي تعالَى عَنْ مُماثَلَةِ الْحَدَثانِ، العَظيمِ الذِي تَنَزَّه عَنْ مُمَاسَّةِ المكان، الْمُتَعالِي عَنْ مُضاهَاةِ الأَجْسامِ ومُشابَهةِ الأَنام، القادِرِ الذِي لا يُشارُ إليهِ بِالتَّكْيِيفِ، القَاهِرِ الذِي لا يُسْئَلُ عَن ما يَفْعَلُ، العَليمِ الذِي نَزَّلَ القُرءانَ شِفَاءً لِلأَرْواحِ والأَبْدَانِ، والصَّلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ الذِي مَدَّتْ عليهِ الفَصَاحَةُ رِواقَها وشَدَّتْ بِهِ البَلاغَةُ نِطاقَها المبعوثِ بِالآياتِ البَاهِرَاتِ والحُجَجِ النَّيِّرات، الْمُنَزَّلِ عليهِ القُرءانُ رَحْمَةً للنَّاسِ وعلَى ءالِه وصحابَتِهِ الطاهِرين.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢ وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمرِهِۦۚ قَد جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيء قَدرا ٣﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ روَى أحمدُ في مُسنَدِهِ والحاكِمُ في المستَدْرَكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو عَلَيَّ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾[2] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُم قَالَ فَجَعَلَ يَتْلُو بِهَا وَيُرَدِّدُهَا اﻫ

والتَّقْوَى مَعْنَاهَا أَدَاءُ الواجِباتِ كُلِّها واجتِنابُ المحرَّماتِ كُلِّها وقَدْ جَاءَ عنِ ابنِ عباسٍ رضىَ اللهُ عنهُما أنهُ قالَ ومَن يَتَّقِ اللهَ يُنْجِهِ في الدُّنيا وَالآخرة[3] ﴿وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ﴾ أي من حيثُ لا يَدْرِي، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْفَرَجِ مِنَ الكُرُباتِ فِي الدنيا والآخرَةِ وَسَبَبٌ لِلرِّزقِ ولِنَيلِ الدَّرجاتِ العُلَى أمَّا المعاصِى فَهِيَ سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ في الدنيا وفي الآخِرَةِ فقد روى الحاكمُ وابنُ حبانَ وغيرُهما عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ[4] اﻫ قالَ بعضُهم فَيُحْرَمُ مِنْ نِعَمٍ فِي الدنيا مِنْ نَحْوِ صحَّةٍ ومَالٍ أو تُمْحَقُ البركةُ مِنْ مَالِهِ أو يَسْتَوْلِي عليهِ أَعْدَاؤُه وَقَدْ يُذْنِبُ الذَّنبَ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ مِنَ القُلوبِ أَوْ يَنْسَى العِلْمَ حَتَّى قالَ بعضُهم إِنِّي لأَعْرِفُ عُقوبَةَ ذَنْبِي مِنْ تَغَيُّرِ الزَّمانِ وجَفَاءِ الإِخْوَانِ.

فلا تَتْرُكْ أَخِي وَاجِبًا مَهْمَا كانَ وَلا تَأْتِ مَعْصِيَةً مَهْمَا كانَتْ صَغِيرَةً أو كبيرةً ولا تَخْشَ في ذلكَ تَغَيُّرَ الزَّمانِ بلْ تَوَكَّلْ علَى اللهِ فَإِنَّ الأمرَ كما قالَ تعالى ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُه﴾[5] أَيْ فَهُوَ كَافِيهِ، والتَّوَكُّلُ أيُّها الأَحِبَّةُ معناهُ الاعتِمَادُ بِالقَلْبِ علَى اللهِ وحدَهُ لأنَّهُ سبحانَهُ خالقُ كُلِّ شَىءٍ مِنَ المنَافعِ والمضَارِّ وسائِرِ مَا يَدخُلُ في الوجُودِ فلاَ ضَارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا اللهُ فإذَا اعتَقدَ العبدُ ذلكَ ووَطَّنَ قلبَه علَيه وأَدامَ ذُكْرَهُ كانَ اعتمادُهُ على اللهِ في أمُورِ الرِّزْقِ والسّلامةِ منَ المضَارِّ واجتَنَبَ اللجوءَ إلَى المعصيةِ لا سيَّما عندَ الضيقِ روى الإمامُ أحمدُ وغيرُه عن أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضىَ اللهُ عنه أنهُ قالَ سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا أَىْ تَخْرُجُ في أوَّلِ النَّهارِ ولَيسَ في بُطونِها أَكْلٌ وَتَرُوحُ بِطَانًا أَيْ وَتَرْجِعُ إلى أَعْشَاشِها وَقَدِ امْتَلأَتْ بُطونُها.

Continue reading بيان معنى قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا ٢﴾

تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا مثيلَ ولا شبيهَ ولا مكان له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسَلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في محكم كتابه ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلهُدَىٰ وَيَتَّبِع غَيرَ سَبِيلِ ٱلمُؤمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصلِهِۦ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا ١١٥﴾[1]

إخوةَ الإيمانِ دلت هذهِ الآيةُ الكريمةُ على أنَّ من أرادَ النجاةَ عليهِ أن يلتزِمَ سبيلَ المؤمنينَ أي مَا أَجْمعَ عليهِ علماءُ المسلمينَ وأنَّ مَنْ أَعْرَضَ عن ذلكَ فجزَاؤُه جهنَّمُ وبئسَ المصير.

ومِنْ أصولِ عقائدِ المؤمنينَ التي دَلَّتْ عليهَا الأَدِلَّةُ والبراهينُ القاطعةُ مِنَ القُرْءَانِ والحدِيثِ والعَقْلِ والإِجماعِ تَنْزِيهُ اللهِ سبحانه وتعالى عنِ التحيزِ في مكانٍ أوِ الانتشارِ في الأَماكِن، فربُّنا سبحانَه وتعالى هو خالِقُ المكان، كانَ قبلَ الأماكِنِ كلِّها مِنْ غيرِ احتياجٍ إليهَا ثم خَلقَ الأماكِنَ وبعدَ خَلْقِهَا ما زالَ كمَا كانَ موجودًا بِلا مكانٍ لأنهُ سبحانَهُ يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ كما اشتَهَرَ ذلك بينَ عَوامِّ المسلمينَ وخَواصِّهم إِذْ لو جازَ عليهِ التغيُّرُ لاحتاجَ إلَى مَنْ يُغَيِّرُه والمحتاجُ إلى غيرِه لا يكونُ إِلها.

ثم المكانُ إخوةَ الإيمانِ هو الفراغُ الذِي يشغلُه الجِسم، وإِنْ شئتَ قلتَ هُوَ ما يأخُذُه الحَجْمُ مِنَ الفَراغ، فَلَو كانَ اللهُ في مَكانٍ لكانَ جسمًا لهُ طُولٌ وعَرْضٌ وعُمْقٌ كمَا أنَّ الشمسَ لَها طولٌ وعرضٌ وعمقٌ وحجمٌ وشكلٌ ومن كانَ كذلكَ كانَ بِلا شَكٍّ مَخْلُوقًا مثلَ المخلوقينَ مُحتاجًا إلى مَنْ خَصَّهُ بذلكَ الطولِ وذلكَ العَرْضِ وذلكَ العُمْقِ، والاحتياجُ يُنافِي الألوهيةَ، فوجبَ عَقْلًا تنزيهُ اللهِ عَنِ المكانِ. هذا الدليلُ مِنَ العَقْلِ.

Continue reading تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

معجزةُ الإسراءِ والمعراجِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونستهديه ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنَـا، من يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِـلَّ لَهُ ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لـهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلَّغ الرسالة وأَدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عَنَّا خيرَ ما جَزَى نبيا من أنبيائه، وصلى الله وسلمَ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ.

أما بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العليّ العظيم. يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿سُبحَٰنَ ٱلَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَولَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِن ءَايَٰتِنَا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١﴾[1].

أيها الأحبةُ تَمُرُّ علينَا في هذَا الشهرِ الكريمِ رَجَبٍ ذِكْرَى الإسراءِ والمِعْرَاجِ، وَهِىَ مناسبةٌ سَامِيَةٌ لِذِكْرَى رَاقِيَةٍ يُحْتَفَلُ بِهَا لِعَظِيمِ مَدْلُولِها وَجَلَالِ قَدْرِهَا، كيفَ لَا وَهِيَ مُعْجِزَةٌ كُبْرَى خُصَّ بِهَا مُحمدُ بنُ عبدِ اللهِ النبيُّ الأمِّيُّ العَرَبِيُّ الأَمِينُ، خَاتَمُ الأنبياءِ وَأَوْفَى الأَوْفِيَاءِ فَقَدْ كانَ إسراؤُهُ مِنْ مَكَّةَ المكرَّمَةِ لِلْأَقْصَى الشَّرِيفِ، ومعراجُهُ إلى السماواتِ العُلَا ورُجُوعُهُ فى جُزْءِ لَيْلَةٍ يُخبرُ أهلَ الأرضِ عَمَّا رأَى مِنَ العَجَائِبِ وَيَصِفُ لَهُمُ الأَقْصَى نَافِذَةً نَافِذَةً، دَلِيلًا قَاطِعًا وَبُرْهَانًا سَاطِعًا علَى صِدْقِ دَعْوَتِهِ وَحَقِّيَّةِ نُبُوَّتِهِ.

إِخْوَةَ الإِيمان، روَى النَّسَائِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسِرْتُ فَقَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَام فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا فِيهَا ءادَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ[2] السَّادِسَةِ فَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صُعِدَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَأَتَيْنَا سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى اهـ

أيها الأحبةُ لَقَدْ أُسْرِيَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإِسْرَاءِ مِنْ مَكَّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجُمِعَ لَهُ الأنبياءُ هُناكَ وَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إلَى السماواتِ حَتَّى بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَهُنَاكَ رَأَى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم سَيِّدَنا جِبْريلَ عليهِ السلامُ، فَدَنَا جبريلُ مِنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِشِدَّةِ شَوْقِهِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى كانَ مَا بَيْنَهُمَا قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، كمَا قال تعالى في النبيِّ صلى الله عليه وسلم ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ ٣ إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ ٤ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلقُوَىٰ ٥ ذُو مِرَّة فَٱستَوَىٰ ٦ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعلَىٰ ٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَىٰ ٩﴾[3] عَلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدُ القُوى ذُو المِرَّةِ جِبْرِيلُ، وهُوَ الذِي دَنَا مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ حِينَ رَءَاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ سدرةِ الْمُنْتَهَى علَى صُورَتِه الأَصْلِيَّةِ كمَا قالَ تعالَى ﴿وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَىٰ ١٣ عِندَ سِدرَةِ ٱلمُنتَهَىٰ ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلمَأوَىٰ   ١٥﴾[4]. رَوَى البخاريُّ ومسلمٌ إِمَامَا أَهْلِ الحَدِيثِ عَنِ السيدَةِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ زوجةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّها عِنْدَما ذُكِرَ لها قولُ اللهِ تعالى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ ﴾ قَالَتْ إِنَّما ذَاكَ جِبْرِيلُ اهـ أي وَلَيْسَ المقصُودُ بهذهِ الآيةِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَنَا مِنْ رَبِّهِ تعالى بِالْمَسَافَةِ والجِهَةِ حتى صارَ أَقْرَبَ إليهِ مِنْ ذِرَاعَيْنِ لأنَّ اللهَ تعالَى لَيْسَ جِسْمًا ذَا كَمِّيَّةٍ، وليسَ لهُ مَكَانٌ ولا جِهَةٌ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ القُرْبُ الْمَسَافِيُّ والبُعْدُ المسَافِيُّ وهذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ. فالْزَمْ أَخِي عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَكُنْ مِنَ الفَائِزِينَ بِإِذْنِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وقالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ كانَ ذَهَابُه صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إلى المسجِدِ الأَقْصَى وَعُرُوجُهُ إلى أَنْ عَادَ إلى مَكَّةَ في نَحْوِ ثُلُثِ لَيْلَةٍ، فَأَخْبَرَ الكُفَّارَ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ فَتَجَهَّزَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلى أبي بَكْرٍ فقالوا لَهُ هَلْ لَكَ في صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثم رَجَعَ إلى مَكَّةَ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فقالَ أبو بَكْرٍ أوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قالَ فأَشْهَدُ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ قالُوا فَتُصَدِّقُهُ بأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ في ليلَةٍ وَاحِدَةٍ ثم يَرجِعَ إلَى مَكَّةَ قبلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قالَ نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ اهـ فَبِهَا سُمِّيَ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَجَمَعَ أبُو جَهْلٍ قَوْمَهُ فَحَدَّثَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِمَا رَأَى فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ وكَيْفَ هَيْئَتُهُ وكيفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ فَإِنْ يَكُنْ محمّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ فَجَاءَهُ ذلكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ يَا محمدُ أنَا أعْلَمُ الناسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْنِي كيفَ بِنَاؤُهُ وكيفَ هَيْئَتُهُ وكيفَ قُرْبُهُ مِنَ الجَبَلِ فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إليهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إلَى بَيْتِهِ بِنَاؤُهُ كذَا وكذَا وَهَيْئَتُهُ كذَا وكذَا وقُرْبُهُ مِنَ الجبلِ كَذَا وَكَذَا فقَالَ الآخَرُ صَدَقْتَ وَفِى رِوَايَةٍ قالَ أمَّا النَّعْتُ أَيِ الوَصْفُ فَقَدْ وَاللهِ أَصَابَ. وفِي هذَا قالَ القَائِلُ

وَالْمَسْجِدُ الأَقْصَى عَلَيْهِ مِنَ التُّقى
حُلَلٌ ومِنْ نُورِ الهُدَى لَأْلَاءُ
وَالأَنْبِيَاءُ بِبَابِهِ قَدْ شَاقَهُمْ
نَحْوَ النَّبِيِّ مَحَبَّةٌ وَرِضَاءُ
يا صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ فَوْقَ الْمُنْتَهَى
لَكَ وَحْدَكَ الْمِعْرَاجُ وَالْإِسْرَاءُ
يا وَاصِفَ الأَقْصَى أَتَيْتَ بِوَصْفِهِ
وَكَأَنَّكَ الرَّسَّامُ والبَنَّاءُ

فَالإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ إِخْوَةَ الإيمَانِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ العَظِيمَةِ الدَّالَّةِ علَى نُبُوَّتِهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعًا. اللهمَّ اجْمَعْنَا بِحَبِيبِكَ مُحَمَّــدٍ فِي الفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى وَدَاوِنَا يِا رَبَّنَا بِنَظْرَةٍ مِنْهُ وَارْزُقْنَا شَرْبَةً مِنْ حَوْضِهِ لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ خديجةَ وَحَفْصَةَ وعائِشَةَ الوَلِيَّةِ البَرَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ الصَّالِحَةِ الْمُبَرَّأَةِ وَسَائِرِ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرِّجْسِ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الفَارُوقِ الذي يَجْرِي الحَقُّ علَى لِسانِه وَقَلْبِه وَمَنْ قالَ فيهِ الرسولُ مَا لَقِيَكَ الشيطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك اهـ وعُثْمَانَ ذي النُّورَيْنِ وَعَلِىٍّ الكَرّارِ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوهُ.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا    ٥٦﴾[5]، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ اللهم اجز الشيخ عبد الله الهرريّ رحمات الله عليه عنّا خيرًا.

عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة الإسراء / 1.

 

[2] وفي رواية مسلم أنه عليه الصلاة والسلام التقى سيدنا إدريس في السماء الرابعة والتقى بسيدنا هارون في الخامسة.

[3] النجم / 3-9.

[4] النجم / 13-15.

[5] سورة الأحزاب/56.