Category Archives: خطب الجمعة

الوقوف بعرفة

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، ولا جُثَّةَ ولا أَعضاءَ له، أَحدٌ صمدٌ لم يلدْ وَلَمْ يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلّى الله وسلّم على سيدنا محمدٍ وعلى كلِ رسولٍ أرسله.

أما بعد عبادَ اللهِ فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليّ العظيمِ وبِالاعتصامِ بِحَبْلِ اللهِ المتينِ عَمَلًا بقولِه تعالى ﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَٱذكُرُواْ نِعمَتَ ٱللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِۦ إِخوَٰنا وَكُنتُم عَلَىٰ شَفَا حُفرَة مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُم ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ ١٠٣﴾[1].

إخوة الإيمان، إنّ الأمةَ المحمّديةَ اليوم تنتظرُ بشوقٍ لتشهدَ مشهدًا مِنْ أبْهَى مظاهرِ الوَحدة، حيثُ يجتمعُ المسلمونَ بأشكالِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ وألسنتِهم المتعدّدةِ تحتَ رايةِ التوحيدِ التي جَمَعَتْهُمْ فوقَ أرضٍ واحدةٍ يدعونَ ربًّا واحدًا يدعونَ اللهَ الذي لا إله إلا هو.

إنَّ موقفَ المسلمينَ على أرضِ عرفةَ قائلين لَبَّيْكَ اللهمَّ لبَّيْك، لبّيك لا شريكَ لكَ لَبَّيْك، إنَّ الحمدَ والنّعمةَ لكَ والْمُلك، لا شريكَ لك، موقفٌ تُشَدُّ لَهُ الأَبْصَار، وَتحنُّ لهُ القلوب، وَتذرِفُ له العيونُ شوقًا لِبِقاعِ مكّةَ ومنى وعرفةَ ورغبةً في ما يقامُ فيها منْ مناسك.

قال تعالى ﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ﴾ أمْرٌ بالتمسّكِ بالدّينِ والوقوفِ عندَ حدودِ الدينِ والاعتصامِ بحبل الله المتين.

﴿وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾ لأنّ في الفُرقةِ ضعفًا وفي الوَحْدَةِ قُوَّة. ويُذكّرُكُم اللهُ بالنعمةِ العظيمةِ ﴿وَٱذكُرُواْ نِعمَتَ ٱللَّهِ عَلَيكُم﴾ وهي نعمةُ الإيمانِ باللهِ العَظِيم.

Continue reading الوقوف بعرفة

في أحكام الحجّ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستَهْدِيهِ ونَشكُرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، الحمدُ للهِ الذِي فرضَ الحجَّ وجعلَ له ميزَةً لَيْسَتْ في غيرِه مِنَ الفَرائضِ، فمَنْ كانَ حجُّه مبرورًا رجعَ كيومَ وَلَدَتْهُ أمُّه فكانَ ذنبُه مغفورًا وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ. وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّهُ وحبيبُه، مَنْ بَعثَهُ اللهُ رَحمةً لِلعالمينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنذِيرًا فَصلَّى اللهُ على سيّدِنا محمّدٍ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسلَه.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتقوى الله. يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في كتابِه العزيزِ ﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَٰت فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَير يَعلَمهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰ وَٱتَّقُونِ يَٰأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ ١٩٧﴾[1].

اللهُ تبارك وتعالى فرضَ علينَا الحجَّ على المستطيعِ منَّا فهو فرضٌ بالإجماعِ على المسلِمِ إذَا كانَ حُرًّا بالِغًا عاقِلا مُسْتَطِيعًا. فإنْ كنتَ يا أَخِي المسلمَ قادرًا على نفقةِ الحجِّ بِما يُوصِلُكَ ويرُدُّكَ إلى وطنِكَ زيادةً عَنْ دَيْنِكَ وعَنْ ما تحتاجهُ لِمَسْكَنِكَ وكِسْوَتِكَ اللائِقَيْنِ بكَ ومُؤْنَةِ زَوْجَتِكَ وأولادِكَ الصغارِ وغيرِهم مِمَّنْ عليكَ نفقتُهم مِنْ مَسكنٍ وكِسْوَةٍ وطَعامٍ مُدَّةَ ذَهابِكَ إلى الحجِّ ورُجوعِكَ مِنْهُ فَإِنَّكَ مستطيعٌ يجبُ عليكَ الحجُّ، وأمّا غيرُ المستَطيعِ فَلا يَجبُ عليهِ الحجُّ ولكن لو حجَّ صحَّ حجُّهُ.

فإِن عزَمْتَ على الحجِّ فاعلمْ أنَّ للحجِّ شُروطًا وأركانًا ووَاجباتٍ ومُحَرَّماتٍ يجبُ تعلُّمُها علَى مَنْ أَرَادَ الدُّخولَ في هذَا العملِ لأنَّ الجهلَ بِها قَدْ يُوقِعُكَ في أَمْرٍ يُفْسِدُ حَجَّكَ وَأنتَ لا تدرِي.

ويجبُ تعلمُ هذهِ الأمورِ عندَ أهلِ العلمِ وليسَ بمجردِ المطالعةِ في الكتبِ فكم مِنْ أُناسٍ قرأُوا الكتبَ من غيرِ تَلَقٍّ على أهلِ المعرفَةِ فضَلُّوا وأَضَلُّوا إمَّا لِخَطَأٍ فيهَا وإِمّا لِعَدَمِ فَهْمِهِم لعِباراتهم علَى الوجهِ الصحيحِ.

وها نحنُ اليومَ في أشهُرِ الحجِّ المباركةِ والآلافُ منَ المسلمينَ يتهيَّأونَ لزيارَةِ البيتِ الحرامِ وقُلوبُهم مُشتاقَةٌ لِلْحَبِيبِ المصطفى ولِزيارَةِ تلكَ البِقاعِ الطَّيِّبةِ فَلْتَكُنْ خُطْبَتُنا اليومَ عن بيانِ بعضِ أحكامِ الحجِّ.

الحجُّ إخوةَ الإيمانِ لهُ ستّةُ أركانٍ مَنْ تركَ واحدًا منهَا لَمْ يَصِحَّ حجُّه. وأولُ هذهِ الأَركانِ الإحرامُ وذلكَ كأَنْ تَقُولَ فِي قلبكَ أدخُلُ في عملِ الحجِّ أو نويتُ الحجَّ وأَحْرَمْتُ بهِ للهِ تعالَى.

وأمّا الرُّكنُ الثاني مِنْ أركانِ الحجِّ فهو أن يكونَ الحاجُّ في جُزءٍ مِنْ أَرْضِ عرَفةَ ولَوْ لِلَحْظَةٍ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ يَومِ عرفةَ إلى فجرِ ليلةِ العيدِ.

والرُّكنُ الثالثُ مِنْ أَرْكَانِ الحجِّ الطوافُ بالبيتِ أي الكعبةِ سبعَ مَرَّاتٍ.

Continue reading في أحكام الحجّ

من أخلاقِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كظمُ الغَيظِ وصِلَةُ الرَّحم

الحمدُ للهِ الّذِي رَفَعَ من أرادَ بهِ خيرًا بِالعلمِ والإيمانِ وخَذَلَ المعرِضينَ عنِ الهدَى وعرَّضهم لكلِّ هلاكٍ وهوان. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، الكريمُ الْمَنّان، سبحانه لا يَجْرِي عليهِ زَمَان، ولا يَحْوِيهِ مَكان، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه الَّذِي كَمَّلَ اللهُ لهُ الفضائلَ والحُسْنَ والإحسان، فصلَّى اللهُ وسلَّمَ على سيِّدِنا محمَّدٍ مدَى الأَزْمَان، وعلَى ءالِه وأصحابِه الطَّيبينَ والتّابِعينَ لَهُمْ بِإِحسان.

أمّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العزيزِ الغَفَّار وَالسَّيْرِ علَى نَهجِ النّبيِّ المختَارِ والثَّبَاتِ علَى شرعِه إلَى الْمَمَاتِ والعَمَلِ بِعَمَلِ الأَبْرَار.

قالَ اللهُ تعالَى في حَقِّ سيّدِنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ٤[1] وَروَى البخاريُّ مِنْ حديثِ عائشةَ في وَصفِ الرّسولِ الأعظَمِ صلَّى اللهُ عليه وسلّم “كانَ خُلُقُهُ القُرءَان” فمَنْ أرَادَ أَنْ يَعْرِفَ خُلُقَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلَّمَ فَلْيَقْرَإِ القُرءَانَ وليَفْهَمْهُ فَكُلُّ خَصْلَةِ خَيْرٍ أَمَرَ اللهُ في القُرْءَانِ بِالتَّخَلُّقِ بِها فَهِيَ مِنْ خُلُقِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.

مِنَ الأخلاقِ التي جاءَ بها القرءانُ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنِ المنكَرِ والصَّبرُ على الأَذى وكَفُّ الأَذَى عَنِ الغَير.

وروَى البخاريُّ مِنْ حَديثِ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ في صفةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم “كانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا وَخُلُقًا” اﻫ.

وأَخرَجَ أبو بكرٍ اللآل في كتابِه “مكارمُ الأَخلاقِ” أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ “كُنتُ بينَ شَرِّ جَارَيْنِ عُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْط وأبِي لَهَبٍ كانَا يَرْمِيَانِ بِمَا يخرُجُ منَ النَّاسِ على بابِي” اﻫ أَيْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلّم كانَ يتحمَّلُ أذاهُما معَ أنَّهُ كانَ أشجعَ خَلْقِ اللهِ علَى الإطلاقِ وقد أُوتِيَ مِنَ القوّةِ البدنيّةِ قُوَّةَ أربعينَ رَجُلا ومعَ ذلكَ كانَ العَفْوُ خُلُقَهُ والصَّبْرُ شِيمتَه وتَحَمُّلُ الأَذَى مِنَ الغَيْرِ حالَهُ وَدَأْبَهُ وقد قالَ الحبِيبُ المصطَفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ “مَا شىءٌ أَثْقَلُ في مِيزانِ الْمُؤْمِنِ يومَ القِيامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ فَإِنَّ اللهَ تعالى يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ” اﻫ قال الترمذيُّ حديثٌ حَسَنٌ صحيح.

Continue reading من أخلاقِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كظمُ الغَيظِ وصِلَةُ الرَّحم

الكِبْرُ هُوَ رَدُّ الحقِّ وغَمْطُ النَّاس

إنَّ الحمدَ للهِ الذِى كَمَّلَ ذَوِي الأَحْلامِ بِتَعْرِيفِهِمْ عِلْمَ الحلالِ والحرام، وهَداهُمْ لاسْتِخْرَاجِ دُرَرِ الأَحْكَام، فَاسْتَخْرَجُوها مِنْ بَحْرِها وأَوْدَعُوها كَنْزَهَا بِدَقَائِقِ الأَفْهَام، وبيَّنُوها للنَّاسِ رَحْمَةً بِالأَنام، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمّدٍ مَنْ أتَى بِالكلامِ الحسَنِ واختُصِرَ لَهُ الكلامُ وعلى ءالهِ وأصحابِه الطيبينَ الطاهرينَ ما مرَّتِ السّنونَ والأَيَّامُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم ونفسِي بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ فَاتَّقُوه.

قالَ رَبُّنا جلَّ وَعَزَّ في مُحكَمِ كِتابِه ﴿تِلكَ ٱلدَّارُ ٱلأخِرَةُ نَجعَلُهَا
لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلأَرضِ وَلَا فَسَادا وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ
٨٣[1] وقال تعالى أيضا ﴿وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمشِ فِي ٱلأَرضِ
مَرَحًا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَال فَخُور ١٨[2].

إخوةَ الإيمانِ والإِسلامِ اعلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بتوفيقِه أنَّ مِنْ ذُنوبِ القَلْبِ الكِبْرَ وهُوَ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ قد نَهَى اللهُ تبارك وتعالى عنها في القرءانِ الكريمِ بآياتٍ منهَا ما ذكرناهُ فإِنَّ معنَى قولِه تعالَى ﴿وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ أَىْ لا تُعْرِضْ عنهُمْ مُتَكَبِّرًا بَلْ أَقْبِلْ بِوَجْهِكَ مُتَواضِعًا وَلا تُوَلِّهِمْ شِقَّ وَجْهِكَ كمَا يَفْعَلُ الْمُتَكَبِّرونَ وَقَدْ نَهانَا اللهُ تعالَى عَنْ أَنْ نَمْشِىَ مِشْيَةَ الكِبْرِ والفَخْرِ بقولِه عز وجلَّ ﴿وَلَا تَمشِ فِي ٱلأَرضِ مَرَحًا وقد بيَّنَ لنا رسولُ اللهِ النبيُّ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم في أحاديثَ كثيرَةٍ معنَى الكِبْرِ وعاقِبَتَه وكيفَ أَنَّ الكِبْرَ يكونُ في كثيرٍ منَ الأَحيانِ سَبَبًا لِمَشَاكِلَ كثيرَةٍ تَعْتَرِضُ الكَثيرينَ في حَياتِهِمُ الدُّنيويّةِ فضلا عمَّا يُؤَدِّى بِصاحِبِه إليهِ منَ العَذَابِ الأَليمِ فِي الآخِرَةِ.

Continue reading الكِبْرُ هُوَ رَدُّ الحقِّ وغَمْطُ النَّاس