إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مِثْلَ ولا نِدَّ لَهُ، ولا جُثَّةَ ولا أَعضاءَ له، أَحدٌ صمدٌ لم يلدْ وَلَمْ يُولدْ ولم يكن له كفُوًا أحد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، صلّى الله وسلّم على سيدنا محمدٍ وعلى كلِ رسولٍ أرسله.
أما بعد عبادَ اللهِ فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليّ العظيمِ وبِالاعتصامِ بِحَبْلِ اللهِ المتينِ عَمَلًا بقولِه تعالى ﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَٱذكُرُواْ نِعمَتَ ٱللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِۦ إِخوَٰنا وَكُنتُم عَلَىٰ شَفَا حُفرَة مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُم ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ ١٠٣﴾[1].
إخوة الإيمان، إنّ الأمةَ المحمّديةَ اليوم تنتظرُ بشوقٍ لتشهدَ مشهدًا مِنْ أبْهَى مظاهرِ الوَحدة، حيثُ يجتمعُ المسلمونَ بأشكالِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ وألسنتِهم المتعدّدةِ تحتَ رايةِ التوحيدِ التي جَمَعَتْهُمْ فوقَ أرضٍ واحدةٍ يدعونَ ربًّا واحدًا يدعونَ اللهَ الذي لا إله إلا هو.
إنَّ موقفَ المسلمينَ على أرضِ عرفةَ قائلين لَبَّيْكَ اللهمَّ لبَّيْك، لبّيك لا شريكَ لكَ لَبَّيْك، إنَّ الحمدَ والنّعمةَ لكَ والْمُلك، لا شريكَ لك، موقفٌ تُشَدُّ لَهُ الأَبْصَار، وَتحنُّ لهُ القلوب، وَتذرِفُ له العيونُ شوقًا لِبِقاعِ مكّةَ ومنى وعرفةَ ورغبةً في ما يقامُ فيها منْ مناسك.
قال تعالى ﴿وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ﴾ أمْرٌ بالتمسّكِ بالدّينِ والوقوفِ عندَ حدودِ الدينِ والاعتصامِ بحبل الله المتين.
﴿وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾ لأنّ في الفُرقةِ ضعفًا وفي الوَحْدَةِ قُوَّة. ويُذكّرُكُم اللهُ بالنعمةِ العظيمةِ ﴿وَٱذكُرُواْ نِعمَتَ ٱللَّهِ عَلَيكُم﴾ وهي نعمةُ الإيمانِ باللهِ العَظِيم.