Category Archives: خطب الجمعة

مجردُ الاستِغَاثةِ بغيرِ اللهِ ليسَ شِرْكًا

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مِثْلَ وَلا نِدَّ لَهُ، ولا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أَعضاءَ لَه، أَحَدٌ صمدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيِّدِنا محمدٍ الدَّاعِي إلَى الخيرِ وَالرَّشاد، الذِي سَنَّ لِلأُمَّةِ طريقَ الفَلاح، وبيَّنَ لَهَا سُبُلَ النَّجاح، وعلَى ءَالِهِ وَصَفْوَةِ الأَصْحَابِ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ بِاتِّباعِ شَرْعِ نَبِيِّهِ بِالعَمَلِ بِمَا جَاءَ بهِ صلى الله عليه وسلم وسارِعُوا في الطَّاعاتِ قبلَ انْقِضَاءِ الأَجَلِ لِنَيْلِ الحسَنَاتِ لِتَثْقُلَ مَوازِينُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فقد قالَ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَت مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَة رَّاضِيَة ٧ وَأَمَّا مَن خَفَّت مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَة ٩﴾[1].

وروى الترمذيُّ في سُنَنِه عن أبِي هُريرَةَ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ماتَ ابْنُ ءادَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ اﻫ ومعنَى قولِه صلى الله عليه وسلم انْقَطَعَ عمَلُهُ أنَّ العَمَلَ التَّكليفِيَّ الذِي يَتَرَتَّبُ عليهِ الثَّوابُ انْقَطَعَ بِموتِ ابْنِ ءادَمَ إلا مِنْ هذهِ الثَّلاثِ التِي هِيَ بِسَبَبِه. فَمَنْ تَرَكَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بهِ يتَجَدَّدُ لِهذَا الميِتِ الثَّوابُ بِقَدْرِ الانْتِفَاعِ بِهذَا العِلْمِ الذِي خَلَّفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لأنهُ كانَ سَبَبًا في هذَا النَّفْعِ. وَإِنْ تَرَكَ صَدَقَةً جَارِيَةً كأَنْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً لِيُتَعَلَّمَ فيهَا العُلومُ النَّافِعَةُ أو نحوَ ذلك فإنهُ يتجدَّدُ لهذَا الميّتِ الثَّوابُ كلَّمَا انْتُفِعَ بِمَا فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِه. وَإِنْ دَعَا لَهُ وَلَدُه الصَّالِحُ بِدُعَاءٍ أَوْ بِإِهْدَاءِ ثَوَابِ قِراءَتِهِ لِلْقُرْءَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَجَدَّدُ لِهذَا الميّتِ ثَوابٌ لَمّا كانَ صلاحُ وَلَدِهِ بِسَبَبِ تَأْدِيبِه لَهُ وتَعْلِيمِهِ لِيَكونَ صَالِحًا. فَنَبَّهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ بأَنَّ العَمَلَ الذِي يَحْصُلُ لَهُمْ بهِ الثَّوَابُ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ فَلْيُبَادِرُوا إلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قبلَ الموت. وليسَ في هَذَا الحديثِ مَا ادَّعَاهُ البعضُ مِنْ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ماتَ فَلا عَمَلَ لَهُ بعدَ مَوْتِهِ وَلا يَنْفَعُ غَيْرَهُ فَلا يَجوزُ أَنْ يُنَادَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِقَوْلِ يَا محمدُ أَوْ يَا َرسولَ اللهِ بَلِ ادَّعَوْا أَنَّ ذلكَ شِرْكٌ يُخْرِجُ مِنَ الإِسلامِ ولَيسَ فِي الحديثِ دَليلٌ علَى مَا زَعَمُوا بَلْ مَعْنَى الحديثِ كمَا بَيَّنَّا أنَّ العملَ التَّكليفِيَّ أيِ العَمَلَ الذِي يُثابُ عليهِ الشخصُ هو الذِي يَنْقَطِعُ لا أَنَّ الميّتَ يكونُ كَالخشَبَةِ بعدَ الدَّفْنِ لا يُحِسُّ شيئًا ولا يَسْمَعُ شيئًا وَلا يَقُولُ شَيئًا، كيفَ وقَدْ ثَبَتَ عندَ ابنِ مَاجَهْ وغيرِهِ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ في قَبْرِه وأنَّهُ تُعْرَضُ عليهِ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ فَإِنْ رَأَى خَيْرًا حَمِدَ اللهَ عليهِ وَإِنْ رأَى غيرَ ذلكَ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وثَبَتَ أيضًا أَنَّه يَرُدُّ السلامَ على مَنْ سَلَّمَ عليهِ عندَ قبرِه وَيُبَلَّغُ سَلامَ مِنْ سَلَّمَ عليهِ نَائِيًا عَنْ بُعد. وقَدْ نَفَعَ سيدُنا موسى عليه السلامُ أُمَّةَ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بِأَنْ أَرْشَدَ سيّدَنا محمدًا ليلةَ المِعْرَاجِ إلى سُؤالِ اللهِ تَخْفِيفَ الصَّلواتِ المفروضَةِ مِنْ خَمْسِينَ صَلاةً حتّى صارَتْ خَمْسًا في كُلّ يَوْمٍ وليلَة، وفي هذَا دَلِيلٌ واضِحٌ على أنَّ الميّتَ يَنْفَعُ بعدَ الموتِ بِإِذْنِ اللهِ تبَارَكَ وتعالَى.

Continue reading مجردُ الاستِغَاثةِ بغيرِ اللهِ ليسَ شِرْكًا

ءاداب الجمعة

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونَشكرُهُ ونَستغفرُهُ ونَتوبُ إليهِ ونَعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يكنْ لهُ كُفُوًا أحدٌ، تَنَزَّهَ رَبِّي عنِ الشبيهِ والمثيلِ والشكلِ والصورةِ والأعضاءِ والأدواتِ، مهمَا تصورْتَ ببالِكَ فاللهُ بخلافِ ذلكَ. وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعينِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحَبيبُهُ، بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأَمَانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ.

اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى جَميعِ إِخوانِه النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ وتَرْكِ الغَفْلَةِ وأداءِ الوَاجِباتِ كما أمرَ اللهُ والابتعادِ عَمَّا حَرَّمَ، فَإِنَّكُمْ مَيِّتونَ ومبعُوثونَ ومُحَاسَبُونَ فاتَّقوا اللهَ واعمَلُوا عَمَلًا صَالِحًا.

يقولُ اللهُ تعالَى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَومِ ٱلجُمُعَةِ فَٱسعَواْ إِلَىٰ ذِكرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلبَيعَ ذَٰلِكُم خَير لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ ٩﴾[1].

وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اهـ وقال أيضًا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ اهـ رواهُ مسلم.

فاعلم أَخِي المسلمُ أَنَّ صلاةَ الجمعةِ مِنَ الأُمورِ العَظِيمةِ وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ على كلِّ مسلِمٍ مكلفٍ ذَكَرٍ غيرِ معذُورٍ مُقِيمٍ في بَلدِ الجُمُعةِ.

فالجمعةُ مِنْ فَضْلِها أنَّها تُكَفِّرُ المعاصيَ الصغيرةَ منَ الجمعةِ إلى الجمُعةِ وذلك لِلمسلمِ الذي يُؤَدِّيها وَفْقَ السُّنَنِ والأَرْكَان. فَمِنْ سُنَنِها الغُسْلُ في يومِها بِنِيَّةِ غُسلِ الجُمُعةِ، ويبدأُ وقتُ هذَا الغُسلِ مِنْ طلوعِ فجرِ يومِ الجمعةِ، وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَـلِمٍ اهـ متفقٌ عليهِ. ومعنَى الواجِبِ هنا أي هو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ثابِتٌ فِعْلُهُ فَمَنْ صَلَّى الجمعةَ دُونَ أن يغتَسِلَ غُسْلَها بِدُونِ عُذْرٍ فهذَا يُؤَثِّرُ علَى الثّوابِ.

ويُسَنُّ أن يَلْبَسَ الإنسانُ لِلجُمُعةِ أفضَلَ مَا عِندَهُ مِنْ ثيابٍ، وأحسنُ الثيابِ هيَ البَيْضَاءُ النَّظيفَةُ، ويُسنُّ أخذُ الظِّفرِ والتطيُّبُ فالعِطرُ الطَّيِّبُ يُنْعِشُ القلبَ وتَفْرَحُ بهِ الملائِكَةُ.

كما ينبَغِي الحضُورُ باكِرًا قبلَ أن يَبْدَأَ الإِمَامُ الخطبَةَ، وَكُلَّما كانَ الحضورُ باكِرًا كانَ الثوابُ أعظَمَ وأكبَرَ، فقد قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ (وليسَ الْمَقصُودُ أَنْ يَنوِيَ رَفْعَ الحدَثِ الأَكبَرِ أَوِ الجنابَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا) ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ اهـ

Continue reading ءاداب الجمعة

الآية الكريمة {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ}

الحمدُ للهِ ثُمَّ الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ وسَلامٌ على عِبادِه الذينَ اصطَفَى،  الحمدُ للهِ الواحدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ ولم يُولدْ ولم يكن له كُفُوًا أَحَد. أحمدُه تعالَى وأستهديهِ وأَسْتَرْشِدُهُ وأَتوبُ إليهِ وأَسْتَغْفِرُه وأعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. والصلاةُ والسلامُ الأَتَمّانِ الأَكْمَلانِ علَى سيدِنا محمدٍ سيدِ ولَدِ عدنانَ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومُبَشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه سراجًا وَهَّاجًا وقَمَرًا مُنِيرا. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ إِمامًا لِلْمُتَّقِين.

أمّا بعدُ أيُّها الأحبَّةُ المسلِمون، أُوصِي نفسِي وإيّاكُم بِتَقْوَى اللهِ العظيم. هذه الدنيا هي دارُ مَمَرٍّ ولَيسَتْ دارَ مُسْتَقَرٍّ. هذه الدنيا هي مزرعةُ الآخرةِ والقبرُ صُندوقُ العَمَل. فَهنِيئًا لِمَنْ بَرَّ واتَّقى وخُتِمَ لهُ بالعملِ الصَّالح.

يقولُ اللهُ تعالَى في القُرءانِ الكَريم {وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠}[1]

أيْ خافَ سُؤالَ الحسابِ واستعدَّ لِما بعدَ الموتِ خِلافًا لِأُولئكَ الذينَ يَخافونَ الفضيحةَ في الدنيا ولا يستعِدُّونَ لِما بعدَ الموتِ ولا يُعِدُّونَ لِيَوْمِ السُّؤالِ ليومِ الحسابِ بِتَجَنُّبِ الْمَنْهِيّاتِ وأَداءِ الواجباتِ التِي فَرضَها اللهُ تبارك وتعالى {وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠} الهوى المذمومُ هو ما تَمِيلُ إليهِ النفسُ الأَمّارَةُ بِالسُّوءِ مِمّا فيهِ مُخالَفةٌ لشرعِ اللهِ تبارك وتعالى، كَحُبِّ الاستعلاءِ على الرِّقابِ كأنْ يكونَ الإنسانُ أخًا أكبرَ لِأَشِقَّائِه فيأكلَ أموالَهم بدعوى رعايةِ مَصالِحهم بعدَ موتِ أَبِيهِم، يكونُ عندَهُ هَوَى الاستِعْلاءِ. ومِنْ هوى النفسِ الخَفِيِّ أيضا أنَّ بعضًا منَ الناسِ عندهم شهوةُ حبِّ الظُّهورِ والاستِعلاءِ ودَعْوَى الْمَشْيَخَةِ الصُّوفيّةِ وهُمْ فارِغونَ ليكونَ لهم على غيرِهم جَاهٌ، لِيَنْكَبَّ الناسُ على تقبيلِ أيدِيهم ولِيَأْتِيَهُمُ النّاسُ بِالهدايا والعطايا فَتَجِدُ الواحِدَ منهم يدّعِي الوِلايةَ والكرامةَ وهو بعدُ لَمْ يُؤَدِّ الواجباتِ ولمْ يجتنِب المحرمات، ومِنْ هؤلاءِ الأَدْعِياءِ مَنْ تجدُهم عندَ حلقاتٍ بِاسْمِ الذِّكرِ بدَلًا مِنْ أنْ يَقُولوا الله الله الله، تجدُهم يهتَمُّونَ بِالأَنْغامِ والتَّمايُلِ والتَّراقُصِ فَيُحَرِّفونَ اسمَ اللهِ تبارك وتعالى. شهوةُ حبِّ الظُّهورِ جعلَتْهُمْ ترتَبِطُ قلوبُهم بِحُبِّ النَّغَمِ بدَلًا مِنْ أن يلتَزِمُوا بِصِحَّةِ اللفظِ يحرفونَ لفظَ الجلالةِ فيقولونَ سبحانَ (اللا) والحمدُ (للا) ينقصونَ أحرفًا منَ اسمِ الله، ومنهم مَنْ يُلحِدُ في أسماءِ اللهِ كمَنْ يُسَمِّي اللهَ القُوَّةَ الخالِقةَ واللهُ تعالى وصفَ نفسَه في القُرءانِ بِقولِه {ذُو ٱلۡقُوَّةِ}[2] أيِ الموصوفُ بالقوَّةِ وهيَ القُدرةُ فلا يجوزُ أن يُقالَ عنِ اللهِ قُوَّةٌ ولا يجوزُ أن يُقالَ عنِ اللهِ مَحَبَّةٌ ولا يجوزُ أن يقالَ عنِ اللهِ عِلْمٌ أو قدرةٌ أو إرادةٌ بلِ اللهُ موصوفٌ بِالقدرةِ والإِرادةِ والسمعِ والبصرِ والكلامِ والعِلْمِ والحياةِ والبَقاءِ. فَلا يقالُ اللهُ قوةٌ ولا يقالُ اللهُ محبةٌ فأسماءُ اللهِ تَوْقِيفِيَّةٌ فلا يجوزُ أن يُسَمَّى اللهُ بِما لَمْ يَرِدْ بهِ الإِذْنُ شَرْعًا قالَ اللهُ تعالى {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ}[3]

Continue reading الآية الكريمة {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ}

الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال

إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغْفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ ولا شَكْلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، هوَ الإلهُ العفُوُّ الغفورُ المستغني عنْ كلِّ ما سِواهُ والْمُفتقِرُ إليهِ كلُّ ما عَداهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيّهُ وحبيبُهُ، بلّغَ الرِّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصَحَ الأمّةَ، صلّى اللهُ عليهِ صلاةً يقضي بِها حاجاتِنا ويفرِّجُ بِها كُرباتِنا ويكفينا بِها شرَّ أعدائِنا وسلَّمَ عليهِ وعلى صحبِهِ الطيبينَ وءالِهِ الأطهارِ ومَنْ والاهُ.

أما بعدُ عِبَادَ اللهِ يقولُ ربُّنا عَزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العَزيزِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩ فأُوصِي نفسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَاتَّقوهُ امْتَثِلُوا أَوامِرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَوَاهِيَهُ واعْلَمُوا إخوَةَ الإيمانِ أَنَّ أساسَ التَّقْوَى هُوَ العِلْمُ بِاللهِ سبحانَهُ وتعالَى والإيمانُ بهِ ومعرفةُ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم على ما يَلِيقُ به فإِنَّ ذَلكَ هُوَ أَوَّلُ الواجِباتِ وأَصْلُها وأَهَمُّها وأفضَلُها، فقد روى البُخاريُّ في صَحيحِهِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اهـ فأفضَلُ الأعمالِ على الإِطلاقِ هو الإِيمانُ باللهِ ورسولِهِ وهوَ الأصلُ الذِي لا تَصِحُّ الأعمالُ بِدونِه.

ومَعنَى الإيمانِ بِاللهِ أَنْ يَعْتَقِدَ الإنسانُ اعْتِقَادًا جازمًا بأنَّ اللهَ تعالى موجودٌ لا شَكَّ في وُجودِه، مَوْجُودٌ لا يُشبهُ شَيْئًا مِنَ الموجودَاتِ، ليسَ جِسمًا ولا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ، وليسَ حَجْمًا ولا يُشبِهُ الأحجَامَ، ليسَ جِسْمًا كثيفًا كالإِنسانِ والحجَرِ والشَّجَرِ، ولا جِسْمًا لَطِيفًا كالهوَاءِ والجِنِّ والملائِكَةِ، فَاللهُ سبحانَهُ لا يُشبِهُ الإِنسانَ ولا النَّباتَ وَلا الجمَاداتِ، وَلا يُشْبِهُ الهواءَ وَلا الرُّوحَ ولا الضَّوءَ ولا الملائِكةَ ولا الجنَّ فهوَ تعالَى موجودٌ لا يُشبهُ شَيْئًا مِنْ هذَا العالَمِ بل هُو كمَا أَخْبَرَ عن نَفْسِهِ في مُحكَمِ كِتابِهِ ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾[1] وَمَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالِكَ فَاللهُ سبحانَهَ وتعالَى بِخِلافِ ذلكَ أَيْ لا يُشْبِهُ ذَلك، لا يتصورُ فِي الوَهْمِ وَلا يَتَمَثَّلُ فى النفسِ، غايةُ المعرفةِ باللهِ الإيقانُ بوُجُودِهِ تعالَى بلا كيفٍ وَلا مكانٍ أى أَقْصَى مَا تَصِلُ إليهِ مَعْرِفَةُ الإنسانِ باللهِ تعالَى هو أن يعتقِدَ أنهُ سبحانه وتعالى موجودٌ لا كالموجودَاتِ مُتَّصِفٌ بِصِفاتِ الكمالِ التى تَليقُ بهِ والتِى لا تُشبِهُ صِفاتِ المخلوقينَ مِنْ غيرِ أن يكونَ سبحانه وتعالى فى جهةٍ منَ الجهاتِ السِّتِّ ومِنْ غَيرِ أَنْ يكونَ سبحانَهُ وتعالَى فى مكانٍ مِنَ الأماكِنِ. هذَا معنَى الإِيمانِ بِاللهِ.

Continue reading الإيمان بالله ورسوله أفضل الأعمال