Category Archives: خطب الجمعة

تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ ولا مثيلَ ولا شبيهَ ولا مكان له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كُلِّ رسولٍ أرسَلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصِى نفسِى وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في محكم كتابه {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥}[1]

إخوةَ الإيمانِ دلت هذهِ الآيةُ الكريمةُ على أنَّ من أرادَ النجاةَ عليهِ أن يلتزِمَ سبيلَ المؤمنينَ أي مَا أَجْمعَ عليهِ علماءُ المسلمينَ وأنَّ مَنْ أَعْرَضَ عن ذلكَ فجزَاؤُه جهنَّمُ وبئسَ المصير.

ومِنْ أصولِ عقائدِ المؤمنينَ التي دَلَّتْ عليهَا الأَدِلَّةُ والبراهينُ القاطعةُ مِنَ القُرْءَانِ والحدِيثِ والعَقْلِ والإِجماعِ تَنْزِيهُ اللهِ سبحانه وتعالى عنِ التحيزِ في مكانٍ أوِ الانتشارِ في الأَماكِن، فربُّنا سبحانَه وتعالى هو خالِقُ المكان، كانَ قبلَ الأماكِنِ كلِّها مِنْ غيرِ احتياجٍ إليهَا ثم خَلقَ الأماكِنَ وبعدَ خَلْقِهَا ما زالَ كمَا كانَ موجودًا بِلا مكانٍ لأنهُ سبحانَهُ يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ كما اشتَهَرَ ذلك بينَ عَوامِّ المسلمينَ وخَواصِّهم إِذْ لو جازَ عليهِ التغيُّرُ لاحتاجَ إلَى مَنْ يُغَيِّرُه والمحتاجُ إلى غيرِه لا يكونُ إِلها.

ثم المكانُ إخوةَ الإيمانِ هو الفراغُ الذِي يشغلُه الجِسم، وإِنْ شئتَ قلتَ هُوَ ما يأخُذُه الحَجْمُ مِنَ الفَراغ، فَلَو كانَ اللهُ في مَكانٍ لكانَ جسمًا لهُ طُولٌ وعَرْضٌ وعُمْقٌ كمَا أنَّ الشمسَ لَها طولٌ وعرضٌ وعمقٌ وحجمٌ وشكلٌ ومن كانَ كذلكَ كانَ بِلا شَكٍّ مَخْلُوقًا مثلَ المخلوقينَ مُحتاجًا إلى مَنْ خَصَّهُ بذلكَ الطولِ وذلكَ العَرْضِ وذلكَ العُمْقِ، والاحتياجُ يُنافِي الألوهيةَ، فوجبَ عَقْلًا تنزيهُ اللهِ عَنِ المكانِ. هذا الدليلُ مِنَ العَقْلِ.

أمّا مِنَ القُرءانِ فيدلُّ علَى تنزيهِ اللهِ عنِ المكانِ ءاياتٌ منها قولُه تعالى {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡء}[2] لأنهُ لو كانَ اللهُ لهُ مكانٌ لكانَ له أشباهٌ كثيرةٌ وأمثالٌ لا تُحْصَى وهذا ضِدُّ هذه الآيةِ ومُنَافٍ لها، فهذهِ الآيةُ المحكمَةُ كافيةٌ لِتَنْزِيهِ اللهِ عَنِ المكانِ والحيِّزِ والجهةِ بَلْ وَعَنْ سَائِرِ أوصافِ الْمَخْلُوقِين.

وأما الدليلُ منَ الحديثِ على تنزيهِ اللهِ عنِ المكانِ فَمِنْهُ مَا رَوَاهُ البخاريُّ والبيهقيُّ وغيرُهما بِالإِسنادِ الصحيحِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ كانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غيرُه اﻫ ومعناهُ أنَّ اللهَ لم يَزَلْ موجودًا في الأزلِ ليسَ معهُ غيرُه لا مَاءٌ ولا هواءٌ ولا أَرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرشٌ ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ ولا جهاتٌ فهو تعالى موجودٌ قبلَ المكانِ بلا مكانٍ لأنَّ المكانَ هو غيرُ اللهِ بلا شكٍّ والحديثُ يدلُّ على أنَّ اللهَ كانَ ولم يكن شىءٌ غيرُه موجودًا إذ لم يكنِ المكانُ موجودًا وإنما هو مخلوقٌ خلقَه اللهُ فليسَ اللهُ بِحاجةٍ إليهِ ومِنْ هُنا روَوْا عن سيدِنا عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قال كانَ اللهُ ولا مكان وهُوَ الآنَ علَى ما عليهِ كان[3] اﻫ أي موجودٌ بِلا مكانٍ وهذا مفهومٌ بوضوحٍ منَ الحديثِ السابقِ.

وقالَ الحافظُ البيهقيُّ في كتابِه الأسماءِ والصِّفاتِ استدلَّ بعضُ أصحابِنا في نفيِ المكانِ عَنِ اللهِ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنتَ الظّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وأنتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَىء اﻫ ثم قالَ البيهقيُّ وإذَا لم يكنْ فوقَهُ شىءٌ ولا دُونَهُ شَىْءٌ لم يكنْ في مَكان اهـ وهو أمرٌ شديدُ الوضوحِ ظاهرٌ كالشمس.

إخوة الإيمان، تنزيهُ اللهِ عن المكانِ يدلُّ عليهِ القرءانُ والسُّنَّةُ النَّبويةُ كما ذكَرْنا وكمَا تعرفونَ هو مِنْ أُصولِ عقائدِ المسلِمينَ بل هوَ مِمَّا أجمعَ عليهِ العلماءُ سلفُهم وخَلَفُهم وقد نقلَ الإجماعَ على ذلكَ كثيرٌ مِنَ العلماءِ كأبِي مَنْصورٍ البغدادِيِّ وإِمامِ الحرمينِ الجُوَيْنِيِّ والرازِي وغيرِهم ونَصُّ عبارةِ الإمامِ الفقيهِ الأصوليِّ الْمُؤَرِّخِ أبي منصورٍ البغدادِيِّ في كتابِهِ الفَرْقِ بينَ الفِرَقِ “وأجمعوا أي أَهلُ السنةِ أنهُ لا يَحويهِ مَكانٌ ولا يَجْرِي عليهِ زَمَان” اﻫ

أخي المسلم فهمُ هذهِ المسئلةِ جيدًا معَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدِلَّتِها تَمَكُّنًا تَامًّا مِنَ الأُمورِ المهمَّةِ فَاحْرِصْ علَى التمكُّنِ مِنْ فَهْمِهَا وَحِفْظِهَا وَبيانِها وَتَعْلِيمِها فَدِينُ اللهِ غَالٍ غَالٍ جِدًّا والشذوذُ في الاعتِقَادِ مُهْلِكٌ.

اللهمَّ ثَبِّتْنَا على العقيدةِ الحقَّةِ يا أرحمَ الراحمينَ وارْزُقْنَا هِمَّةً عاليةً لِنُصْرَةِ هذَا الدِّينِ بِجاهِ سَيِّدِ المرسلينَ إنكَ علَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير. هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي ولَكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوهُ.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهمَّ يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلوبَنا علَى دِينِك، اللهم ثَبِّتْنَا علَى سبيلِ المؤمنين اللهم ثبِّتْنا على عقيدةِ نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهمَّ أحيِنا علَى الإسلام وتوَفَّنا علَى كامِلِ الإيمانِ، ربنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة النساء/115.

[2] سورة الشورى/11.

[3] رواه أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق.

اَلتَّحذِيرُ منَ الكِبْرِ والفَخْرِ

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالميَن هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.

اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، ولا تَنْسَوا يَوْمًا يُقالُ فِيهِ لِمَنِ الْمُلْكُ اليَوْمَ، للهِ الواحِدِ القَهَّار، فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ القَائِلَ في مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡس مَّا قَدَّمَتۡ لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨﴾ [1]

تَقْوَى اللهِ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَدَارُها على أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمات .. اجتِنَابِ المعاصِي، وكَلامُنا اليَوْمَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى عَنْ مَعْصِيَةٍ عَدَّها العُلَمَاءُ مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ ألا وَهِيَ الكِبْرُ والعياذُ بِاللهِ. فالتَّكَبُّرُ عِبَادَ الله مِنْ مَعَاصِي القَلْبِ وَهُوَ نَوْعانِ الأولُ ردُّ الحقِّ أي أَنْ يَعْرِفَ الحقَّ ولا يَلْتَزِمُ بِهِ وَيَقِفُ عِنْدَهُ والثانِي استِحْقَارُ الناسِ وسَبَبُهُ نَاشِئٌ مِنَ القَلْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مَظَاهِرُهُ مِنْ أَعْمَالِ الجَوارِحِ وذلكَ لأنَّ القَلْبَ إذا حصلَ فيه الْكِبْرُ ظَهَرَتْ ءَاثَارُهُ عَلَى الجَوَارِحِ، فيَنْظُرُ الْمُتَكَبِّرُ بِعَيْنِ الاحْتِقَارِ إلَى الفَقِيرِ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ تَرَفُّعًا، أَوْ يَرُدُّ الْحَقَّ على قائلِهِ مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ معَ القَائِلِ لِكَوْنِه أصغرَ مِنْهُ سِنًّا أو أقلَّ جاهًا أو يَتَكَبَّرُ فِي مِشْيَتِهِ فيَمْشِي مِشْيَةَ الخُيَلَاءِ لِلتَّكَبُّرِ. كُلُّ هذَا مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ وَقَدْ وَرَدَ في الحديث أن الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَمْثَالِ الذَّرِّ – أي النَّمْلِ الأَحْمَرِ الصَّغِيرِ – يطؤُهمُ النَّاسُ بأَقْدَامِهِمْ.

فعليكم إخوةَ الإيمانِ بالتواضع، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّكُمْ لَتَغْفُلونَ عَنْ أَفْضَلِ العِبَادَةِ التَّوَاضُع اهـ[2] ولذلك كان أكابِرُ الصحابةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَوَاضُعًا. سَيِّدُنا عُمَرُ رضي اللهُ عنهُ كانَ خَرَجَ مَرَّةً لِلجُمُعَةِ ولَبِسَ اللباسَ الذِي يَلْبَسُهُ المسلِمُ لِلجُمُعَةِ وَهُوَ في طَريقِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِ دَارِ العَبَّاسِ دَمُ فَرْخَيْنِ ذُبِحَا مَعَ ماءٍ، فَذَهَبَ وغَسَلَ ما نَزَلَ علَيْهِ ثُمَّ قَالَ يُزَالُ هَذَا الميزَابُ، فقالَ العَبَاسُ هَذَا الرَّسولُ وَضَعَهُ فَقَالَ عُمَرُ يُعَادُ كَمَا كَانَ، وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي لِتُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، أَمِيرُ المؤمِنينَ عُمَرُ يَقُولُ للعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَطْلُعُ عَلَى ظَهْرِي، وعَزَمَ عليهِ فَطَلعَ العبّاسُ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَعَادَهُ.

التَّوَاضُعُ أيُّها الإِخْوَةُ نَتِيجَتُهُ سَلامَةٌ مِنَ الفَخْرِ واللهُ تعالى لا يُحِبُّ الفَخْرَ من عبدِهِ سَوَاءٌ كانَ في الثِّيَابِ أم فِي الأَثَاثِ أم فِي الْمَسْكَنِ أم في نحوِ ذلكَ، بل الذِي يَعْمَلُ لِلفَخْرِ فعليه ذَنْبٌ كَبِيرٌ فهؤلاءِ الذِينَ يَلْبَسُونَ الثيابَ الفاخرةَ للفَخْرِ، أو يَبْنُونَ البِنَاءَ الجَمِيلَ لِلْفَخْرِ، أو يَرْكَبُونَ الْمَركوباتِ النَّفيسَةَ الجمِيلةَ لِلفَخْرِ، لَوْ عَجَّلَ اللهُ عُقُوبَتَهُم لَعَاقَبَهُمْ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرَةِ لكنَّهُ يُؤَخِّرُ عَذَابَ أَكْثَرِ الخَلْقِ إلَى الآخِرَةِ، وَقَدْ يُظهِرُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى عُقُوبةً على البعضِ في الدنيا لِيعتبرَ بِها من شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم حَدَّثنا أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ هذهِ الأُمَّةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَانَ يَمْشِي مُتبَخْتِرًا يَنْظُرُ فِي جَانِبَيْهِ، أَعْجَبَهُ ثَوْبُهُ وشَعَرُهُ، تَهْيِئَةُ شَعَرِهِ وحُسْنُ شعرِه، بينما هو يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا أَمَرَ اللهُ تباركَ وتعالَى الأَرْضَ فَبَلَعَتْهُ فهو يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ القِيامةِ، والتَّجَلْجُلُ مَعْنَاهُ السَّوْخُ أَيِ النُّزُولُ في الأَرْضِ معَ التَّحرُّكِ والاضطرابِ الشَّدِيدِ مِنْ شقٍّ إلى شقٍّ.

فالفَخْرُ إخوةَ الإيمانِ مَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ الشخصُ مثلَ ذَلِكَ ليُعْجَبَ به الناسُ، يُريدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِصَاصٌ عندَ النَّاسِ بالنَّظَرِ إليهِ والتَّفْخِيمِ فإذا لبسَ لِباسًا جَمِيلا للفخرِ كان عليهِ إثمٌ وإذا اقتنى أثاثًا جَمِيلا لِلْفَخْرِ كَانَ عَلَيْهِ إِثْمٌ وَإِذَا رَكِبَ سَيارةً جميلَةً لِلْفَخْرِ كانَ علَيْهِ إِثْمٌ وَإِذَا بَنَى بِنَاءً لِلفَخْرِ كان عليه إثم أي مِن كبائِرِ الذنوبِ وعظائِمها أَمَّا إِذَا فَعَلَ مِثْلَ ذلكَ للتَّجَمُّلِ فَقَطْ وليس للفخر فيَلبَسُ الثَوبَ الأَنِيق للتَّجَمُّلِ ويفرحُ بِنَفْسِهِ لَا لِلْفَخْرِ ويركَبُ السيارةَ الفَاخِرَةَ لِلتَّجَمُّلِ لَا لِلْفَخْرِ فَلَا ذَنْبَ عَلَيْهِ.

أخي المؤمن، عِ مِنِّي مَا أقُولُ. أَخِي الْمُؤْمِنَ الْمُتَوَكِّلَ على اللهِ الْمُقْبِلَ إلى الطَّاعةِ الْمُدْبِرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ اسْتَمِعْ إلى مَا أُلْقِي إِلَيْكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي العَتَاهِيَةِ

        رَغِيـفُ خُبْـزٍ يَـابِسٌ

   تَأْكُلُــهُ فِـي  زَاوِيـَهْ

        وَكُـوزُ  مَـاءٍ  بَـاردٍ

   تَشرَبـُهُ  مِـنْ  صَافِيَهْ

        وغُـرْفَـةٌ   ضَيِّقَــةٌ

   نَفْسُـكَ  فيهَـا   خَالِيَهْ

        ومَسـجِدٌ  بَمَعْــزِلٍ

   عَنِ  الورَى  بِنَاحِيَـهْ

        تَـدْرُس  فيـهِ  دفتَـرًا

   مُسْتَنِــدًا    بِسَـارِيَهْ

        مُعتَبِـرًا بِمَـنْ مَضَـى

   مِنَ  القُرونِ  الخَالِيَــهْ

       خَيْـرٌ مِنَ السَّاعَاتِ فِي

   فَـىْءِ القُصورِ العَالِيـَهْ

       تَعْقُبُـهَـا نَدَامَةٌ

   تُصْلَـى  بِنَارٍ  حَامِيَـهْ

اللهمَّ اجعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ المتواضِعِينَ الزَّاهِدِينَ الصَّالِحِينَ العَابِدِينَ النَّاسِكِينَ، الوَالِهِينَ بِمَحَبَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين. هَذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

رَوَى الطَّبرانيُّ في المعجمِ الكَبِيرِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ إِنَّ مُحَرِّمَ الحَلالِ كَمُسْتَحِلِّ الحرامِ اهـ ذَكَرْتُ لكم إخوةَ الإيمانِ هَذَا الحَدِيثَ لِيَرْسَخَ في نُفوسِكُمْ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الناسِ يَتَكَلَّمُونَ في الدِّينَ فَيُحَرِّمونَ مَا أَحَلَّ اللهُ أَوْ يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَكِلَا الأَمْرَيْنِ هَلَاكٌ، بَعْضُ الناسِ يقولونَ عِنْدَ الغَضَبِ على مُسْلمٍ: فلانٌ  قَتْلُهُ حَلالٌ أَوْ يَقُولونَ سَرِقَتُهُ حَلالٌ أو يقولونَ الذِي يَضْرِبُ رَأْسَهُ يَدْخُلُ الجَنَّةَ” والعياذُ باللهِ فَإِنَّ في ذلكَ تَحْلِيلًا لِمَا عُلِمَ مِنَ الدينِ بالضرورةِ حُرْمَتُهُ وهذَا كُفْرٌ والعِياذُ باللهِ. فَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذلكَ فَلْيَتَشَهَّدْ لِلرُّجوعِ إلى الإِسلامِ.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 سورة الحشر.[1]

 رواه البيهقي.[2]

التربية الإسلامية ودور الأسرة والمعلّم

إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وأشهدُ أَنْ لَا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ ولا مثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، هو اللهُ الواحِدُ الأَحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ الذِي لم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ولمْ يَكُنْ لهُ كفوًا أحد. وأشهدُ أنّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وَحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدَّى الأَمَانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِه. اللّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّين.

أمّا بعدُ عِبادَ اللهِ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِى بِتَقْوَى اللهِ العَلِىِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوهُ وَخَافُوه. يقولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ العَزيزِ {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد
لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦}
[1]. قالَ سيدُنا علىٌّ رضىَ اللهُ عنهُ في تفسيرِ هذِهِ الآيةِ عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الخَيْرَ[2] اهـ أَىْ عِلْمَ الدِّينِ فَمِنَ الوَاجِبِ علينَا إخوةَ الإيمانِ أَنْ نَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ دِينِنا وَأَنْ نُعَلِّمَ أَوْلادَنا مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَبِعِلْمِ الدِّينِ يَقِى الإِنسانُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وأولادَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ يومَ القِيامَةِ. وقد بيَّنَ لنا رسولُنَا الكريمُ صلَّى الله عليه وسلم أهميةَ الدَّوْرِ الذِى يَنْبَغِى أَنْ تَقُومَ بهِ الأُسْرَةُ وأَنْ يَقُومَ بِهِ الْمُعَلِّمُ والْمُرَبِّى معَ الأولادِ وَالْمَسْئُوليَّةَ الكبيرةَ الوَاقِعَةَ علَى الأَهْلِ وعلَى كُلِّ مَنْ يَرْعَى طِفْلًا أَوْ أُسْرَةً أو جَماعَةً قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه[3] اهـ

Continue reading التربية الإسلامية ودور الأسرة والمعلّم

تفسير سورة الإخلاص وتفسير الحديث “الله أكثر

إنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ له ولا ضدَّ ولا نِدَّ ولا مثيلَ ولا شبيهَ لَهُ ولا مَكانَ ولا جهةَ لَه ولا خالقَ سواه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائِهِ، صلى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ. أما بعدُ عبادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَظِيم، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِه وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمون. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يقولُ في القُرءانِ الكَريمِ ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤﴾ سورة الإخلاص.

إخوةَ الإيمان، إِنَّ هذهِ السورةَ هِيَ مِنْ سُوَرِ القُرْءَانِ العَظِيمَةِ مَعَ قِصَرِهَا لأنَّ فيهَا مِنْ مَعاني التوحيدِ وَصِفَاتِ اللهِ ما يُظْهِرُ عَقِيدَةَ المسلمِينَ بِرَبِّهِمْ تبارَكَ وتعالى. وَقَدْ وَرَدَ في هذِهِ السورةِ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا مَرَّةً فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَ القُرءانِ وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَيِ القُرْءَانِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلاثًا فَكَأَنَّما قَرَأَ القُرْءَانَ كُلَّهُ. اهـ أَيْ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لَا أَنَّهُ يَكونُ لَهُ أَجْرٌ تَمامًا كَمَنْ قَرَأَ القُرْءَانَ كُلَّهُ.

وأمَّا عنْ سَبَبِ نُزُولِ هذهِ السورةِ فَهُوَ أنَّ بعضَ الناسِ جاؤُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَهُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الذِي تَعْبُدُه كانَ سُؤالُهُم عِنَادًا وَلَيْسَ حُبًّا بِالعِلْمِ وَاسْتِرْشَادًا بِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى قولَه ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ﴾ إلى ءاخِرِ السورةِ، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هَذهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ اهـ

Continue reading تفسير سورة الإخلاص وتفسير الحديث “الله أكثر