Category Archives: خطب الجمعة

الحثُّ على بِرِّ الوَالِدَيْنِ والتَّحذيرُ مِنَ العُقوق

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رَحْمَةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ.

عبادَ اللهِ أُوصيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ بِالخوفِ مِنَ الجليلِ وَالعَمَلِ بِالتَّنْزِيلِ وَالاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الرَّحِيل.

إخوةَ الإيمانِ يقولُ رَبُّنا تباركَ وتعالَى في القُرءانِ الكَريمِ ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ ٱلكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلَا تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولا كَرِيما ٢٣ وَٱخفِض لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا ٢٤﴾[1]

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ أَىْ أَمَرَ اللهُ عبادَهُ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ بأَنْ لا يَعْبُدُوا إِلّا إِيَّاهُ ﴿وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنًا﴾ أَيْ وَأَمَرَ بالإِحسانِ لِلوالدَيْنِ وَالإِحسانُ هُوَ البِرُّ وَالإِكْرَامُ وقَدْ رَوَى مُسلمٌ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ أنهُ سأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ــــ أَيْ بَعدَ الإِيمانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ـــ قالَ الصَّلاةُ لِوَقْتِها قالَ قُلتُ ثُمَّ أَيٌّ قالَ بِرُّ الوَالدينِ اﻫ

وروَى مسلمٌ عَنِ الصَّادِقِ المصدُوقِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ أَحَدَهُما أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجنَّة اﻫ “رَغِمَ أَنف” قالَ أهلُ اللغةِ مَعناهُ ذَلَّ وَأَصْلُهُ لَصْقُ أَنْفِهِ بِالرِّغَامِ وهو تُرابٌ مُخْتَلِطٌ بِرَمْلٍ والمعنَى أَنَّ بِرَّ الوالِدَيْنِ عندَ كِبَرِهِمَا وضَعْفِهِمَا بالخِدْمَةِ أَوِ النَّفَقَةِ أو غَيرِ ذلكَ سَبَبٌ لِدُخولِ الجنَّةِ والفوزِ في الآخِرَةِ فمَنْ قَصَّرَ في ذلكَ فقَدْ خَسِرَ خَسَارَةً كبيرَةً وقَدْ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم رِضَا اللهِ في رِضَا الوَالِدَيْنِ وسَخَطُهُ في سَخَطِهِمَا اﻫ رواهُ الحاكِمُ وغيرُه، فَبِرُّ الوَالِدَيْنِ فَوزٌ كَبيرٌ في الدنيا والآخرةِ وعقُوقُهما خُسرَانٌ مُبينٌ بَلْ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبائِرِ كمَا جاءَ في الحديثِ الذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلمٌ، ورَوَى البيهَقِيُّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ ثلاثَةٌ لا يدخُلونَ الجنَّة أَىْ مَعَ الأَوَّلِينَ أي لسبقِ العذابِ لهم إن لَمْ يَعْفُ اللهُ عنهم وَعَدَّ مِنْهُم “العَاقّ لِوَالِدَيْه”.

والعقوقُ أَيُّها الأَحِبَّةُ ضَابِطُهُ كمَا قالَ بعضُ العُلَماءِ هُوَ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الوَالِدَانِ أَوْ أَحَدُهُما تَأَذيًا ليسَ بِالهيِّنِ في العُرْفِ أَيْ في عُرْفِ الناسِ كالشَّتْمِ وَنَحْوِهِ بَلْ نَصَّ بَعْضُهُم أنَّهُ يَجِبُ علَى الوَلَدِ أَنْ يُطِيعَ وَالِدَيْهِ في كُلِّ أَمْرٍ يَحْصُلُ لَهُمَا غَمٌّ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لَهُ أَيْ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَة.

وأَمَّا مَا لا يَحْصُلُ لَهُمَا غَمٌّ بِسَبَبِ تَرْكِهِ فَلا يَجِبُ عليهِ طاعتُهُما فِيهِ، فلَوْ طَلَبَ أحَدُ الوَالِدَيْنِ مِنْ وَلَدِهِ شَيئًا مُبَاحًا كَتَرْتِيبِ المكانِ أَوْ غَسْلِ الصُّحونِ أَوْ تَسخِينِ الطَّعامِ أَوْ عَمَلِ الشَّايِ وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ وَكانَ يَغْتَمُّ قلبُهُ إِنْ لَمْ يُطِعْهُ في ذلكَ حَرُمَ علَى الوَلَدِ أَنْ لا يَفْعَلَ، أَمَّا إِنْ كَانَ لا يَتَأَذَّى بِامْتِنَاعِهِ فَمُجَرَّدُ ذلكَ ليسَ حَرَامًا لكنْ مِنَ البِرِّ طاعتُهُمَا فِي كُلِّ مَا لا مَعْصِيَةَ فِيهِ بَلْ بِرُّ الوَالِدَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّوافِلِ.

Continue reading الحثُّ على بِرِّ الوَالِدَيْنِ والتَّحذيرُ مِنَ العُقوق

لماذا نحتفلُ بولادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فهو المهتد ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له ولا شبيهَ لهُ، ولا حَيِّزَ وَلا جهةَ ولا مَكانَ له، ولا هيئَةَ ولا صُورةَ ولا شَكْلَ لَهُ، ولا جَسَدَ ولا جُثَّةَ ولا لونَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا حَدَّ لَهُ، سُبْحَانَه ليسَ كمثلهِ شَىءٌ وهو السميعُ البَصيرُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه وخليلُه، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطاهرينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ العظيمِ القائِلِ في كتابِهِ الكريمِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَولا سَدِيدا ٧٠ يُصلِح لَكُم أَعمَٰلَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا ٧١﴾[1]

إخوةَ الإيمان، ماذَا عسَانا نقولُ مِنَ القَوْلِ السّديدِ في يَومِ مولدِ الحبيبِ سيدِنا محمد؟ يا رسولَ اللهِ أيّها الفَخْمُ الْمُفَخَّمُ والنبيُّ الْمُعَظَّمُ والحبيبُ الْمُكَرَّم .. يا صاحبَ الفَضْلِ علَى أُمَّتِكَ .. يَا مَنْ ءاثَرْتَ أُمَّتَكَ بِدَعْوَتِكَ التِي أَعْطَاكَ ربُّكَ فَقُلْتَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نبِيٍّ دَعْوَتَه[2] ولكنَّكَ اخْتَبَأْتَها شفَاعَةً لَهم فقلتَ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَة اهـ وذلكَ مِنْ رَحْمَتِكَ بِهِمْ وأنتَ كما وصفَكَ ربُّكَ في كتابِه ﴿بِٱلمُؤمِنِينَ رَءُوف رَّحِيم ١٢٨﴾[3] .. وأنتَ الذِي يُقالُ لكَ يومَ القِيامَةِ يَا محمّدُ سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَأَنْتَ الذِي تَقُولُ أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي[4] اﻫ .. وأَنْتَ الذِي أَرْشَدتَ لِلْخَيْرِ، فَجَزَاكَ اللهُ عنْ هذِه الأُمَّةِ خيرَ الجزَاء.

أيُّها القائدُ الْمُعَلِّم، في شَهرِ مَولِدِكَ نَتَذَكَّرُ عَظَمَتَكَ وَفَضْلَكَ وَخُلُقَكَ وَوَصْفَ جَمالِكَ وجَميلَكَ علينَا يا نبِيَّ اللهِ. يا نَبِيَّ اللهِ حينَ يَمْدَحُكَ المادِحُونَ وَيَذْكُرُ اسمَكَ الذَّاكِرونَ تَأْخُذُنا الشُّجونُ حتَّى كأَنَّ لِسانَ الحَالِ يقولُ يا لَيْتَنِي أَحْظَى بِاللقاءِ وَلَوْ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ فِي المنَامِ كمَا حَظِيَ بِها سيدُنا بِلالٌ الحبَشِيُّ وقَدْ كانَ لَهُ شرفُ الاجتماعِ بِكَ وَرُؤْيَاكَ يَقَظَةً، ومَعَ ذلكَ لَمّا شاهدَ في المنامِ وَجْهَكَ الأَغَرَّ إِذْ بِهِ يَصْحُو مِنْ نَوْمِهِ في تلكَ الليلَةِ وتَحْدُوهُ الأشواقُ بِوَجْدٍ يَتَأَجَّجُ في البِطَاح، يُعَجِّلُ سَيْرَهُ في لَيْلٍ وَصَبَاح، لِيَصِلَ المدينَةَ الغَرَّاءَ فَيقِفَ علَى الأَعْتَاب .. والعَبَرَاتُ مِنْ عَيْنَيْهِ تَنْسَاب .. علَّهَا تُخَفِّفُ مِنْ حَرْقَةٍ فِي الفُؤَادِ، وَلكن هيهاتَ هيهات .. فَهُوَ الذِي وقبلَ مَماتِه أَطْلَقَ المقالَ فقالَ غَدًا نَلْقَى الأَحِبَّةَ محمَّدًا وصَحْبَه اهـ غَدًا لِقَاءُ محمَّدٍ يَوْمَ الجزَاء.

Continue reading لماذا نحتفلُ بولادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

الدين النصيحة

الحمدُ للهِ ذي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ الذِي أَعَزَّنَا بِالْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَنَا بِالإِيمانِ وَنَوَّرَ قُلُوبَنا بِالْقُرْءَانِ والصَّلاةُ والسلامُ على سيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ سَيِدِنا محمدٍ أَبِي القَاسِمِ الذِي عَلَا النُّجُومَ وَالْكَوَاكِبَ العِظَامَ وعلَى ءالِهِ وَأَصْحَابِهِ الكِرَامِ بُدُورِ التَّمَامِ، وَمَصَابِيحِ الظَّلَامِ وَشُمُوسِ دِينِ الإِسْلامِ الذينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ وَكَانُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ورَضِيَ عَنْهُمْ قُدْوَةً لِلْأَنَامِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، اللهمَّ صَلِّ علَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعلَى سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وءالِ كُلٍّ وَصَحْبِ كُلٍّ وَسَلِّمْ.

أمَّا بعدُ عِبَادَ اللهِ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَأُحَذِّرُكُمْ مِنْ عِصْيَانِهِ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ مَنِ اسْتَبْدَلَ بِالطَّاعَةِ الْمَعْصِيَةَ وَءَاثَرَ الفَانِيَةَ علَى البَاقِيَةِ يَقُولُ اللهُ تباركَ وتعالَى في القُرْءَانِ العَظِيمِ ﴿وَٱلعَصرِ ١ إِنَّ ٱلإِنسَٰنَ لَفِي خُسرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَواْ بِٱلحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِٱلصَّبرِ ٣﴾[1]

اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ للهِ تباركَ وتعالى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَقَدْ أَقْسَمَ في هذِهِ السُّورَةِ بِالعَصْرِ وَمَعْنَى العَصْرِ الدَّهْرُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاللهُ أَقْسَمَ أَنَّ كلَّ إِنْسَانٍ خَاسِرٌ وَاسْتَثْنَى الذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الخَاسِرينَ وَهَذَا وَصْفُ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ الذينَ عَمِلُوا بِوَصَايَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأْتَمَرُوا بِأَوَامِرِهِ فتَعَلَّمُوا وَعَمِلُوا وَجَدُّوا وَاجْتَهَدُوا وَخُصُوصًا السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الصحابةِ الذينَ مَدَحَهُمُ اللهُ تباركَ وتعالَى فقالَ ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلمُهَٰجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ﴾[2] وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللهُ تبَارَكَ وتعالَى أَنَّهُ رَاضٍ عَنْهُمْ لأَنَّهُمْ صَدقُوا وَءامَنُوا وَتَعَلَّمُوا وَعَمِلُوا وَنَصَحُوا وَانْتَصَحُوا، فَحَرِيٌ بِنَا أَيُّها الإِخْوَةُ الكِرَامُ أَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَقْتَدِيَ بِصَحَابَتِهِ الكِرَامِ الّذِينَ كَانُوا يَنْصَحُ أَحَدُهُمُ الآخَرُ لِوَجْهِ اللهِ فَيَنْصَحُ الأَخُ أخَاهُ والصَّاحِبُ صَاحِبَهُ، وكانَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ مِرْءَاةً لِأَخِيهِ المسلمِ يُحِبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ رَأَى فيهِ عَيْبًا سَارَعَ إلَى تَقْدِيمِ النُّصْحِ لَهُ وَالْمَوْعِظَةِ ابْتَغَاءً لِمَرْضَاةِ اللهِ وكانَ الْمَنْصُوحُ مِنْهُمْ بِالْمُقَابِلِ لَا يَتَرَفَّعُ عَنْ قَبُولِ النَّصِيحَةِ لأَنَّهُمْ كانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَمَعُوا النَّصِيحَةَ وشَكَرُوا النَّاصِحَ وَعَمِلُوا بِهَا كانَ انْتِفَاعُهُمْ بِذَلِكَ عَظِيمًا وقَدْ قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ إِنْ رَأَيتَ مَنْ يَدُلُّكَ علَى عُيُوبِكَ فَتَمَسَّكْ بِأَذْيَالِهِ اهـ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ رَحِمَ اللهُ امْرَءًا أَهْدَى إِلَيَّ عُيوبِي اهـ ولَقَدْ كانَ الصحابةُ الكِرَامُ إذَا الْتَقَى الوَاحِدُ مِنْهُمْ بِالْآخَرِ يَتَصَافَحَانِ معَ طَلَاقَةِ الوَجْهِ وَالابْتِسَامَةِ وَيَقْرَؤُونَ سورةَ العَصْرِ لِمَا حَوَتْهُ هذهِ السورَةُ مِنَ المعانِي العَظِيمَةِ الجَلِيلَةِ،كَانُوا يَتَواصَوْنَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَيُذَكِّرُونَ بَعْضَهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِالالتِزَامِ بِأَوامِرِهِ وَبِالحَقِّ الذِي جَاءَ بهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةً بِإِخْوَانِهِمْ وَقَدْ جَاءَ في وَصْفِهِمْ قَوْلُ اللهِ تباركَ وتعالَى فى سورةِ الفَتْح ﴿رُحَمَاءُ بَينَهُم﴾[3] وهَذَا مَا عَلَّمَهُمْ إياهُ سيدُ الْمُرْسَلِينَ مُحمَّدٌ عليهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ.

إخوةَ الإيمانِ لَقَدْ كَانَ لنا في رَسُولِ اللهِ وصَحَابَتِهِ الكِرَامِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فعَلَيْنَا بِالتَّنَاصُحِ وَالتَّوَاصِي بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَالعَمَلِ بِأَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَا حَرَّمَ وَقَبُولِ النَّصيحةِ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ لِمَنْ فَقالَ للهِ ولِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ اهـ

Continue reading الدين النصيحة

الحذر من الإفتاء بغير علم

الحمدُ للهِ الّذِي عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَقَيَّضَ لِهَذَا الدِّينِ رِجَالًا يُفْتُونَ بِعِلْمٍ فَإِذا لَمْ يَعْلَمُوا لَمْ يغفلوا لَا أَعْلَمُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فلا مُضلَّ لَه ومَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ وَلَا شَىْءَ مِثْلُهُ وَلا شَىءَ يُعْجِزُهُ، لا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ وَلَا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ وَلَا يُشْبِهُ الأَنَام. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ الْمُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ الـمُجْتَبَى ورسولُهُ الـمُرْتَضَى، وأَنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ الأَتْقِيَاءِ، وَسَيِّدُ المرسلينَ وحَبِيبُ رَبِّ العالَمين. فَصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلَى ءالِهِ الطَّاهِرِينَ وصحابَتِهِ الـطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ.

أما بعدُ فَأُوصِي نَفْسِي وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ أَلَا فَاتَّقُوه وَخَافُوه وَأْتَمِرُوا بِأَوَامِرِهِ وَانْتَهُوا عَنْ نَواهِيهِ واثْبُتُوا علَى هَدْيِ النبِيِّ محمدٍ عليهِ أفضَلُ الصَّلاةِ وأَتَمُّ التَّسْلِيم.

اعلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمَانِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى سَائِلٌ عَبْدَه يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ كلامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَفُؤَادِهِ وَأَنَّ اللهَ سَائِلٌ عَبْدَه عَنْ قَوْلِهِ في الدُّنْيَا هَذَا يَجُوزُ وهذَا لَا يَجُوزُ فقَدْ قالَ رَبُّنا تبارك وتعالى في القُرءانِ الكَريم ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلمٌ إِنَّ ٱلسَّمعَ وَٱلبَصَرَ وَٱلفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنهُ مَسْؤُلاً ٣٦﴾[1] أَيْ لَا تقُلْ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَالفَتْوَى بغيرِ عِلْمٍ مِنَ الذنوب كبيرة، رَوَى الحَافِظُ ابنُ عَسَاكرَ[2] أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ ملائكَةُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اهـ فَإِذا كانَ الأَمْرُ كذلكَ إِخْوَةَ الإيمانِ فَمَا مَعْنَى أَنْ يُفْتِىَ بِعِلْمٍ، وَاسْمَعُوا مَعِي فَإِنَّ الذِي يُفْتِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا في الفُتْيَا لِمُجْتَهِدٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَجَرِّئًا علَى الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ. أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَهُوَ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الاجتِهَادِ أَيْ مَنْ يَجُوزُ لهُ ذلكَ بِنَاءً عَلَى صِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَشُرُوطٍ لَا بُدَّ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ، وَهِيَ ليسَتْ موجودَةً في أَغْلَبِ أَهْلِ العَصْرِ. قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ الله ولا يكونُ الشَّخْصُ أَهْلًا لِلاجْتِهَادِ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا مَضَى قَبْلَهُ مِنَ السُّنَنِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ وَإِجْمَاعِ النَّاسِ وَاخْتِلافِ العُلَمَاءِ حَتَّى لَا يَخْرِقَ الإِجْمَاعَ، وَأَنْ يكُونَ عَالِمًا بِلُغَةِ العَرَبِ وَمَعَانِي مَا وَرَدَ في النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ علَى وَفْقِ كَلَامِ العَرَبِ. ويُشْتَرَطُ في الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ حافِظًا لآياتِ الأحكامِ وأحاديثِ الأحكامِ ومع معرفَةِ أسانيدِها ومعرفةِ أحوالِ رِجالِ الإِسْنَاد وَمَعْرِفَةِ النّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ والعَامِّ والخَاصِّ وَالْـمُطلَقِ وَالْـمُقَيَّدِ مَعَ فِقْهِ النَّفْسِ أَيْ قُوَّةِ الفَهْمِ وَالإِدْرَاكِ وَمَعَ العَدَالَةِ، فَمِثْلُ هَذَا إِنْ أَفْتَى يُفْتِي عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ. وَأَيْنَ يُوجَدُ مَنْ يَجْمَعُ كُلَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ في هَذَا الزَّمَنِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّخْصُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَيَعْتَمِدُ علَى فَتْوَى إِمَامٍ مُجْتَهِدٍ أَيْ ينقُلُ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَة. وأَمَّا مَنْ تَسَوَّرَ مَرْتَبَةً لَيْسَ أَهْلًا لَهَا فَصَارَ يُفْتِي النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، صارَ يُفْتِي الناسَ على وَفْقِ هَواهُ فَهُوَ خَائِبٌ خَائِنٌ يَفْضَحُهُ اللهُ تباركَ وتعالى في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ كَمَا قَالَ إِمَامُنَا الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ مَنْ سَامَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَا يُسَاوِي رَدَّهُ اللهُ تعالَى إِلَى قِيمَتِه[3] اهـ

Continue reading الحذر من الإفتاء بغير علم