Category Archives: خطب الجمعة

التحذير من شرب الخمر والمخدّرات والوَشْم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ لهُ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ لهُ ولا صورةَ لهُ ولا أعضاءَ لهُ ولا جوارحَ لهُ ولا جهةَ لهُ ولا مكانَ لهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، صلّى اللهُ على سيدِنا محمد صلاةً يَقضي بها حاجاتِنا ويفرِّجُ بها كُرُباتِنا وسلّمَ عليهِ وعلى ءالهِ وإخوانِهِ النّبيِّينَ والمرسلينَ سلامًا كثيرًا.

وبعدُ عبادَ الله فأُوصِي نفسِي وإيَّاكُم بتَقْوَى اللهِ العَظِيم وأُذَكِّرُكم بقولِه عزَّ وَجَلَّ ﴿وَٱتَّقُواْ يَوما تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفس مَّا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ ٢٨١﴾[1]

اعلَمُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ أَنَّ مَنْ أَرادَ السَّلامةَ ونَيلَ الدَّرجاتِ العُلْيَا فِي الآخِرَةِ فعلَيْهِ بِتَقْوَى اللهِ تعالَى فَإِنَّ التقوَى سَبِيلُ الفَلاحِ والسعادَةِ والكَيِّسُ مَنْ دانَ نَفْسَهُ وأَلْزَمَها التَّقْوَى لاسِيَّمَا في هذَا الزَّمَنِ الذِي نَعيشُ فيهِ حيثُ فشَتِ الْمُنْكَرَاتُ، وزَادَتْ في الناسِ السَّيِّئَاتُ وأَغْوَى الشَّيطانُ كَثِيرًا مِنْ عبادِ اللهِ فَصَرَفَهُمْ عَنْ طَريقِ التَّقوَى فَمِنْهُم مَنْ وَصَلَ إلى حَدِّ الكُفْرِ والعياذُ باللهِ تعالَى وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ إلى حَدِّ اقتِرافِ الكَبائِرِ والموبِقَاتِ وغَفَلَ عن ذِكْرِ الموتِ والآخِرَةِ فَتَراهُ يَتَخَبَّطُ في المعاصِي والآثامِ فَلا يَتَّعِظُ بالأمواتِ الذِينَ سَبَقُوهُ وَلا يَزْجُرُهُ الشَّيْبُ الذِي نَزَلَ بِرَأْسِهِ فإِلَى متَى الغَفْلَةُ وإلَى مَتَى التَّمادِي فيمَا حَرَّمَ اللهُ فطوبَى لِمَنِ اغْتَنَمَ أَنْفَاسَهُ بِمَا يكونُ لَهُ ذُخْرًا في أُخراهُ وأرضَى خالقَهُ قبلَ أَنْ يَلْقَاهُ.

أيُّها الأحبَّة، ما أكثرَ الناسَ الذينَ ابْتَعَدُوا عَنِ التَّقْوَى اليَوْمَ ورَاحُوا يَنْغَمِسُونَ فِي الْمُحَرَّماتِ ولَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَعْرِضَ حَالَ كثيرٍ مِنَ الناسِ اليَوْمَ ومَا يتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الحرَامِ لضَاقَ بِنَا المقَامُ لكنَّنِي أَحْبَبْتُ في خُطْبَتِي هذِهِ أَنْ أُنَبِّهَ وَأُحَذِّرَ مِنْ ثَلاثَةِ أُمُورٍ تَفَشَّتْ في المجتَمَعِ والعياذُ باللهِ تعالَى وهي شُربُ الخَمرِ وتَعاطِي الْمُخَدِّراتِ والوَشْمُ وكُلُّها مِنَ المعاصِي التِي نَهَى اللهُ عنهَا وَحَذَّرَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم منها.

وغَنِيٌ عَنِ البَيانِ مَا لِلخمرِ مِنْ أَضْرار على الصعيدِ الصِّحِّي وَالاجْتِمَاعِيِّ فهي معَ التَّأثِيرِ على العَقلِ تُسَبِّبُ أَضْرَارًا أُخرى كثيرَةً والعياذُ باللهِ وَلَقَدْ صدقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ قالَ “لا تَشْرَبِ الخمرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ” رواهُ ابنُ مَاجَه. فكم وكم مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا وَسَفَكُوا دِماءَ بَعْضِهِم البَعْض بِسَبَبِ السُّكْرِ الشَّديدِ وَكمْ مِنَ النَّاسِ خَسِرُوا ثَرَواتِهِم وَجَنَى أَعمارِهِم في القِمارِ والْمُراهَناتِ وَهم تحتَ تأثيرِ الخمرِ وكم مِنَ النَّاسِ اغْتَصَبُوا أَقْرَبَ الناسِ إليهم وهُمْ تحتَ وَطْأَةِ تأثيرِ الخمرِ ومِنَ المؤسِفِ أنَّ كَثيرًا مِنَ الشُّبانِ يَظُنُّونَ أَنَّ تناوُلَ الخمرِ سِمَةٌ مِنْ سِماتِ التقدُّمِ في حينِ أنَّ اللجوءَ إلى المشروباتِ الكحوليَّةِ فضلا عَنْ ضَرَرِهِ العُضْوِيِّ والنّفْسِيِّ والاجتماعِيِّ والاقتِصادِيِّ هو سِمَةُ ضعافِ النُّفوسِ والعياذُ باللهِ تعالى. وتَرَى مِنَ الناسِ مَنْ يَذْهَبُ أبعدَ مِنْ ذلكَ فمَعَ تعَاطِيهِ الخمرَ يضيفُ إلى ذلكَ خصْلَةً أخرى مِنْ خِصالِ الشَّرِّ وقبيحةً أخرى من القَبائِحِ التي نَهى عنهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتَراهُ يَجْمَعُ مَعَ شُربِ الخمرِ تعاطيَ المخدِّراتِ ولا يَخْفَى ما تُؤَدِّي إليهِ المخدِّراتُ مِنَ الضّعفِ والمرضِ والعَجْزِ معَ مَا يَلحقُ صاحبَها منَ الإِثمِ ولِهَؤلاءِ نَقُولُ: قالَ اللهُ تعالَى ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ ٱلعَدَٰوَةَ وَٱلبَغضَاءَ فِي ٱلخَمرِ وَٱلمَيسِرِ   ويَصُدَّكُم عَن ذِكرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ ٩١﴾[2] فقولُه تعالى ﴿فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ مِنْ أَبلَغِ مَا يُنْهَى بهِ كَأَنَّهُ قيلَ قَدْ تُلِيَ علَيْكُمْ مَا فيهِمَا (أي الخمرِ والميسِرِ) مِنْ أنواعِ الصَّوارِفِ والزَّواجِرِ فهل أَنْتُمْ مَعَ هذهِ الصَّوارِفِ مُنْتَهُونَ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عليهِ كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا ولَمْ تُزْجَرُوا، والميسِرُ القِمَار.

وروى أبو داودَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتّرٍ. والمفتِّرُ هو مَا يُحدِثُ في الجسمِ والعَينِ أثَرًا ضَارًّا. وفي الحديثِ دَلِيلٌ علَى تَحريمِ تعاطِي الْمُخَدِّراتِ مثلِ الحشيشةِ والأفيونِ بل إنَّ كلَّ ما يُؤَدِّي بالإِنسانِ إلَى الهلاكِ فَهُوَ حَرَامٌ أَنْ يَتعاطَاهُ كَمَا دَلَّ علَى ذلكَ قولُه تعالى ﴿وَلَا تَقتُلُواْ أَنفُسَكُم﴾[3]

ثم ليُعلَمْ أيضًا أَنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يَزِيدُ إِثْمُهُ فَإِذَا بهِ معَ شربِ الخمرِ وتَعاطِي الْمُخَدِّراتِ يَضُمُّ إليهِمَا مَعْصِيَةً أُخرَى دَرَجَ عليهَا كَثِيرٌ مِنَ الناسِ اليَوْمَ وهي الوَشْمُ وهيَ منَ الكَبائِرِ والعياذُ باللهِ وَالوَشْمُ غَرْزُ الجِلْدِ بِالإِبْرَةِ حَتَّى يَخرجَ الدَّمُ ثم يُذَرُّ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَسْوَدَّ وَمَا أَكْثَرَ مَن يَفْعَلُ هَذَا في هذهِ الأَيامِ. فَلْيَنْظُرْ هؤلاءِ مَاذَا يُعِدُّونَ وَمَاذَا يُقَدِّمونَ لِقُبورِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ معصيةٍ مِنَ المعاصِي الثلاثِ التِي ذَكَرتُ وَهِيَ شُرْبُ الخمرِ وتَعَاطِي المخدِّراتِ والوشمُ يسْتَحِقُ فَاعِلُها عَذابَ اللهِ الشديدَ في القبرِ وفِي الآخرَةِ فكيفَ إذَا اجْتَمَعَتِ الثلاثةُ فإنَّ الخطرَ يكونُ عندَئِذٍ أكبَرَ وأكبَرَ.

أيها الأحبةُ، فَلْيَحْذَرْ كلٌ مِنَّا خُطُواتِ الشيطانِ ولْيَتَّخِذْهُ عَدُوًّا وَلْيَحْذَرِ الوُقُوعَ فيمَا يُوَسْوِسُ لَهُ مِن ارتِكابِ الإثمِ والفُجورِ فقد قالَ اللهُ تعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّ مُّبِينٌ ١٦٨﴾[4]

هذا وأستغفِرُ اللهَ لي وَلَكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَاتَّقُوهُ. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدِينَ غيرَ ضالِّينَ ولا مُضِلِّينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى ويَنهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة البقرة.

[2] سورة المائدة/ءاية 91.

[3] سورة النساء/ءاية 29.

[4] سورة البقرة.

بَعْضُ أَحْوَالِ يَوْمِ القِيامَة

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا ضد ولا ند له. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه وخلِيلُه. اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِهِ الطيبينَ الطَّاهرينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِىِّ العظيمِ القائلِ في مُحكمِ كِتابِه ﴿وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَة لَّا رَيبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبعَثُ مَن فِي ٱلقُبُورِ ٧﴾[1] وقد رَوَى الحاكِمُ مِنْ حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى يَوْمِ القِيامَةِ فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ اهـ أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿إِذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت ١ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَت ٢ وَإِذَا ٱلجِبَالُ سُيِّرَت ٣ وَإِذَا ٱلعِشَارُ عُطِّلَت ٤ وَإِذَا ٱلوُحُوشُ حُشِرَت ٥ وَإِذَا ٱلبِحَارُ سُجِّرَت ٦ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَت ٧ وَإِذَا ٱلمَوءُۥدَةُ سُئِلَت ٨ بِأَيِّ ذَنب قُتِلَت ٩﴾[2] أَىْ إِذَا جُمِعَ بَعْضُ الشَّمْسِ إلَى بَعْضٍ ثُمَّ رُمِيَتْ فذَهَبَ ضَوؤُهَا، وَإِذَا النُّجومُ تَنَاثَرَتْ مِنَ السَّماءِ فَتَسَاقَطَتْ وَإِذَا الجبالُ قُلِعَتْ مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ سُوِّيَتْ بِها كَمَا خُلِقَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَيسَ عليهَا جَبَلٌ وَلا فِيهَا وَادٍ وَإِذَا العِشَارُ أَىِ النُّوقُ الحوَامِلُ تُرِكَتْ بِلا رَاعٍ وَبِلا حَالِبٍ لِمَا دَهَاهُمْ مِنْ أُمُورِ الآخِرَةِ وَإِذَا الوُحوشُ جُمِعَتْ بَعْدَ البَعْثِ لِيُقْتَصَّ مِنْ بَعضِهَا لِبَعْضٍ وَتَصِيرَ بعدَ ذلكَ تُرابًا إِظْهَارًا لِعَدْلِ اللهِ إِذْ لا تَكْلِيفَ علَى البَهائِم وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ أَىْ أُوقِدَتْ فَاشْتَعَلَتْ نَارًا وَإِذَا النُّفوسُ قُرِنَتْ بِأَشْكَالِها الصالِحُ مَعَ الصَّالِحِ فِي الجنَّةِ والفَاجِرُ مَعَ الفَاجِرِ فِي النَّارِ وَإِذَا الموءُودَةُ وهِيَ البنتُ تُدْفَنُ وَهِيَ حيّة، وَكانَ هذَا مِنْ فِعْلِ الجاهليَّةِ فكانَ الرجُلُ في الجاهليةِ فِي أَحيانٍ كثيرةٍ إِذَا وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتًا دَفَنَهَا حَيَّةً إِمَّا خَوْفًا مِنَ السَّبْىِ وَالاسْتِرْقَاقِ وَإِمَّا خَشْيَةَ الفَقْرِ وَالإِمْلاقِ فإذا سُئِلَتْ بأيِّ ذنبٍ وُئِدَتْ وَسُؤَالُهَا تَوْبِيخٌ لِوَائِدِهَا وَجَوَابُها أَنْ تَقُولَ بِلا ذَنْبٍ، وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ أَىْ صُحُفُ الأَعْمَالِ التِى كَتَبَتْ فِيهَا الملائِكَةُ مَا فَعَلَ أَهْلُهَا مِنْ خيرٍ أَوْ شَرٍّ تُنْشَرُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَقْرَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ كِتَابَهُ. رَوَى ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ قَالَ فَيَنْطَلِقُ إلَى أَصْحابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعيدٍ فَيَقُولُونَ اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فيقول أَبْشِرُوا فإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هذَا. يقول الله تعالى ﴿فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَاؤُمُ ٱقرَءُواْ كِتَٰبِيَه ١٩﴾[3]. فَإِعْطَاءُ الكِتَابِ بِاليَمِينِ إِخوَةَ الإِيمانِ دَلِيلٌ علَى النَّجاةِ وَالمؤمنُ لَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ النَّاجِينَ وَيَبْلُغُ بِذَلِكَ غَايَةً عَظِيمَةً مِنَ السُّرورِ بِإِعْطَاءِ كِتَابِهِ بيمينِه يُظْهِرُ ذَلكَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَفْرَحُوا لَهُ. وَأَمَّا مَنْ كانَ مِنَ الخَاسِرينَ الهالِكينَ يَوْمَ الدِّينِ فَحَالُهُ كَمَا قالَ ربُّنا عزَّ وجلَّ في كتابِه العَزِيزِ ﴿وَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيتَنِي لَم أُوتَ كِتَٰبِيَه ٢٥ وَلَم أَدرِ مَا حِسَابِيَه ٢٦ يَٰلَيتَهَا كَانَتِ ٱلقَاضِيَةَ ٢٧ مَا أَغنَىٰ عَنِّي مَالِيَه ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلطَٰنِيَه ٢٩ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ ٱلجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١ ثُمَّ فِي سِلسِلَة ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعا فَٱسلُكُوهُ ٣٢ إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤمِنُ بِٱللَّهِ ٱلعَظِيمِ ٣٣﴾[4]. إخوةَ الإِيمان، إِنَّ مَنْ أُعْطِىَ كِتابَ أعمالِهِ بِشمالِه يَجِدُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ التِى كُشِفَ عنهَا الغِطَاءُ فَيَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ كِتَابَهُ لِمَا يَرَى فيهِ مِنْ قَبائِحِ أَفْعَالِهِ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْهُ للسُّؤالِ فيقولُ ﴿يَٰلَيتَهَا كَانَتِ ٱلقَاضِيَةَ ٢٧﴾ قالَ البُخارِىُّ القَاضِيَةَ الموتَةَ الأُولَى التِى مُتُّها لَمْ أُحْيَ بَعْدَهَا ﴿مَا أَغنَىٰ عَنِّي مَالِيَه ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلطَٰنِيَه ٢٩﴾ فَمَالُهُ الذِى كَانَ في الدنيا يَمْلِكُهُ لا يَدْفَعُ عنهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ شَيْئًا وَسُلْطَانُهُ أَىْ ملكهُ وَقُوَّتُهُ الذِى كانَ لَهُ في الدُّنيا زَالَ عنهُ. ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ ٱلجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١ ثُمَّ فِي سِلسِلَة ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعا فَٱسلُكُوهُ ٣٢﴾ أَىْ خُذوهُ واجْمَعُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ مُقَيَّدًا بِالأَغْلالِ وَأَدْخِلُوهُ وَاغْمُروهُ في نَارِ جَهَنَّم ﴿ثُمَّ فِي سِلسِلَة ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعا فَٱسلُكُوهُ ٣٢﴾ قِيلَ تَدْخُلُ مِنْ فَمِهِ سِلسِلَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا َوتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ. اللهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ عَذَابِكَ يَا رَبَّ العَالَمِين.

Continue reading بَعْضُ أَحْوَالِ يَوْمِ القِيامَة

تنْزِيهُ اللهِ عنِ الجِسمِ وسائرِ معانِى الخَلق

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وَحَبِيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى ءالِه وصحابتِه الطيبينَ الطاهرين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَليِّ القديرِ والثَّباتِ على عقيدةِ الأنبياءِ ونَهْجِ سيّدِ الأنبياءِ ودَرْبِ إمامِ الأولياءِ والأَصْفِياءِ، فَهُوَ الحبِيبُ وَهُوَ القُدْوَةُ وهو القائلُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ في حديثِه الشَّريفِ وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ اهـ[1]

فقد خَصَّ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَفْسَهُ بِالتَّرَقِّي فِي هَذَا العِلْمِ أَيِ العِلْمِ بِاللهِ تعالى وصِفاتِهِ لأنهُ أَجَلُّ العُلومِ وأَعْلاها وأوجَبُها وأَوْلاها، فَعِلْمُ التوحيدِ لَهُ شَرَفٌ علَى غَيرِهِ مِنَ العُلُومِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَشْرَفِ المعلوماتِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمعرفَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى مَا يَليقُ بهِ فالتوحيدُ عندَ أَهلِ السُّنّةِ هو نَفْىُ التَّشبيهِ والتَّعطيلِ كَمَا ذَكَرَ ابنُ حجرٍ العَسْقَلانِىُّ في شرحِهِ على صَحيحِ البُخَارِىِّ فهوَ مَبْنِىٌّ علَى إِثباتِ مَا يَجِبُ للهِ مِنَ الصِّفاتِ كَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ والإِرادَةِ مَعَ نَفْىِ التَّشبيهِ أَى مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المخلوقِينَ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ القُرءَانِ الكَريمِ كَقَوْلِهِ تعالَى ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾[2] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ ٤﴾[3] وقولِهِ تعالَى ﴿وَلِلَّهِ ٱلمَثَلُ ٱلأَعلَىٰ وَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ ٦٠﴾[4] وقولِهِ تعالَى ﴿فَلَا تَضرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ ٧٤﴾[5] أمَّا الآيةُ ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيء﴾ فَهِىَ أَصْرَحُ ءَايَةٍ وَرَدَتْ فِي التَّنْزِيهِ لأنهُ يُفهَمُ مِنْهَا التنْزيهُ الكُلِّىُّ وتَفْسيرُها أَنَّ اللهَ لا يُشبهُهُ شىءٌ بِأَىِّ وجهٍ مِنَ الوُجوهِ، فَفِى الآيةِ نَفْىُ مَا لا يليقُ باللهِ عَنِ اللهِ كالعَجزِ والجهلِ وَالحدِّ واللونِ وَالأَعضاءِ والشَّكلِ والصورةِ والهيئةِ والتَّركيبِ. وأَمَّا قولُهُ تعالَى ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١١﴾ فَفِيهِ إِثْبَاتُ مَا يليقُ بِاللهِ، فَالسَّمْعُ صِفَةٌ لائِقَةٌ بِاللهِ وَالبَصَرُ كذلكَ وَإِنَّمَا قَدَّمَ اللهُ تعالَى في هذهِ الآيَةِ التَّنْزِيهَ حتَّى لا يُتَوَهَّمَ أَنَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ كَسَمْعِ وبَصَرِ غَيرِه فاللهُ تعالَى يَرَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلى شُعاعِ ضوءٍ أَوْ حَدَقَةٍ عينٍ وَيَسْمَعُ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إلَى أُذُنٍ وَصِمَاخٍ أَوْ ءَالَةٍ أُخْرَى لأنَّ اللهَ ليسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ لَيسَ جِسْمًا وَلا يُشْبِهُ الأَجْسَامَ.

Continue reading تنْزِيهُ اللهِ عنِ الجِسمِ وسائرِ معانِى الخَلق

النهيُ عَنِ التَّسَرُّعِ في التَّكْفِيرِ

الحمدُ للهِ الذِي خَلَقَ الإِنسانَ فَسَوّاهُ فعدَلَه، فِي أيِّ صورةٍ مَا شاءَ رَكّبَه، وأَنْعَمَ عليهِ بِنِعَمٍ سَابِغَاتٍ وَلَوْ شَاءَ مَنَعَه، وشَقَّ لهُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ وَجَعَلَ لَهُ لِسَانًا فَأَنْطَقَه، وخَلقَ لَهُ عَقْلًا وَكَلَّفَه. وَصَلّى اللهُ علَى سيدِنا محمدٍ صفوةِ خلقِهِ وعلَى ءَالِهِ البَرَرَةِ وأَصْحَابِه الخِيَرَة، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفِيُّه وحبيبُه، صلواتُ رَبِي وسَلامُه عليهِ وعلَى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَليِّ العَظِيمِ بأَدَاءِ مَا أوجبَ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عنهُ فإنَّ نِعَمَ اللهِ تعالَى علينَا كثيرةٌ لا نُحْصِيها وَهُوَ تعالَى مَالِكُنَا وَمَالِكُ مَا أَنْعَمَ بهِ علينَا وَقَدْ أوجبَ اللهُ علينَا شُكْرَ هذهِ النِعَمِ وذلكَ بأنْ لا نَسْتَعْمِلَهَا في ما لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِهِ، أي أَنْ لا نستعمِلَها في ما حرَّمَهُ علينا، فَاتَّقِ اللهَ أَخِي المسلم وَلا تَعْصِ اللهَ بِما أَنعمَ بهِ عليكَ وَمَلَّكَكَ إِيّاهُ فَإِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَهُ فَقَدْ عَصَيْتَ مَنْ تَجِبُ عليكَ طَاعَتُهُ وظَلَمْتَ نَفْسَكَ، واللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِين.

Continue reading النهيُ عَنِ التَّسَرُّعِ في التَّكْفِيرِ