الحمدُ للهِ الَّذِي رَفَعَ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا بِالعِلْمِ والإِيمانِ وَخَذَلَ الْمُعْرِضِينَ عَنِ الهُدَى وَعَرَّضَهُمْ لِكُلِّ هَوَانٍ. وأَشْهَدُ أن لا إله إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الكَريمُ الْمَنَّانُ، سبحانَه لا يَجْرِي عليهِ زَمَانٌ، وَلا يَحْوِيهِ مَكانٌ، وأَشْهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الذِي كَمَّلَ اللهُ لَهُ الفَضَائِلَ والحُسْنَ وَالإِحْسَانَ، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ على سَيِّدِنا محمدٍ مَدَى الأَزْمَانِ، وعلى ءالِهِ الطَّيِّبِينَ والتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أما بَعْدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَزِيزِ الغَفَّارِ والسَّيْرِ على نَهْجِ النبيِّ الْمُخْتَارِ والثَّباتِ على شَرْعِهِ إلى الْمَمَاتِ والعَمَلِ بِعَمَلِ الأَبْرَارِ.
أَخِي المؤمنَ اعْلَمْ أنَّ الشفاعةَ لُغَةً هِيَ طَلَبُ الخَيْرِ مِنَ الغَيْرِ لِلْغَيْرِ، وهيَ ثابِتَةٌ بِنَصِّ القُرْءَانِ والحَدِيثِ قالَ تعالى في سورةِ الأنبياءِ ﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ ٢٨﴾.
وَرَوَى ابنُ ماجَهْ عَنْ أبي مُوسَى الأشعريِّ رضي الله عنه قالَ قالَ رسولُ صلى الله عليه وسلم خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفاعَةَ لأَنَّها أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتَرَوْنَها لِلْمُتَّقِينَ، لا، وَلكنَّها لِلْمُذْنِبِينَ الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ[1] اهـ وقالَ الحافِظُ البُوصِيرِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قالَ الحافِظُ ابنُ حجَرٍ في الفَتْحِ مَا نَصُّهُ وقالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ وهَذَا مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُعَاءَهُ فِيمَا يَنْبَغِي، وَمِنْ كَثْرَةِ كَرَمِهِ؛ لِأَنَّهُ ءَاثَرَ أُمَّتَهُ على نَفْسِهِ، وَمِنْ صِحَّةِ نَظَرِه؛ لأَنَّهُ جَعَلَهَا لِلْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِمْ أَحْوَجَ إِلَيْهَا مِنَ الطَّائِعينَ اهـ
Continue reading بيان أن الشفاعة حق لأهل الكبائر من المسلمين