مِنْ أَمْرَاضِ القُلوبِ الرّيَاء

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ ِمنْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ، وَلا حَدَّ ولا جُثَّةَ وَلا أعضاءَ لَه. وأَشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه، مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا. اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وصحابتِه الطَّيِّبينَ الطَّاهِرِين.

أما بعدُ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ في كتابِه الكريمِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلتَنظُر نَفس مَّا قَدَّمَت لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ ١٨﴾[1]. والتّقوى إِخْوَةَ الإيمانِ كلمةٌ خفيفةٌ علَى اللسانِ ثَقيلةٌ في الميزانِ ومَحَلُّها القَلْبُ فَقَدْ أَشَارَ النبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلم إلى صَدْرِهِ ثَلاثًا وقالَ التَّقوى هَا هُنَا التَّقْوَى هَا هُنَا[2] اﻫ فَالقَلْبُ أَمِيرُ الجوارِحِ إذَا صَلَحَ صَلَحَتْ فصارَ الشخصُ تقيًّا وإذَا فسدَ فسَدَتْ فصارَ الشخصُ عاصيًا، فَعَلَيْكَ يا أخِي المؤمنَ بِإِصلاحِ قلبِكَ بالوقوفِ معَ الآدابِ الشرعيةِ ظاهِرًا وباطِنًا .. داوِ قلبَكَ يا أخي المؤمنَ بِاتِّباعِ شرعِ اللهِ تعالَى والاقتداءِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في الأخلاقِ والأَحْوَال .. داوِ قَلْبَكَ فإنَّ للقلوبِ أَمْرَاضًا لا يُداويهَا أَطِبَّاءُ الدُّنيا، فإنّهُ إِنْ يَصْلُحْ قَلْبُكَ يَصْلُحْ جسَدُكَ كلُّه وتصلحْ ءاخِرَتُكَ وإنْ يَفْسُدْ قَلبُكَ يفسُدْ جسدُكَ كلُّه وتَسُؤْ حَالُكَ في دِينِكَ فالقَلْبُ أَميرُ الجوارِح وبهِ تَأْتَمِرُ.

ومِنْ هذهِ الأمراضِ إِخْوَةَ الإيمانِ الرِّياءُ وهو أَنْ يَعْمَلَ الإِنسانُ الطاعةَ لِيَرَاهُ الناسُ فَيُثْنُوا علَيه. قالَ اللهُ تعالَى ﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ ٥﴾[3]، أَخْلِصْ نِيَّتَكَ أَخِي المؤمنَ دائِمًا للهِ تعالى وَلا تُراءِ فَإِنْ عَمِلْتَ أخِي المسلمَ شيئًا طالبًا الأَجْرَ مِنَ اللهِ وَطَالِبًا مَحْمَدَةَ النَّاسِ لَمْ يَقْبَلْهُ اللهُ مِنْكَ، فَعَمَلُ الْمُرَائِي لا ثَوابَ فيهِ بَلْ هُوَ ءاثِمٌ بِمُرَاءاتِهِ، فَانْظُرْ نَفْسَكَ أَخِي المسلمَ وَرَاقِبْ قَلْبَكَ، إِنْ رَأَيْتَ نَفْسَكَ تَقْتَصِرُ علَى الْمَكْتُوباتِ فِي الخَلْوَةِ حتَّى إذَا كنتَ بينَ الناسِ اجْتَهَدْتَ في رواتِبِ المكتوباتِ فسَائِلْ نَفْسَكَ لِمَ تَفْعَلُ ذلك .. وَإِنْ كُنْتَ إذا صَلَّيْتَ في الخَلْوَةِ عَجِلْتَ فَاقْتَصَرْتَ علَى الأَرْكانِ وإذا كنتَ بينَ الناسِ أَطَلْتَ صلاتَكَ واسْتَحْضَرْتَ الخشوعَ وَحَسَّنْتَ صلاتَكَ فَسَائِلْ نَفْسَكَ لِمَ تَفْعَلُ ذلكَ وهَلْ أَنْتَ تَطْلُبُ جَاهًا ومَنْزِلَةً في قُلوبِ الخلقِ، وَهَلْ هَذَا أحبُّ إليكَ مِنْ مَنْزِلَتِكَ عندَ الخَالِق. الناسُ مَخْلوقاتٌ مثلُكَ لا يخلُقونَ نَفْعًا ولا ضرًّا وَلا يَنْفَعُونَكَ وَلا يَضُرُّونَكَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ تعالَى هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالإعطاءِ فَأَيُّ غَرَضٍ لكَ في إِيثَارِ ذَمِّ اللهِ تعالَى لأَجْلِ حَمْدِهِمْ لَكَ وَلا يَزِيدُكَ حَمْدُهُمْ لكَ رزقًا وَلا يُؤَخِّرُ أَجَلا وَلا يَنْفَعُكَ يَوْمَ القيامَةِ فدَاوِ قَلْبَكَ منَ الرياءِ وَاجْعَلْ رضَا خالِقِ الخيرِ والشَّرِّ مُبْتَغَاكَ وأَخْلِصْ نِيَّتَكَ للهِ ولا تُبَالِ إِنْ ذَمَّكَ النَّاسُ أَوْ مَدَحُوكَ فَكُلُّ الخيرِ فِي رِضَا الله.

واسمعْ معِي أخِي المسلمَ مَا رواهُ مسلمٌ عن سُلَيْمَانَ بْنِ يَسارٍ قالَ تفَرَّقَ الناسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فقالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ[4] أَيُّها الشيخُ حَدِّثْنا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْءانَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْءانَ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْءانَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ اﻫ

يَا أَخِي المؤمنَ إذَا صَلَّيْتَ فَصَلِّ للهِ وإذَا تَصَدَّقْتَ فتَصَدَّقْ للهِ وإذَا حَسَّنْتَ خُلُقَكَ فَاجْعَلْهُ للهِ وَإِنْ تَعَلَّمْتَ فَتَعَلَّمْ للهِ وَإِنْ عَلَّمْتَ فَعَلِّمْ للهِ وَإِنْ أَطَعْتَ اللهَ فَأَطِعْهُ لِوَجْهِ اللهِ الكريمِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَيَا ضَيْعَةَ عُمُرِكَ وَيا خسارةَ وَقْتِكَ.

اللهمَّ طَهِّرْ قُلوبَنَا مِنَ الرِّياءِ وَعَلِّمْنا مَا جَهِلْنَا وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنا وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِمَا عَلَّمْتَنَا وَارْزُقْنَا الإِخْلاصَ في ذلكَ كُلِّهِ.

هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[5]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، اللهمَّ إِنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إِلا أَنْتَ فَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم، اللهمّ إنَّا نعوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالهرَمِ وَعَذابِ القَبْرِ، اللهمّ ءاتِ نُفوسَنا تَقْوَاها وَزَكِّها أنْتَ خيرُ مَنْ زَكَّاها، أنتَ وَلِيُّها وَمَوْلاهَا، اللهمَّ إنّا نَعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَها، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

[1] سورة الحشر/18.

[2]رواه أحمد في مسنده ورواه مسلم بلفظ ها هنا مرة واحدة

[3]سورة البينة/5.

[4] ناتل بن قيس الحزامي الشامي تابعي أبوه صحابي، انظر شرح مسلم للنووي.

[5] سورة الأحزاب/56.