معجزةُ الإسراء

الحمدُ للهِ ثمّ الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ وسلامٌ علَى عبادِه الذينَ اصْطَفَى،  الحمدُ للهِ الواحِدِ الأَحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، نحمدُه تعالى ونستهديهِ ونسترشِدُه ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وسيئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ المهتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. والصَّلاةُ والسّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ على سيدِنا محمدٍ سيِّدِ ولدِ عدنانَ مَنْ أَيَّدَهُ اللهُ بالبُرْهانِ وأظهرَ شَرَفَهُ علَى سَائِرِ الأنبياءِ ليلةَ الإِسراءِ.

أما بعدُ معشرَ المسلِمينَ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وأوصيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظيمِ واعلَمُوا أنَّ اللهَ معَ الذينَ يَتَّقون. إخوةَ الإيمانِ تُطِلُّ علينَا مُنَاسَبَةٌ عَظِيمَةٌ أَلَا وَهِي ذِكرَى الإِسراءِ والمعراجِ. وَكلامُنا اليَوْمَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالَى على مُعجِزَةِ الإِسراءِ. قالَ اللهُ تبارَك وتعالَى في القُرْءَانِ الكَرِيم ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١﴾[1] إخوَةَ الإيمانِ لَقَدْ ثَبَتَ الإِسراءُ بِنَصِّ القُرْءَانِ والأحَادِيثِ الصَّحيحَةِ وإِجْمَاعِ المسلِمينَ فَيَجِبُ الإِيمانُ بهِ. وقَدْ كانَ إِسْرَاؤُه صلَّى الله عليه وسلم في اليَقَظَةِ بِالرُّوحِ والجَسدِ وما هذَا علَى اللهِ بِعَزِيزٍ فَإِنَّهُ تبارَكَ وتعالَى علَى كُلِّ شىءٍ قَدِيرٌ لِذَا قالَ عُلماءُ الإسلامِ إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ مُعجِزَةَ الإِسراءِ فَقَدْ كَذَّبَ القُرْءَانَ وَمُكَذِّبُ القُرْءَانِ لا يَكُونُ مِنَ المسلِمين.

وَتبدَأُ رِحلةُ الإسراءِ حيثُ أتَى جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بِدابَّةٍ هِيَ البُرَاقُ كُلُّ خُطْوَةٍ لَهُ مُنْتَهى أَقْصَى بَصَرِهِ لِيَرْكَبَهُ رَسولُ اللهِ وقَدْ رَوَى البيهقيُّ عن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ أنَّ النبيَّ قالَ فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنا يَقَعُ حافِرُها حيثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا حتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ فَأَنْزَلَنِي فقالَ صَلِّ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَكِبْنَا فقالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قلتُ اللهُ أعلَمُ قالَ صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَة اﻫ الحديثَ. وهكذا باتَ النّبيُّ يَنْتَقِلُ مِنْ أَرْضٍ إلى أرضٍ علَى البُراقِ ومعَهُ جِبريلُ عليهِ السلامُ فصلَّى بِطُورِ سَيْنَاءَ حيثُ كَلَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ موسَى عليهِ السَّلام، ثُمَّ بِبَيْتِ لَحْمٍ حيثُ وُلِدَ المسيحُ عيسَى ابنُ مريمَ عليهِ السَّلامُ ثم وَصَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ.

وفي تلكَ اللَّيلةِ العَظيمَةِ أَظْهَرَ اللهُ أَفْضَلِيَّةَ سيدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم على سائرِ الأنبياءِ والْمُرْسلينَ حيثُ جمعَ اللهُ لهُ جميعَ الأنبياءِ في بَيْتِ المقدِسِ مِنْ ءادمَ فَمَنْ بَعْدَهُ فَصَلَّى بِهم إِمامًا، قالَ صلَّى الله عليه وسلّم ثُمَّ دَخَلْتُ بيتَ المقدِسِ فَجُمِعَ لِي الأَنبياءُ عليهِمُ السَّلامُ فَقَدَّمَنِي جِبريلُ حتَّى أَمَمْتُهُمْ ثُمَّ صُعِدَ بِي إلَى السَّماء اﻫ[2] صلَّى عليكَ اللهُ يا سيّدِي يا رسولَ اللهِ.

ولقد رأَى نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في إِسرائِه الكثيرَ الكثيرَ مِنَ العَجائِبِ مِمَّا فيهِ لَنَا العِبْرَةُ والموعظَةُ فَمِنْ ذَلكَ أنَّهُ لَمَّا مَرَّ صلى الله عليه وسلّم بِقَبْرِ ماشطةِ بنتِ فِرعونَ شَمَّ رائحةً طَيِّبَةً تَنْبَعِثُ مِنْ قَبْرِ تِلْكَ المسلمةِ الصَّالِحَةِ التِي رَزَقَها اللهُ تعالَى وأولادَها الشَّهادةَ، وذلكَ أنَّها كانَتْ يَوْمًا تَمْشُطُ رَأْسَ بِنْتِ فرعونَ فسقطَ المِشْطُ مِنْ يَدِها فقالَتْ بِسمِ اللهِ فسألَتْهَا بنتُ فِرعونَ أَوَلَكِ رَبٌّ إلهٌ غيرُ أبِي؟ فقالَتِ الماشطةُ نعَمْ رَبِّي ورَبُّ أَبِيكِ هُوَ اللهُ فأَخْبَرَتْ أبَاها فَطَلَبَ فرعونُ مِنْهَا الرُّجوعَ فَأَبَتْ فحَمَّى لَهَا مَاءً وجعَلَ فيهِ الزَّيْتَ حتَى غَلَى وجَعَلَ يُلْقِي فيهِ أَوْلادَهَا الواحِدَ تِلْوَ الآخَرِ فيذوبُ اللحمُ عَنِ العَظْمِ وَهِيَ لا تَتَخَلَّى عن إِيمانِها إلَى أَنْ حَانَ دَوْرُ طِفْلِهَا الرَّضيعِ فإذَا بهِ يُكَلِّمُها وَقَدْ أَنْطَقَهُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى فقالَ يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّ عذابَ الآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنيا فَلا تتقَاعَسِي فَإِنَّكِ علَى حَقٍّ اﻫ اللهَ اللهَ إخوةَ الإيمانِ، أين نحنُ اليَوْمَ مِنْ مِثْلِ هذا الصَّبرِ .. أينَ نحنُ اليومَ مِنْ مِثْلِ هذَا اليَقينِ بِالحقِّ .. فَسَلْ نفسَك يا أخِي المسلم هل أدَّيتَ ما افْترضَ اللهُ عليكَ وهَلِ اجْتَنَبْتَ كُلَّ مَا حَرَّم .. هل أدَّيتَ الصّلاةَ في وقتِها .. هل أدّيتَ الزّكاةَ كمَا يجبُ فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَى في أثناءِ إِسرائِه أُناسًا يَسْرَحُونَ كالأنعامِ على عوراتِهِمْ رِقَاعٌ فقالَ له جبريلُ هؤلاءِ الذينَ لا يُؤَدُّونَ الزّكاةَ، ورأى قومًا تُرْضَخُ رؤوسُهم أَيْ تُكْسَرُ ثم تعودُ كما كانت فقالَ جبريلُ هؤلاءِ الذينَ تتَثَاقَلُ رؤوسُهم عن تأْدِيَةِ الصَّلاة، ورأَى قومًا يتنافَسونَ على اللحمِ الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ اللَّحمَ الجيِّدَ الْمُشَرَّحَ فقالَ جبريلُ هؤلاءِ أُناسٌ مِنْ أُمَّتِكَ يتركونَ الحلالَ فَلا يَطْعَمُونَهُ ويأتونَ الحرامَ الخبِيثَ فيَأْكُلونَه وَهُمُ الزُّناة، ورَأى أُناسًا يَشْرَبُونَ مِنَ الصّدِيدِ الخارِجِ مِنَ الزُّناةِ فقالَ لَهُ جِبْرِيلُ هؤلاءِ شَارِبُو الخَمْرِ المحرَّمِ في الدُّنيا.

هذا بعضُ ما رءاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في إِسرائِه وفيهِ لنَا عِبَرٌ كثيرةٌ نسألُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيَّاكُمْ إلَى الالتزامِ بِطاعَتِهِ واجْتِنَابِ معصِيَتِه أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ بن عبدِ الله وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَهُ، أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

إخوةَ الإيمانِ، إِنَّ مِمَّا يَجِبُ الحذَرُ منهُ كتابٌ يُسَمَّى “مِعْرَاجَ ابنِ عَباسٍ” وهو كذبٌ على ابنِ عباسٍ وفيهِ الكَثِيرُ منَ الكلماتِ الكفريةِ مَنِ اعْتَقَدَها أَوْ قالها خرجَ مِنَ الدينِ مِثْلُ زَعْمِهِ أَنَّ اللهَ وَضَعَ يَدَهُ بينَ كَتِفَي النبيِّ فوجَدَ بَرْدَهَا على كَبِدِهِ وأنَّ النبيَّ اسْتَوْحَشَ في الْمِعْرَاجِ فَسَمِعَ نَغْمَةً كَنَغْمَةِ أبي بكرٍ أَسْمَعَهُ اللهُ إيَّاها حتَّى لا يَخافَ وَيَطْمَئِنَّ، وفيهِ نسبَةُ المكانِ وَالحَيِّزِ إلى اللهِ تَعالى اللهُ عنْ ذلكَ عُلُوًّا كَبيرًا فاللهُ مَوْجودٌ بِلا مكانٍ ولا يُشْبِهُ خَلْقَهُ بوجهٍ مِنَ الوُجوهِ. والرُّجوعُ إلى الإسلامِ يكونُ بالشهادتينِ.

اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة الإسراء.

[2] رواه النسائي.