ليلةُ القَدر

الحمدُ للهِ الذي لَا شَرِيكَ لَهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ. أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائلِ فِي القُرءانِ الكَرِيـم ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَةِ ٱلقَدرِ ١﴾[1] ها قد دَخَلْنا بِحَمْدِ اللهِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ المبارَكِ وَمَا يَحْمِلُ مَعَهُ مِنْ فَضائِلَ وَبَرَكَات، وَقَدْ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّم يَجِدُّ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ بِالاعتِكافِ في المسجِدِ وقِيامِ الليل. خَصَّ اللهُ تبارك وتعالَى رمضانَ المبارَكَ بِمَا خَصَّهُ بهِ دونَ سَائِرِ الشُّهورِ، فَفِيهِ أُنْزِلَ القُرءانُ الكَريمُ علَى محمَّدٍ وَفِيهِ أُنْزِلَ الإِنجيلُ الصَّحيحُ علَى عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ وفيهِ أُنْزِلَتِ التَّورَاةُ الصّحيحةُ علَى مُوسَى بنِ عِمْرَانَ صلى الله عليهِم وسلم، في ليلةِ القَدْرِ أُمِرَ جبريلُ عليهِ السّلامُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ اللّوحِ المحفُوظِ القُرءانَ الكريمَ وَنَزَلَ بهِ دفعةً واحدَةً إلى بيتِ العِزَّةِ في السَّماءِ الأولى، ثمّ بعدَ ذلكَ نزَلَتْ ءاياتُ القرءانِ الكريمِ مُفَرَّقَةً وَكانَتْ ليلةُ القَدْرِ ءانَذَاكَ لَيْلةَ الرَّابِعِ والعِشرينَ مِنْ رَمضانَ. نزلَ القرءانُ الكريمُ في ليلةٍ مُبارَكَةٍ كمَا قالَ اللهُ تعالَى ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَة مُّبَٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣﴾[2] هذهِ اللّيلَةُ المبارَكَةُ هيَ ليلةُ القَدْرِ وليستِ الآيَةُ عن ليلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، ليلةُ القَدْرِ هِيَ اللّيلةُ التِي قَالَ اللهُ تعالَى فيهَا ﴿فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ ٤﴾[3] أَيْ فيهَا يُطْلِعُ اللهُ تعالَى ملائكتَه الكرامَ على أَخبارِ السَّنةِ القابِلَةِ مِنْ إِماتَةٍ وإِحْيَاءٍ، وَمَنْ مِنْ عِبادِه سَيَبْتَلِيهِمُ اللهُ تعالى بِالمرضِ والفَقْرِ والبَلاءِ، ومَنْ مِنْهُمْ يُنْعِمُ اللهُ عليهِمْ بِالصِّحَّةِ والغِنَى. يقولُ رَبُّنا تبارَك وتعالَى ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَةِ ٱلقَدرِ ١ وَمَا أَدرَىٰكَ مَا لَيلَةُ ٱلقَدرِ ٢﴾ هِيَ ليلةٌ عظيمةُ الشَّأْنِ لا تَكونُ إِلا في شهرِ رَمَضَان، وَلا يُشْتَرُطُ أَنْ تَكونَ ليلةَ السَّابِعِ والعِشْرِينَ مِنْهُ لكن لا تَخْرُجُ عَنْ رَمَضانَ والغَالِبُ أنَّها تكونُ في العَشْرِ الأواخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. ﴿لَيلَةُ ٱلقَدرِ خَير مِّن أَلفِ شَهر ٣﴾ فَمَنْ أَرَادَ إِحياءَ ليلَةِ القَدْرِ فَلْيَتهيَّأْ بالطَّاعَةِ علَى النَّحوِ الذِي أَمَرَ اللهُ تعالَى، يُحيِيها بِذِكْرِ اللهِ بِالاستِغْفَارِ بِصَلاةِ التَّطَوُّعِ بِتِلاوَةِ القُرْءانِ الكَرِيم، وَمَنْ كَانَ عليهِ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ فوائِتَ فَلْيَشْغَلْ نَفْسَهُ في ليلَةِ القَدْرِ بقضاءِ الصَّلواتِ الفَوائِتِ بَدَلا مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوافِلَ فقَدْ قالَ العُلماءُ مَنْ شَغَلَهُ الفَرْضُ عنِ النَّفْلِ فهو مَعْذُورٌ ومن شغلَهُ النّفلُ عنِ الفرضِ فهوَ مَغرُور اﻫ

ولرؤية ليلةَ القدرِ في اليَقَظَةِ علاماتٌ منها أَنْ يرَى الشخصُ نُورًا غيرَ نورِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والكَهْرباء، أَوْ يَرَى الأَشجارَ سَاجِدَةً للهِ تعالَى أو يرى الملائكةَ ويسمعُ أَصْوَاتَهم. رَزَقَنِي اللهُ وإيّاكم رُؤْيَتَها وَالدُّعاءَ فيهَا. هذا وأستغفرُ اللهَ لِي وَلَكم.

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه. اللهمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بهِ مِنَّا أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وأَنْتَ علَى كُلِّ شَیْءٍ قَدِيرٌ اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ وَالِإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

[1] سورة القدر.

[2] سورة الدخان/3.

[3] سورة الدخان/4.