لماذا نحتفلُ بولادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فهو المهتد ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له ولا شبيهَ لهُ، ولا حَيِّزَ وَلا جهةَ ولا مَكانَ له، ولا هيئَةَ ولا صُورةَ ولا شَكْلَ لَهُ، ولا جَسَدَ ولا جُثَّةَ ولا لونَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا حَدَّ لَهُ، سُبْحَانَه ليسَ كمثلهِ شَىءٌ وهو السميعُ البَصيرُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه ونبيُّه وصفيُّه وخليلُه، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيبينَ الطاهرينَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإِنِّي أُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ العظيمِ القائِلِ في كتابِهِ الكريمِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَولا سَدِيدا ٧٠ يُصلِح لَكُم أَعمَٰلَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا ٧١﴾[1]

إخوةَ الإيمان، ماذَا عسَانا نقولُ مِنَ القَوْلِ السّديدِ في يَومِ مولدِ الحبيبِ سيدِنا محمد؟ يا رسولَ اللهِ أيّها الفَخْمُ الْمُفَخَّمُ والنبيُّ الْمُعَظَّمُ والحبيبُ الْمُكَرَّم .. يا صاحبَ الفَضْلِ علَى أُمَّتِكَ .. يَا مَنْ ءاثَرْتَ أُمَّتَكَ بِدَعْوَتِكَ التِي أَعْطَاكَ ربُّكَ فَقُلْتَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نبِيٍّ دَعْوَتَه[2] ولكنَّكَ اخْتَبَأْتَها شفَاعَةً لَهم فقلتَ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَة اهـ وذلكَ مِنْ رَحْمَتِكَ بِهِمْ وأنتَ كما وصفَكَ ربُّكَ في كتابِه ﴿بِٱلمُؤمِنِينَ رَءُوف رَّحِيم ١٢٨﴾[3] .. وأنتَ الذِي يُقالُ لكَ يومَ القِيامَةِ يَا محمّدُ سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَأَنْتَ الذِي تَقُولُ أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي[4] اﻫ .. وأَنْتَ الذِي أَرْشَدتَ لِلْخَيْرِ، فَجَزَاكَ اللهُ عنْ هذِه الأُمَّةِ خيرَ الجزَاء.

أيُّها القائدُ الْمُعَلِّم، في شَهرِ مَولِدِكَ نَتَذَكَّرُ عَظَمَتَكَ وَفَضْلَكَ وَخُلُقَكَ وَوَصْفَ جَمالِكَ وجَميلَكَ علينَا يا نبِيَّ اللهِ. يا نَبِيَّ اللهِ حينَ يَمْدَحُكَ المادِحُونَ وَيَذْكُرُ اسمَكَ الذَّاكِرونَ تَأْخُذُنا الشُّجونُ حتَّى كأَنَّ لِسانَ الحَالِ يقولُ يا لَيْتَنِي أَحْظَى بِاللقاءِ وَلَوْ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ فِي المنَامِ كمَا حَظِيَ بِها سيدُنا بِلالٌ الحبَشِيُّ وقَدْ كانَ لَهُ شرفُ الاجتماعِ بِكَ وَرُؤْيَاكَ يَقَظَةً، ومَعَ ذلكَ لَمّا شاهدَ في المنامِ وَجْهَكَ الأَغَرَّ إِذْ بِهِ يَصْحُو مِنْ نَوْمِهِ في تلكَ الليلَةِ وتَحْدُوهُ الأشواقُ بِوَجْدٍ يَتَأَجَّجُ في البِطَاح، يُعَجِّلُ سَيْرَهُ في لَيْلٍ وَصَبَاح، لِيَصِلَ المدينَةَ الغَرَّاءَ فَيقِفَ علَى الأَعْتَاب .. والعَبَرَاتُ مِنْ عَيْنَيْهِ تَنْسَاب .. علَّهَا تُخَفِّفُ مِنْ حَرْقَةٍ فِي الفُؤَادِ، وَلكن هيهاتَ هيهات .. فَهُوَ الذِي وقبلَ مَماتِه أَطْلَقَ المقالَ فقالَ غَدًا نَلْقَى الأَحِبَّةَ محمَّدًا وصَحْبَه اهـ غَدًا لِقَاءُ محمَّدٍ يَوْمَ الجزَاء.

فلهذا ولغَيْرِهِ الكثير الكثير نحنُ نُحِبُّكَ يا رَسولَ اللهِ … يَا حَبِيبَ اللهِ، ولذلكَ نُعَلِّمُ أَبْنَاءَنا اليَوْمَ كيفَ يَحْتَفُونَ بِيَوْمِ مَوْلِدِكَ.

وَلِمَاذَا نَحْتَفِلُ بِهذَا اليَوْمِ الْمُبَارَكِ علَى أُمَّتِنا؟ نحنُ نعرفُ أَنَّكَ سيَّدُ الشَّاكِرينَ لِرَبِّكَ وأَنْتَ الشَّاكِرُ الْمُعَلِّمُ بِشُكْرِكَ كيفَ يَنْبَغِي أَنْ يكونَ شُكرُ المؤمِنِ لِرَبِّهِ، فَأَنْتَ تَصُومُ في يومِ مولِدِكَ وقَدْ سُئِلْتَ عَنْ صَومِ يومِ الاثنَيْنِ فقُلْتَ ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فيهِ وأُنْزِلَ عَلَيَّ فيه[5] اﻫ

وأنتَ سيدُ المتواضِعينَ، يُذْكَرُ في هذَا اليَوْمِ تَوَاضُعُكَ وأَنْتَ الذِي لا تَأْنَفُ مِنْ مُجَالَسَةِ الفُقَرَاءِ وَالأَكْلِ معَهُمْ وَزَيِارَتِهِم في بيوتِهم .. سيدِي يَا صاحبَ الخُلُقِ العَظِيم، يَا حبيبَ المؤمنِينَ مِنْ قَولِكَ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حتى أكونَ أَحَبَّ إليهِ مِنْ وَالِدِه وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين[6] اهـ نَرَى في عَمَلِ المولِدِ سَبَبًا لِنَشْرِ هذَا الْحُبِّ بينَ الأجيالِ لِيَتَعَلَّقُوا بِكَ وبِجَمَالِكَ وَوَصْفِكَ وَهَيْئَتِكَ وبِقَوْلِكَ وبِفِعْلِكَ يَا عَظِيمَ الجاهِ فَنَعُدُّ عمَلَنا هذَا مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمالِ بِالتَّدليلِ على هذِه المحبَّةِ لِمَنْ جاءَ مُنْقِذًا للنَّاسِ مِنْ ظُلْمِ العِبادَةِ لغيرِ اللهِ بِدَعْوَتِهم إلى عبادَةِ اللهِ تعالَى وَحْدَهُ.

وفي عملِ المولِدِ التَّذكيرُ بِأُمورٍ أُخْرَى منهَا، حفظُ اسْمِكَ وَنَسَبِكَ وانْتِمَائِكَ العَرَبِيِّ وأسماءِ أَولادِكَ، وَإِلا لِمَ قُلْتَ أَنَا محمّدٌ وأنا أحمدُ وأنَا الْمَاحِي الذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكفرَ وأنَا الحاشِرُ الذِي يُحْشَرُ الناسُ علَى قدَمِي وأَنَا العَاقِبُ الذِي ليسَ بعدَهُ أَحَدٌ[7] اﻫ .. نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَنْت .. ونبيُّ التَّوبَةِ أَنت .. وأنتَ أبو القَاسِم .. أَبُو الزَّهراءِ يا رَسولَ الله.

في المولدِ نتعلّمُ ونُعَلِّمُ ونُذَكِّرُ أنَّكَ أَنْتَ أشرَفُ النّاسِ يَا سَيِّدِي يا رسولَ اللهِ.

وفي قراءةِ سيرَتِكَ نَتَعَلَّمُ مِنْ تِجارَتِكَ كيفَ ظَهَرَتْ بِصِدْقِكَ البَرَكَاتُ فَيَحْتَذِي بِكَ السَّالِكُونَ الرّاغبونَ في الحلالِ الطَّامِعُونَ فِي البَركاتِ ولو بالقَليلِ منَ الأرزَاق.

وفي قراءةِ سِيرتِكَ نَعْرِفُ أَنَّ الدُّنيا التِي نَعيشُ فيهَا لا تدومُ لأحَدٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ نَتقاتَلَ عليهَا وأنتَ الذِي كنتَ تَنامُ علَى الحصيرِ وتَربِطُ الحجرَ على بطنِكَ مِنَ الجوعِ وأنتَ الذِي قلتَ ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللهُ وازْهَدْ فيمَا فِي أَيْدِي الناسِ يُحِبَّكَ الناسُ اﻫ

نحتفلُ بمولدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لهذهِ الأمورِ ولغيرِها الكثير الكثير منَ المزايا في هذهِ المناسبةِ العَطِرَةِ فضلًا عمّا يحصُلُ في هذا اليَومِ مِنَ البِرِّ والْإِحسانِ وإِطعامِ الفُقَراءِ وَالمساكينِ وسماعِ مَدْحِ المادِحينَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بأفئدةٍ عامِرَةٍ بحبِّ محمّدٍ فتنسابُ النَّغَمَاتُ بألحانِ الْمُحِبِّينَ عَذْبَةً شَجِيَّةً وَهُمْ هائِمُونَ بِالذَّاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ يُصَلُّونَ عليهِ ويُسَلِّمونَ عليهِ عمَلًا بِما أَمَرَ اللهُ ﴿صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[8].

إخوةَ الإيمانِ لو لَمْ يَكُنْ في ذلكَ إِلّا إرغامُ الشَّيطانِ وَسُرُورُ أهلِ الإِيمانِ المسلمينَ لكفَى فكيفَ مَا رَأَيْنَا هذَا الغيضَ مِنَ الفَيْض.

هذا وأَستَغْفِرُ اللهَ لِي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهمَّ عَلِّمْنَا مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنا مَا نَسِينَا وَزِدْنَا عِلْمًا اللهمَّ أَوْزِعْنَا أَنْ نَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ علينَا وأَنْ نَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحينَ، اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1]سورة الأحزاب.

[2]1 “لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا” رواه مسلم.

[3] سورة التوبة/128.

[4] رواه النسائي.

[5] رواه أحمد والبيهقي في الدلائل.

[6] رواه البخاري.

[7] متفق عليه.

[8] سورة الأحزاب.