الظُّلمُ ظُلمات

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ ولا جِسْمَ وَلَا أَعْضَاءَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ الذي قالَ في كتابِه الكريمِ في سورةِ غافر {يَومَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعذِرَتُهُم وَلَهُمُ ٱللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ ٱلدَّارِ ٥٢}.

لِيُعْلَمْ أَنَّ الظُّلمَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ وأَكبرِ الْمَفاسِدِ وأَفْحَشِ الآثَامِ التي انتشَرتْ في زمانِنا وَمُجْتَمَعِنا اليومَ والعياذُ بِاللهِ، فهوَ ذنبٌ مشين يُعَرِّضُ صَاحِبَه لِسَخَطِ اللهِ العَظِيمِ وعُقُوبَتِه ويَغْرِسُ لَهُ في نُفوسِ النَّاسِ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ وَيَحْمِلُهُمْ علَى الحَذَرِ مِنْهُ وَالابتِعادِ عنهُ كما يَحْذَرُ أَحَدُهُمُ الذِّئابَ والأفاعِيَ. وَرُبَّما تَعَدَّى ضَررُ الظُّلمِ إلى الناسِ كمَنْ يقتُلُ النفسَ التِي حرَّمَ اللهُ إلّا بالحقِّ أو يَأْكُلُ أَمْوَالَهُمْ بالبَاطِلِ كما هُوَ حَالُ كثيرٍ مِنَ الناسِ فتَرى مَنْ يَمْنَعُ اليَتِيمَ حَقَّهُ وَيَقْهَرُهُ لِضَعْفِهِ، أَوْ يَظْلِمُ النساءَ فَيَمْنَعُهُنَّ إِرْثَهُنَّ وَحَقَّهُنَّ. وَرُبَّما انْحَصَرَ ضَرَرُ الظُّلمِ في النَّفْسِ الظَّالِمَةِ وَاقْتَصَرَ شَرُّهُ علَى صَاحِبِهِ دُونَ غَيرِه كَمَنْ يَتْرُكُ الصلاةَ أو يترُكُ صَوْمَ رمضانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ أو يَرْتَكِبُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الذُّنوبِ التِي تُوبِقُ نَفْسَهُ وَتُوقِعُهُ في شِرَاكِ جُرْمِهِ، ورُبما وقعَ الشخصُ في أَكبرِ الكبائرِ وهو الكفرُ باللهِ وفارَقَ الإِيمانَ مِنْ حيثُ يَدْرِي أَوْ لَا يَدْرِي فإنَّ كثيرًا مِنَ الناسِ يَتَلَفَّظُونَ بكلماتٍ تُخرِجُ قائِلَهَا منَ الإيمانِ وَهُمْ غَافِلُونَ، وهذَا مِصْدَاقُ مَا جَاءَ في حَديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي رواهُ الترمذيُّ إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِها في النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا اهـ وفِي الحَدِيثِ دليلٌ علَى أنَّ العبدَ قَدْ يَخْرُجُ منَ الإيمانِ وهو لا يَدْرِي. وقَد قالَ ربُّنا تعالى في سورةِ لُقْمَانَ إِخْبَارًا عَنْ لقمانَ أنهُ قالَ في وَصِيَّتِهِ لِوَلَدِهِ {وَإِذ قَالَ لُقمَٰنُ لِٱبنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشرِك بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيم ١٣}. وأكبرُ الظلمِ على الإِطلاقِ الكفرُ باللهِ. واعلموا عبادَ الله أنَّ الظلمَ مُسْتَحِيلٌ علَى اللهِ ولَا يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ تعالَى فهو مالكُ الْمُلْكِ فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ يَحْكُمُ في خَلْقِهِ بِما يَشَاءُ ولا يُسأَلُ عمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. وعن جابرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ اتَّقُوا الظُّلمَ فإنَّ الظلمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيامَةِ اهـ رواهُ مسلمٌ. ومعنى قولِه صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلمَ أيِ اجْتَنِبُوا الظلمَ، فالظَّالمُ يَنْتَظِرُ العُقوبَةَ والمظلومُ الصابِرُ يَنْتَظِرُ الْمَثُوبَةَ وشَتَّانَ بَيْنَهُمَا. ولرُبّما عَجَّلَ اللهُ العِقَابَ للظَّالِم في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ واسْتَجَابَ لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِينَ فعنِ ابنِ عباسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ إلَى اليَمَنِ فقالَ اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّها لَيْسَ بينَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ اهـ رواهُ البخاريُّ. والْمُرَادُ أنَّها مَقْبُولَةٌ لَا تُرَدُّ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه. اللهمَّ ءاتِنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ اللهمَّ أَصْلِحْ لنَا دِينَنا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ لنَا دُنْيَانَا التِي فيهَا مَعَاشُنَا وأصلِحْ لنَا ءاخِرَتَنا التي فِيهَا مَعَادُنا واجْعَلِ الحياةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ کُلِّ شَرٍّ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ وَالِإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.