الثبات على الطاعة والتوبة ومجالس العلم والفضائل بعد رمضان

الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ بجميعِ مَحامِده كلِّها ما عَلِمْنا منها وما لم نعلمْ عددَ خلقِه كُلِّهِم ما علمنا منهُمْ ومَا لم نَعلَمْ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كفُوًا أحَد، تقَدَّسَ ربِّي عنِ الأمثالِ والأكفاءِ وتنزَّه عن الزوالِ والفناءِ ليس كمثله شىءٌ ولا يشبهُهُ شىء، وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُه ورسولُه. اللهم صل على سيدنا محمدٍ سيدِ البشرِ وفخرِ ربيعةَ ومضر وعلَى ءالِه وصحبِه ما أقبلَ ليلٌ وأَدْبَرَ وأضاءَ صُبْحٌ وأسفَرَ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِه ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوبَة نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّ‍ئاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّٰت تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ يَومَ لَا يُخزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُم يَسعَىٰ بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَٰنِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتمِم لَنَا نُورَنَا وَٱغفِر لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء قَدِير ٨﴾[1]

إخواني، لقد وَدَّعنا منذُ أيامٍ شهر رمضانَ الكريم، شهر الخيرِ والبركاتِ والتوبةِ والطاعاتِ فبعدَ وَداعِ شهرِ التوبةِ اثبُتوا على التوبةِ، بعدَ وداعِ شهرِ الطاعةِ اثبُتوا على الطاعةِ.

فكم هو جميلٌ ثباتُك يَا ثابِت، ثابتٌ البنانيُّ هذا كانَ من أئمةِ التابعينَ وكانَ رأسًا في العلمِ والعملِ جاءَ عنهُ أنهُ كانَ يقرأُ القرءانَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ وكانَ يصومُ الدهر، وكانَ يقولُ كابَدتُ الصلاةَ أربعينَ سنةً وتنعَّمتُ بها أربعينَ سنة، هذا ثابتٌ إخوةَ الإيمانِ وردَ عنِ الذِي أَلْحَدَه في قبرِه أي أدخلَه في قبرِه أنهُ قالَ “أنا والذي لا إله إلا هو أدخلتُ ثابتًا البنانيَّ لَحْدَهُ فلمَّا سَوَّيْنَا عليه اللَّبِنَ سَقَطَتْ لَبِنَةٌ يعنِي حجرا فنـزلتُ فأخذتُها من قبرِه فإذَا به يُصلي في قبرِه، قالَ فقلتُ للذي معي ألا ترى ؟ قال اسكتْ، فلمّا سوَّينا عليهِ الترابَ وفرَغْنا أَتَيْنا ابنتَه فقُلنا لَها ما كانَ عملُ ثَابِت، ماذَا كانَ يفعلُ في هذه الدنيا ؟ قالت وما رأيتُم ؟ فأخبَرْناها، فقالت كان يقومُ الليلَ خمسينَ سنةً فإذا كانَ السَّحَرُ قالَ في دُعائهِ اللهم إن كنتَ أعطيتَ أحدًا الصلاةَ في قبرِه فأَعْطِنِيها، فما كانَ اللهُ لِيَرُدَّ ذلكَ الدُّعاء” رواهُ أبو نُعيم في حِليةِ الأولياء.

أيها الأحبةُ هذا الرجلُ الصالحُ ثبتَ على صلاةِ النّافلةِ، صلاةِ التطوعِ خمسينَ سنةً ويدعو اللهَ تعالى أن يرزُقَه الصلاةَ في قبرِه فأكرَمَهُ اللهُ بذلك. وَمِنَ النّاسِ اليومَ مَنْ يتكاسلونَ عن تأديةِ الفريضةِ، منهم من يصلِّي في رمضانَ فقط وبعدَ رمضانَ ينقطعُ عنِ الصلاةِ والعياذُ بالله تعالى. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ رأى قومًا تُرضخُ رؤوسُهم أي تُكسرُ رؤوسُهم ثم تعودُ كما كانت فقالَ جبريلُ عليه السلام هؤلاءِ الذينَ تتثاقَلُ رؤوسُهم عن تأديةِ الصلاةِ.

فيا أخي المسلم، ما هِيَ ساعاتٌ أو دقائقُ أو أقلُّ تمضِي على كلّ واحد منّا ثمّ ينتهي بهِ الأمرُ إلى القَبر.

تُرى أليسَ الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نفسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الموتِ ؟ بلَى والله.

أليس الكيّسُ الفَطِنُ الذكيُّ هو الذي حاسبَ نفسَه في هذه الدنيا قبل أن يُحاسَبَ في الآخرةِ ؟ بلى والله. فالغفلةُ لا تنفعُ، ومتاعُ الدنيا قليل.

فكم هي عظيمةٌ فرحةُ العبدِ المؤمنِ الصالحِ بما قامَ بهِ مِنَ الخيراتِ في رمضان، وكم هو عظيمٌ ثباتُه عليهَا بعد رمضانَ منَ الإمساكِ عنِ الكلامِ الذي لا يُرضي الله، منَ الابتعادِ عمَّا حرَّمَ الله، وكذلك منَ الثباتِ على طاعةِ اللهِ منْ صلاةٍ وصيامٍ وتَعَلُّم. فاثبت أخي المؤمنَ على حضورِ مجالسِ العلمِ بعد رمضانَ ولا تتوقَّفْ عنِ الاستماعِ للخيرِ فقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يشبَعُ مؤمنٌ مِنْ خيرٍ يسمَعُه حتى يكونَ مُنْتَهَاهُ الجنَّة اﻫ

إخواني، يمرُّ على الإنسانِ أحيانًا أوقاتٌ يكونُ فيها مِنَ الغافلينَ ثم يتيقّظُ وينتبهُ فيطرُقُ بابَ التوبةِ إلى اللهِ تبارك وتعالى، وبابُ التوبةِ مفتوحٌ ما لم تصلِ الروحُ إلى الحُلقومِ أي مَا لمْ يُغَرْغِرْ، وما لم تطلعِ الشمسُ مِنْ مغربِها، وما لم يَرَ مَلَكَ الموتِ عزرائيلَ عليه السلام.

فهنيئًا لمن تابَ إلى اللهِ توبةً نصوحًا فالفرحةُ بعيدِ الفِطرِ عظيمةٌ وكبيرةٌ ولكنّ الفرحةَ عظيمةٌ جدًا حينَما يجدُ المؤمِنُ التقيُّ الطيبُ الطاهرُ الصالحُ في صحيفةِ أعمالِه يومَ القيامةِ ما يسُرُّه بينَما هناكَ ءاخَرونَ خاسِرونَ هالِكون، وهوَ معَ المؤمنيَن على سُرُرٍ مُتقابِلين يُسْقَوْنَ من رحيقِ الجنّةِ، يُطْعَمُونَ من طعامِها، يجتمعونَ بسيّدِ العالمينَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

اللهمّ إنّا نسألُك حبّكَ وحبَّ من يُحبُّكَ والعملَ الذي يبلِّغُنا حبَّك، اللهمّ اجعلْ حبَّك أحبَّ إلينا من أنفسِنا ومن أهلِنا ومنَ الماءِ البارد.

هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.

اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

[1] سورة التحريم/8.