الاعتِدالُ والوسَطيةُ وأهَميتُها

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهدِيه ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومنْ يُضللْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ ولا مثيلَ ولا ضدَّ ولا ندَّ ولا جسمَ ولا أعضاءَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا مكانَ له جلَّ ربِّي هو الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكُن لهُ كفوًا أحد. وأشهدُ أنّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعينِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى الله وسلَّم عليهِ وعلَى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
يقولُ ربُّ العزةِ في محكمِ التنـزيلِ: ﴿وكذَلكَ جعلناكُم أُمَّةً وَسطًا لتكونُوا شهداءَ علَى الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيدًا﴾ البقرة/143 .


قالَ أهلُ اللغَة: “الوَسَطُ مِنْ كُلِّ شىءٍ أَعْدَلُهُ”. ومنهُ قولُه تعالَى: ﴿وكذلكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.أي جعلَكُم أُمةً خِيارًا عُدُولاً وُسَطاءَ أي كما هدينَاكُم أيها المؤمنونَ بمحمّدٍ عليه الصلاة والسلام وبِما جاءَكم بهِ من عندِ اللهِ، وكذلك جعلناكم أمّةً وسَطًا. والوسَطُ في كلامِ العَربِ الخِيارُ، فلا هُمْ أهلُ غلوٍّ ولا تقصيرٍ ولكنهم أهلُ توسُّطٍ واعتدالٍ، فَتَعَلُّمُ مَرَاتِبِ المأموراتِ ومراتِبِ المنهِيَّاتِ شرعًا تحاشيًا للإِفْرَاطِ والتفريطِ، تَحَاشِيًا لِلْغُلُوِّ والتقصيرِ، هُوَ العِلاجُ، هُوَ التِّرْياقُ، هوَ الدَّواءُ المهمُّ لأنهُ بذلكَ يَتِمُّ التَّفريقُ بينَ ما هوَ كُفْرٌ أو مُجرَّدُ أنهُ حرامٌ، وبينَ ما هو حرامٌ أو مجردُ أنهُ مكروهٌ، وبينَ ما هو فرضُ عينٍ أو فرضُ كفايةٍ أو مجردُ أنهُ من النوافلِ. حقًا إن المالَ أنتَ تَحرُسُهُ وإنَّ العِلْمَ الدِّينِيَّ هو يَحْرُسُكَ من كلِّ أشكالِ الغُلُوِّ والإِفراطِ والتفريطِ. فقد صدقَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ بقولِه: “أيها الناسُ تعلَّمُوا فَإِنَّ العلمَ بِالتَّعَلُّمِ وَالْفِقْهَ بِالتَّفَقُّهِ”.
فكن على ثِقَةٍ ويَقِينٍ أخِي المؤمنُ أن كثيرًا منَ الأمراضِ والأوبئَةِ الفكريَّةِ الهدَّامَةِ والسُّمومِ القَتَّالَةِ سَبَبُ انتِشارِها المطالَعَةُ في بعضِ الكُتُبِ والأخذُ بِمَا فيهَا مِنْ فتاوَى ما أنزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلطاٍن كَقَوْلِ القَائِلِ “إنَّ الإسلامَ اليَوْمَ مُتَوَقِّفٌ عَنِ الوُجُودِ مُجَرَّدِ الوُجودِ وَإِنَّنَا في مُجْتَمَعٍ جَاهِلِيٍّ مُشْرِكٍ”.
فَبِاللهِ عليكُم هل هَذا وأمثالُه هم أهلُ الاعتدالِ والوَسطِيةِ ؟ لا والله ، لأنَّ الاعتدالَ هو العلمُ بمقتَضى شريعةِ اللهِ تعالَى، وثمرةُ الاعتِدالِ هو أمنٌ وأمانٌ وحضارَةٌ وعُمران، فكم هو عظيمٌ العودُ إلى الينابيعِ الحقيقيَّةِ وَالتَّمَسُّكُ بمصادِرِ التشريعِ دونَ تحريفٍ. يقولُ الإمامُ التابِعِيُّ الجليلُ محمدُ بنُ سيرينَ: “إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظُروا عَمَّنْ تأخُذُونَ دينَكم”.
فَإِنْ عَرَفْتَ الحقَّ عرفتَ أهلَهُ، إن عَرَفْتَ الحقَّ عرَفْتَ أهلَ الاعتدالِ عن أهلِ الغُلوِّ والإِفراطِ والتفريطِ، إنَّ من يَحْمِلُ هذا اللواءَ الطاهِرَ المحمودَ الممدوحَ لواءَ الوسطيةِ والاعتدالِ يَحمِلُه معنًى، يحمِلُهُ فِكْرًا، يَحمِلُه عِلْمًا وَعَمَلاً ومنهَجًا.
قد يسمَعُ الكثيرُ منكم عنِ الوسطِيَّةِ والاعتدالِ وعنِ الغُلُوِّ والإفراطِ والتفريطِ ولكنَّ الفرقَ ما هو ومن هو المعتَدِلُ وَمَنْ هو المفرطُ وما هو تأثيرُ الفردِ المعتَدِلِ في مجتمَعِهِ، في بيتِهِ، بينَ أسرتِه وأهلِه وأصدقائِهِ، فمدرسَةُ الاعتدالِ والوسطيةِ يُعلَّمُ فيها حبُّ الخيرِ للمُجتَمعِ، لذلِكَ يَحتاجُها المجتمعُ. وأَوَدُّ أن أَقِفَ عندَ قولِ اللهِ تعالَى: ﴿إنَّ الشيطانَ لكم عَدُوٌّ فاتَّخذوهُ عدوًّا﴾.
نعم هناك عداوةٌ متواصلةٌ وعداوةٌ مُستَحْكِمَةٌ بينَ الإنسانِ والشيطانِ الذي يُوسوسُ للإنسانِ بالإفراطِ والتفريطِ والغُلوِّ ونحنُ مأمورونَ بأن نُعادِيَ الشيطانَ لأنه لا يريدُ بنا خيرًا ولا يحبُّ لنفوسِنا الصلاحَ ولقُلوبِنَا النقاءَ بل يُحبُّ خرابَنا وانتشارَ الرذيلةِ في صفوفِنا وتفَشِّي الكذبِ والنِّفاقِ والرِّياءِ وتغلغُلِ العَادَاتِ المذمومَةِ والممَارَسَاتِ القَبيحَةِ كما يُحِبُ أن يَشْرَئِبَّ عنقُ الغُلُوّ في الدينِ لأنَّ ذلك يدمِّرُ المجتَمَعَ ويفتِكُ بهِ وَيَضُرُّ بالأمةِ ويُبعدُ الناسَ عنِ الدينِ وحقيقةِ الإسلامِ وهذا ما يُسرُّ له ويفرحُ لهُ الشيطانُ وأعوانُه كثيرًا.
إننا مأمورونَ أن نتخِذَ الشيطانَ عَدُوًا بأن نُطِيعَ اللهَ ونؤدِّيَ حقوقَه وأن نعرفَ الحقَّ ونسلكَ سبيلَه ونعرفَ الباطلَ ونتجنِبَ طريقَهُ، وإننا مأمورونَ بالإخلاصِ في عبادتِنا للهِ والصدقِ في أقوالِنا والأمَانَةِ في أعمالِنا، نحنُ مَدْعُوُّونَ للتواصِي بالحقِّ والتواصِي بالصبرِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى والتناهِي عنِ الإِثمِ والعُدوانِ. هذه هي دعوةُ الوسطيةِ والاعتدالِ، إلى هذا يدعونا دينُنا الحنيفُ دينُ الإسلامِ العظيمُ، والتديُّنُ ينوِّرُ القلبَ وَيُبَلْوِرُ العقلَ ولكن ليسَ من التدينِ ما يفعلُه البعضُ من التخفِّي وراءَ مُسمَّى العلمِ والعلماءِ لإِطْلاقِ الفتاوَى يمينًا وشمالاً ولا يوافِقُ بفَتْوَاهُ شرعَ اللهِ إنما يوافِقُ الرأيَ والهوى والأفكارَ الهدامةَ، لذلك عليكم بعلمِ الدينِ وانظُروا عَمَّنْ تأخُذونَ دينَكم تسيرُونَ بعدَ ذلك بإذنِ اللهِ في دربِ الوسطِيَّةِ والاعتِدالِ وتعرِفُونَ أهلَ الوسطيةِ والاعتِدالِ.