إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ بالله منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وَأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى جميع إخوانه النبيين وءال كل وصحب كل والصالحين.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكم ونَفْسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كتابهِ ﴿أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدا وَقَآئِما يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٩﴾[1].
عبادَ الله، هذا شَهْر التَّوْبَةِ قَدْ ءَابَ، شَهْرُ الزّهدِ وكسرِ النفسِ، شهرُ صفاءِ الروحِ، شهرُ قِراءةِ القرءانِ وقيامِ الليلِ والإكثارِ من الخيرِ فبادِرْ يا عبدَ اللهِ لِشَغْلِ أيَّامِكَ وأَنْفاسِكَ بِطاعةِ اللهِ، لأن مَن لَمْ يَشْغَلِ الفراغَ بما يَعْنِيهِ شَغَلَه الفَرَاغُ بِما لا يَعْنيه.
فعندَ الفَجْرِ استَفْتِحْ بذكرِ اللهِ وقلْ بِسمِ اللهِ الّذي لا يَضُرُّ معَ اسمِهِ شَىْءٌ في الأرضِ ولا في السّماءِ وهو السميعُ العليمُ، قُلْها ثلاثَ مراتٍ صباحًا ومساءً فقد وَرَدَ عَنْ حَبِيبِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ قالَها ثلاثًا لم يَضُرَّهُ شَىْءٌ. ثم رَدِّدْ يا أخي في اللهِ أَوْرَادَ التَّحصينِ التي وردَتْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ شَاءَ اللهُ يَدفعُ اللهُ بها عَنْكَ أَذَى الإِنْسِ وَالجِنِّ.
ثم بَادِرْ إلى صَلاةِ الصُّبحِ في جماعةٍ فقد وردَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ مَنْ صلّى العِشاءَ في جَمَاعَةٍ فكأنَّما قامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ومَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جماعةٍ فكأنَّما صَلَّى اللَّيلَ كُلَّهُ اﻫ[2].
ثمَّ بعدَ ذلكَ إذا ذَهَبْتَ إلى العَمَلِ الدُّنْيَوِيِّ فلا تَغْفُلْ أن يكونَ عَمَلُكَ هَذَا بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ لِيَكُونَ لَكَ ثوابٌ فيهِ وَكَيْ لا يَكونَ هَدْرًا لِأَنْفَاسِكَ وَاتَّقِ اللهَ فِي عَمَلِكَ فَلَا تَكْذِبْ ولا تَغُشَّ وَتَمَثَّلْ بِقَولِ خَيْرِ الخَلقِ وحبيبِ الحقِّ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الصيامُ جُنَّةٌ فإذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ وإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ فليَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائمٌ اﻫ[3]
هذه هِيَ الأَخْلاقُ التي أمرَنا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتَزِمْ بالأخلاقِ الحسنةِ ففي رَمضانَ أبوابُ الجِنانِ تُفتحُ وأَبْوَابُ النِّيرانِ تُغلقُ والشياطينُ تُصَفَّدُ، فإيّاكَ وسِبابَ الناسِ وَشَتْمَهُمْ وَلَعْنَهُمْ بِحُجَّةِ أنكَ صائمٌ واتقِّ اللهَ يا عبدَ اللهِ فبطاعةِ اللهِ تَحْلُو الأَوْقاتُ ويُهَوِّنُ اللهُ عليكَ ألَمَ الْجُوعِ والعَطَشِ وتَنْقَضِي الساعاتُ. ويُؤَذَّنُ لِصَلَاةِ العَصْرِ، فَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ معكَ أَحَدًا إلَى مَجْلِسِ الخيرِ كَىْ يزِيدَ ثوابُكَ وَيَعْظُمَ أَجْرُكَ اذْهَبْ أنتَ وجارُك، أَنتَ وَصَاحِبُكَ أَنْتَ وَوَلَدُكَ إلى صلاةِ العصرِ في المسجِدِ ثم مَتِّعْ قَلْبَكَ وأُذُنَيْكَ بسَمَاعِ دَرْسٍ مِنْ أَفْوَاهِ مَنْ تَلَقَّوْا عِلْمَ الدِّينِ مِنْ أُنَاسٍ ثِقاتٍ حتى تعرفَ كيفَ تُطيعُ اللهَ ولِتَأْخُذَ مِنْ دارِ الفنَاءِ لتَعْمُرَ دَارَ البَقَاء.
ثم بعدَ الدرسِ اذْهبْ إلى بيتِكَ وعَلِّمْ أهلَكَ مَا تَعَلَّمْتَ فقَدْ قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ ءَايَة اﻫ كمَا رواهُ البخاريُّ وغيرُه وإِنِ احْتاجَ أهلُ بيتِكَ إلَى مساعَدَةٍ فبَادِرْ لذلكَ وكن عونًا لهم ولاقِهِمْ بِالبِشْرِ والخِطابِ الجميلِ وخَفِّفْ عنهم بالكَلامِ الجميلِ التَّعَبَ الْمُضْنِيَ وتذَكَّرْ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خِيارُكُمْ خِيارُكم لأهلِهِ أَيْ لزوجَتِهِ وأنَا خيرُكم لأهلِه[4] اﻫ.
ثمّ بعد أن تَتَأَكَّدَ أَخِي مِنْ دُخُولِ الوقتِ بمراقبةِ غروبِ الشمسِ أو بسَماعِ مُؤَذِّنٍ ثقةٍ يَعْتَمِدُ على المراقبةِ، عجِّلْ بالفِطرِ وقل اللهمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُروقُ وثَبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللهُ.
وَاجْعَلْ فطورَكَ على تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فعَلَى مَاءٍ ثم قُمْ أخي لصلاةِ المغربِ ثم بعدَ إِتْمامِ الإفطارِ قُمْ بِهمةٍ ونشاطٍ إلى المسجدِ لصلاةِ العِشاءِ وقيامِ رمضانَ، وأَكْثِرْ مِنْ قِراءَةِ القُرْءَانِ، وإياكَ أن تُضيعَ وَقْتَكَ علَى التِّلفازِ تَنْتَقِلُ مِن مَحطةٍ إلى أخرى، ولا تَنْسَ أَنْ تتَسَحَّرَ فإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَة كمَا روى البخاريُّ عنِ الصَّادقِ الْمَصْدُوقِ.
وهنا أُذَكِّرُكُمْ بِفَرْضٍ مِنْ فَرائِضِ الصيامِ وهو تَبْيِيتُ النيَّةِ قبلَ الفَجْرِ وذلكَ بأَنْ تَقُولَ في قَلْبِكَ مثَلًا نويتُ صومَ يَوْمَ غَدٍ عَنْ أَداءِ فرضِ رمضانِ هذهِ السَّنة إِيمانًا وَاحْتِسَابًا للهِ تعالى.
واعلمْ يا أخي أن كُلَّ ليلةٍ مِنْ ليالِي رمضانَ يَحتمِلُ أن تكونَ ليلةَ القدرِ فأكْثِرْ مِنَ الدعاءِ والصلاةِ في كلِّ ليلةٍ وخاصةً في العَشْرِ الأواخرِ من رمضانَ فالعبادةُ في ليلةِ القدرِ خيرٌ من عبادةِ ألفِ شهر.
اللهمَّ أَعِنَّا علَى القيامِ والصِّيامِ وصِلَةِ الأَرحامِ بِجاهِ محمدٍ الْمُظَلَّلِ بِالغَمَامِ. هذا وأستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.
أَخِي الصَّائم، لا تجعلْ رمضانَ زَمانًا لِلتَّنَعُّمِ والإكثارِ مِنَ الأَطعمةِ وتَنْويعِها فإِنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لبعضِ أصحابِه إِيَّاكَ والتَّنَعُّمَ فإِنَّ عبادَ اللهِ ليسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ اﻫ وإيّاكَ إيّاكَ أنْ تُضَيِّعَ وَقْتَكَ في اللَّهْوِ وَالْمَعَاصِي وَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ وقُمْ بَدَلًا مِنْ ذلكَ بزيارةِ الأَقَارِبِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ فَإِنَّها مِنْ زَادِ الآخرةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ في حَالِ الصِـّيَامِ أَفْحَشُ مِنْهَا في غيرِ حَالِ الصِـّيَامِ ولكن لا أَصْلَ لِحَدِيثِ “خَمْسٌ يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ النَّظْرَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالكَذِبُ وَالغِيبَةُ والنَّمِيمَةُ وَالقُبْلَةُ” هذا لا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَكْذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وَلكنْ بعَضُهَا يُؤَثِّـرُ علَى ثَوَابِ الصِّيامِ.
اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون، وَأَقِمِ الصلاةَ.
[1] سورة الزمر/9.
[2] رواه مسلم.
[3] رواُه مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ.
[4] رواه ابن حبان وغيره.