تفسير سورة الإخلاص وتفسير الحديث “الله أكثر

إنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ له ولا ضدَّ ولا نِدَّ ولا مثيلَ ولا شبيهَ لَهُ ولا مَكانَ ولا جهةَ لَه ولا خالقَ سواه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائِهِ، صلى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى كُلِّ رسولٍ أَرْسَلَهُ. أما بعدُ عبادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ العَظِيم، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِه وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمون. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يقولُ في القُرءانِ الكَريمِ ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤﴾ سورة الإخلاص.

إخوةَ الإيمان، إِنَّ هذهِ السورةَ هِيَ مِنْ سُوَرِ القُرْءَانِ العَظِيمَةِ مَعَ قِصَرِهَا لأنَّ فيهَا مِنْ مَعاني التوحيدِ وَصِفَاتِ اللهِ ما يُظْهِرُ عَقِيدَةَ المسلمِينَ بِرَبِّهِمْ تبارَكَ وتعالى. وَقَدْ وَرَدَ في هذِهِ السورةِ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا مَرَّةً فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَ القُرءانِ وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَيِ القُرْءَانِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلاثًا فَكَأَنَّما قَرَأَ القُرْءَانَ كُلَّهُ. اهـ أَيْ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لَا أَنَّهُ يَكونُ لَهُ أَجْرٌ تَمامًا كَمَنْ قَرَأَ القُرْءَانَ كُلَّهُ.

وأمَّا عنْ سَبَبِ نُزُولِ هذهِ السورةِ فَهُوَ أنَّ بعضَ الناسِ جاؤُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَهُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ الذِي تَعْبُدُه كانَ سُؤالُهُم عِنَادًا وَلَيْسَ حُبًّا بِالعِلْمِ وَاسْتِرْشَادًا بِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى قولَه ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ﴾ إلى ءاخِرِ السورةِ، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هَذهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ اهـ

فقولُهُ تعالى ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١﴾ أَيِ الذِي لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ والكَثْرَةَ ولَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ في الذَّاتِ أو الصِّفاتِ أو الأَفْعَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَاتِهِ كمَا قالَ تعالَى ﴿فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَ﴾ سورة النحل ءاية 74. أيْ لا تُشَبِّهُوهُ بِخَلْقِهِ.

وقَوْلُه ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢﴾ أَيِ الذِي تَفْتَقِرُ إليهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقاتِ معَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ. فَكُلُّ شَىءٍ يحتاجُ إلى اللهِ، فهُو الذِي يَقْصِدُهُ العِبَادُ عِنْدَ الشِّدَّةِ، فَهُوَ تعالى لا يَجْتَلِبُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا مِنْهُمْ وَلا يَدْفَعُ بِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، فَهُمْ لا يَنْفَعُونَهُ وَلا يَضُرُّونَهُ كمَا قالَ تعالى ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡق وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ ٥٧ سورة الذاريات.

وقولُهُ تَعالَى ﴿لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣﴾ مَعْنَاهُ لا يَنْحَلُّ مِنْهُ شَىْءٌ أَيْ لا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْهُ شَىءٌ كمَا يَنْفَصِلُ عنِ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، وَلا يَحُلُّ هُوَ في شَىءٍ. فَاللهُ تعالى لَيْسَ أَصْلًا لِغَيْرِه وَلا فَرْعًا عَنْ غَيْرِهِ.

﴿وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤﴾ أَيْ أَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.

فَمِنْ هُنَا أَيُّها الأَحِبَّةُ كانَ لا بُدَّ مِنَ التَّحذيرِ مِنْ كُلِّ كلامٍ فيهِ تَشْبِيهٌ للهِ بِخَلْقِهِ أَوْ فِيهِ نِسْبَةُ الجِسْمِيَّةِ للهِ أَوِ التَّجَزُّئِ أَوِ التَّعَدُّدِ وَالكَثْرَةِ في حَقِّه تعالى.

وأَمَّا مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشريفِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم اللهُ أَكْثَرُ اهـ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَهُ كَثِيرٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ إِحْسَانًا أَوْ رَحْمَةً.

أَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَثِير فَهُوَ كافِرٌ والعِياذُ باللهِ.

وَيُوجَدُ أُنَاسٌ يَدَّعُونَ التَّصَوُّفَ يَقُولونَ عَنِ اللهِ وَحْدَةٌ في كَثْرَة، يَقولونَ اللهُ وَاحِدٌ وَكَثِيرٌ، هؤلاءِ مِنْ أَكْفَرِ خَلْقِ اللهِ وَهُمْ يَدَّعُونَ الإِسْلامَ والتَّصَوُّفَ وَكَلامُهُمْ هذا لا تَأْوِيلَ لَهُ. وَمِنْ هَؤلاءِ مَنْ يَقُولُ

فمَا   فِي   الوُجودِ   سِوَى    وَاحِدٍ                  وَلَكِنْ   تَكَثَّرَ     لَمَّا     صَفَا

بَعْضُ مَنْ يَدَّعونَ التصوفَ يَعْمَلُونَ حلَقَاتِ ذِكْرٍ عَلَى زَعْمِهِمْ يَبْدَأونَ فيهَا بالصلاةِ على النبيِّ ثمَّ بِالتَّهْلِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلونَ إلى قَولِ ءاه وَهُمْ وَاقِفُونَ وَيَتَمَايَلُونَ، وفي وسطِهم قَوَّالٌ يُنَظِّمُ لَهُمْ حَرَكاتِهِمْ وَأَصْوَاتَهُمْ وَهُوَ يُرَدِّدُ هذهِ القَصِيدَةَ التِي فِيهَا هَذَا الكُفْرُ، يقولونَ اللهُ كانَ وَاحِدًا ثم صَارَ كثيرًا، يَقُولونَ لَمَّا صارَ صَافِيًا صَارَ كَثِيرًا، هؤلاءِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ طَرِيقَةٍ حَتَّى إِنَّ أَحَدَ كِبَارِهِمْ سُئِلَ كَيفَ تَقُولونَ تَكَثَّرَ لَمَّا صَفَا فَقَالَ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ. وهَذَا كُفْرٌ أَيْضًا والعِيَاذُ باللهِ من كُلِّ مَنْ يُحَرِّفُ دِينَ اللهِ.

إخوةَ الإيمان، صِفَاتُ اللهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ، اللهُ تعالَى أَزَلِيٌّ ذَاتًا وَصِفَاتٍ، فَذَاتُ اللهِ وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ وصِفَاتُهُ أَزَلَيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لا تَزِيدُ وَلا تَنْقُصُ فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِكُلِّ صِفَاتِ الكَمَالِ التي تَلِيقُ بِهِ كَالقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ وَالعِلْمِ وَالسَّمْعِ والبَصَرِ والحَيَاةِ وَهُوَ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ مَا لا يَلِيقُ بهِ تعالى.

فَاحْذَرُوا مِنْ كثيرٍ مِنَ الذينَ يَدَّعونَ التَّصوُّفَ والطَّريقَةَ، فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا في الكُفْرِ وَهُم لا يَشْعُرُونَ بَلْ يَظُنُّونَ أَنّهُمْ صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَهُمْ في الحَقِيقَةِ يَتَغَنَّوْنَ في الكُفُرِ حتَّى قالَ بَعْضُهُمْ عَنِ اللهِ إِنَّهُ كَالْمَاءِ الذِي ضِمْنَ الثَّلْجِ. فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعُونَ.

هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

اللهمَّ ءاتِنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النارِ اللهمَّ الْطُفْ بالمسلمينَ واكْفِهِمْ ما أَهَمَّهُمْ وَقِهِمْ شَرَّ مَا يَتَخَوَّفُونَ وَفَرِّجْ كُرُباتِهِمْ واشفِ مرضاهُمْ وَارْحَمْ مَوتَاهُمُ الْمُؤمِنِين اللهمَّ إنَّا نَعُودُ بكَ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وشَماتَةِ الأَعْدَاءِ اللهمَّ أَصْلِحْ لنَا دِينَنا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ لنَا دُنْيَانَا التِي فيهَا مَعَاشُنَا وأصلِحْ لنَا ءاخِرَتَنا التي فِيهَا مَعَادُنا واجْعَلِ الحياةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ کُلِّ شَرٍّ عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ وَالِإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.