اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الحمدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ الذي مَنَّ علينا بالعيد، وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ الصّادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى ءالِه وصحابتِه الطيبين الطاهرين ومَنِ اتَّبَعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَومِ الدِين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُّ المبينُ وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ أرسلَهُ اللهُ تعالى رحمةً للعالمين.
أمَّا بعدُ عباد الله فإِنّي أُوصِيكُمْ ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡس مَّا قَدَّمَتۡ لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١٩﴾[1].
اعلموا إخوةَ الإيمانِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَثَّ على الأُضحيّةِ حَيْثُ قال ضَحُّوا وَطَيِّبُوا أَنْفُسَكُمْ فإنهُ ليسَ مِنْ مُسْلِمٍ يُوَجّهُ ضَحِيَّتَهُ إلَى القِبْلةِ إِلّا كَانَ دَمُها وَفَرْثُهَا وَصُوفُها حَسَنَاتٍ مُحْضَراتٍ في مِيزانِه يَوْمَ القِيَامَة اﻫ[2] وَهِي سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ في حَقِّ الْمُوسِرِ حَاجًّا كانَ أو غَيْرَه. ويدخُلُ وقتُها إذا مضى بعدَ دخولِ وقتِ صلاةِ عيدِ الأضحى قدرُ ركعتينِ وخطبتينِ فإنْ ذَبَحَ قبلَ ذلك لم يُجزِئْه وذلك لحديثِ الشيخينِ عنِ البَراءِ رضي الله عنه قالَ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحْرِ بعدَ الصلاةِ فقالَ مَنْ صلَّى صلاتَنا هذهِ ونَسَكَ نُسكَنا فقد أصابَ سنَّتَنا ومَنْ نَسَكَ قبلَ صلاتِنا فتلكَ شاةُ لحمٍ فليَذْبَحْ مكانَه اﻫ ويبقى وقتُها إلى غروبِ شمسِ اليومِ الثالثِ من أيامِ التشريقِ، وقدِ اتَّفقتْ نصوصُ الشافعيةِ على أنهُ لا يجوزُ بيعُ شىءٍ من الأُضحِيَّةِ سواءٌ كانت نذرًا أَمْ تطوُّعًا وسواءٌ في ذلك اللَّحمُ والشَّحْمُ والجلدُ والقرنُ والصُّوفُ وغيرُه ولا يجوزُ جعلُ الجلدِ وغيرِه من أجزائِهَا أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عليٍ رضي اللهُ عنه أنهُ قالَ أمرَنِي رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم أَنْ أَقُومَ علَى بُدْنِهِ وأن أُقَسِمَ لحومَها وجُلودَها وجِلالَها على المساكينِ ولا أُعطِيَ في جُزارتِها شيئًا منها اﻫ
والأضحيةُ إخوةَ الإيمانِ سُنّةُ سيدِنا إبراهيمَ عليه السلامُ فقد قالَ عنها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُنّةُ أَبِيكُم إِبراهيم اﻫ[3] وذلك أن سيدَنا إبراهيمَ عليه السلام أُوحِيَ إليهِ في المنامِ أن يذبحَ ولدَه إسماعيلَ فقد قالَ اللهُ تعالى إخبارًا عن إبراهيمَ أنه قالَ لولدِه ﴿يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ﴾[4] وَرُؤْيا الأنبياءِ وَحْيٌ إذا رَأَوْا شيئًا فعَلُوه فعزمَ إبراهيمُ على تحقيقِ الرُّؤْيا.
وَقَدْ ذكرَ أهلُ العلمِ بالسّيَرِ والتفسيرِ أن إبراهيمَ عليه السلامُ لَمّا أَرَادَ ذَبْحَ وَلَدِهِ قالَ لهُ انْطَلِقْ فَنُقَرِّبَ قُرْبَانًا إلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ، فأخذَ سكينًا وَحَبْلًا ثُمَّ انْطَلَقَا حتَّى إذا ذَهَبا بَيْنَ الجِبَالِ قالَ له إسماعيلُ يا أبتِ أين قربانُك، قالَ يا بني إني أَرَى في المنامِ أني أذبحُك ﴿قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٠٢﴾[5] ثم قالَ اشْدُدْ رِبَاطِي حتَّى لا أَضْطَرِبَ وَاكْفُفْ عنِّي ثِيَابَك حتى لا يَنْتَضِحَ عليكَ مِنْ دَمِي فَتَرَاهُ أُمِّي فتحزن وأسرِعْ مَرَّ السكينِ على حَلْقي حتى يكونَ أهونَ للموتِ عليَّ فإذا أتيتَ أُمّي فَاقْرَأْ عليها السلامَ منِي، فأَقْبَلَ إبراهيمُ يقبِلُه ويبكي ويقولُ نعمَ العونُ أنتَ يا بُنَيَّ على أمرِ اللهِ عز وجل، ثم إنهُ أَمَرَّ السّكينَ على حَلْقِهِ فَلَمْ تَقْطَعْ شيئًا، وقالَ مجاهدٌ لَمّا أَمَرَّها على حَلْقِهِ انْقَلَبَتْ فقَالَ إِسماعيلُ مَالَكَ قالَ انقَلَبَتْ قالَ اطْعَنْ بها طَعْنًا فَلَمّا طَعَنَ بِهَا نَبَتْ وَلَمْ تَقْطَعْ شيئًا وذلك لأنَّ اللهَ هو خالقُ كلِّ شىءٍ وهو الذي يخلقُ القطعَ بالسكينِ متى شَاء.
وقد علِمَ اللهُ تعالى بعلمِه الأزليِّ الذي لا يَزِيدُ ولا ينقُصُ ولا يتجدَّدُ أن إبراهيمَ وابنَهُ لا يَتَأَخَّرَانِ عنِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى وأَنَّهُمَا صَادِقَانِ في تَسْلِيمِهِما وَامْتِثَالِهِمَا، ونُوديَ يَا إِبْراهيمُ ﴿قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥﴾[6] هذا فداءُ ابْنِكَ فَنَظَرَ إبراهيمُ فإذَا جِبْرِيلُ مَعَهُ كَبْشٌ قالَ تعالى ﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيم ١٠٧﴾[7] أَيْ أنَّ اللهَ تعالى خلَّصَ إِسْماعِيلَ منَ الذَّبْحِ بأَنْ جَعَلَ فِدَاءً لَهُ كَبْشًا أَقْرَنَ عَظِيمَ الحَجْمِ والبَرَكَة.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ هذهِ القِصَّةَ تَزِيدُنا يَقِينًا بِعَظَمَةِ الأنبياءِ عليهم السلامُ الذين كانوا مُسَلِمِينَ للهِ تعالى مُسْرِعِينَ إلى طاعتِه وَقَد مدَحَهُمُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ بقوله ﴿وَكُلّا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٦﴾[8] فينبغي أن نَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي الإِقبالِ علَى الخيراتِ وَالابتِعادِ عَنِ الْمُحَرَّماتِ. ويُسْتَفادُ مِنْ هذِهِ القِصَّةِ أيضًا أَنَّ مَشيئَةَ اللهِ نَافِذَةٌ في مَخلوقاتِه وأنَّ الأَمْرَ غيرُ المشيئةِ فقَدْ أمرَ اللهُ تبارك وتعالى إبراهيمَ بِذَبحِ ولدِه لكنّه لَمْ يَشَأْ حُصُولَهُ، فلَيسَ كلُّ مَا أَمَرَ اللهُ تعالى به شاءَ حُصولَهُ وليسَ كلُّ ما شاءَ حصولَه أمَرَ بهِ فَإِيمانُ المؤمنينَ وطاعةُ الطّائعينَ هِيَ بأَمْرِ اللهِ ومشيئَتِهِ وعِلمِه ومَحَبَّتِهِ ورِضَاهُ أمّا كُفْرُ الكافرينَ وعصيانُ العُصاةِ فبمشيئةِ اللهِ وعِلمهِ لكنّه ليسَ بأَمْرِ اللهِ ولا بِمَحبّتِهِ ولا بِرِضَاه. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله أما بعدُ أوصيكُم ونفسيَ بتقوى الله.
إخوة الإيمان، بهذه المناسبةِ العظيمةِ أُذَكِركُمْ ونَفْسِي بِصلةِ الأَرْحامِ ومواساةِ الفُقَراءِ والأيتامِ والأراملِ والمساكينِ وأُحذّرُكم ونفسي مِنْ قَطِيعَةِ الرّحمِ فقد قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبا ١﴾[9] أَيْ وَاتَّقُوا الأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، فإن قطيعة الرحم من الكبائر، وتحصُلُ القَطِيعَةُ بِإِيحاشِ قُلوبِ الأَرْحَامِ وتنفيرِها إِمَّا بِتَرْكِ الإِحسانِ بالمالِ في حَالِ الحاجَةِ النَّازِلَةِ بِهِمْ بلا عذرٍ أَوْ تَرْكِ الزِيارَةِ بِلا عُذْرٍ كذلك، والعذرُ كأن يفقدَ ما كانَ يصلُهم بهِ من المالِ أو يجدَه لكنه يحتاجُهُ لما هو أولَى بِصرفِهِ فيهِ منهم. والمراد بِالرّحمِ الأَقارِبُ كَالأَجْدَادِ والجَدَّاتِ والخالاتِ وَالعَمَّاتِ وأَولادِهِنَّ والأَخْوَالِ وَالأَعْمَامِ وأَولادِهم.
كما نذكّرُكُم بزيارةِ القبورِ والدعاءِ لأصحابِها المسلمينَ وقراءةِ القرءانِ لهم فإنهم ينتفِعون بذلكَ إن شاءَ الله.
اللهمَّ اجعَلْنا مِنَ المسارِعينَ إلى طاعتِكَ وثَبِتْنَا علَى الإِيمانِ وَوَفِقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وتَرْضَاهُ، واغفِرِ اللهُمّ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ، وكلّ عامٍ وأَنْتُمْ بِخَير.
[1] سورة الحشر/18ـ19
[2] رواه عبد الرزاق في مصنفه.
[3] رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي في السنن وغيرهم.
[4] سورة الصافات/102.
[5] سورة الصافات/102.
[6] سورة الصافات/105.
[7] سورة الصافات/107.
[8] سورة الأنعام/86.
[9] سورة النساء/1.