الحمدُ للهِ مُكَوِّنِ الأكوانِ، الموجودِ أزلًا وأبدًا بلا مكان، الذي أَيَّدَ سيدَنا محمدًا بِالْمُعْجِزَاتِ الباهرةِ، والدِّلالاتِ الظاهرةِ. والصَّلاةُ والسّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ على سيدِنا محمدٍ سيِّدِ ولدِ عدنانَ مَنْ أَيَّدَهُ اللهُ بالبُرْهانِ وأظهرَ شَرَفَهُ علَى سَائِرِ الأنبياءِ ليلةَ الإِسراءِ.
أمَّا بعدُ فإني أُوصِيكم بِتَقْوَى اللهِ العَظيمِ. يقولُ اللهُ تبارَكَ وتَعالَى فِي سورةِ الإسراءِ ﴿سُبحَٰنَ ٱلَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَولَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِن ءَايَٰتِنَا إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١﴾.
إِخْوَةَ الإيمانِ تَمُرُّ علَيْنَا فِي هذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ والمعراجِ، وَهِىَ مُعجزَةٌ كُبْرَى. أما الإسراءُ فهو ثابتٌ بِنَصِّ القُرْءَانِ والأحَادِيثِ الصَّحيحَةِ لِذَلكَ قالَ العُلماءُ إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ الإِسراءَ فَقَدْ كَذَّبَ القُرْءَانَ والذي يُكَذِّبُ القُرْءَانَ لا يَكُونُ مِنَ المسلِمين. وَكانَ إسراءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلًا بِالرُّوحِ والجَسدِ يَقَظَةً، وليسَ ذلكَ بِعَزِيزٍ على الله.
في المسجِدِ الحَرامِ أَرْكَبَ سيدُنا جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم البُرَاقَ وهو دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّ الجنَّةِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ ءَاخِرِ مَدَى بَصَرِهِ، فَمَرَّ بالمدينةِ الْمُنَوَّرَةِ ثم مَرَّ بِمَدْيَنَ مَدينَةِ النبيِّ شُعَيْبٍ عليهِ السلامُ، ثم بِطُورِ سَيْنَاءَ فَنَزلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثم بِبَيْتِ لَحْمٍ حيثُ وُلِدَ سيدُنا عيسى عليه السلامُ فَنَزَلَ وصلَّى ركْعَتَيْنِ، حتى وصلَ إلى بيتِ الْمَقْدِسِ فدَخَلَ المسجدَ وَقَدْ جَمَعَ اللهُ لَهُ جَمِيعَ الأَنْبِياءِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَعْظِيمًا وَقَدَّمَهُ جبريلُ عليهِ السلامُ إِمَامًا لَهُمْ جَمِيعًا لِبَيَانِ مَرْتَبَتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وفَضْلِهِ عليهِم.
ولقد رأَى نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في إِسرائِه الكثيرَ الكثيرَ مِنَ العَجائِبِ مِمَّا فيهِ لَنَا العِبْرَةُ والموعظَةُ فَمِنْ ذَلكَ أنَّهُ رَأَى أُنَاسًا تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ يَعْنِي الَّذِينَ يَخْطُبُونَ لِلشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ أَيْ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الضَّلالِ وَالْفَسَادِ وَالْغَشِّ وَالْخِيَانَةِ.
وَرَأَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ في إِسرائِهِ إلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الدنيا بِصُورَةِ عَجُوزٍ إِشارَةً إلى أَنَّ الدنيا إلَى زَوَالٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ مُدَّتِها إِلّا القَلِيلُ.
وَرَأَى قَوْمًا يَتَنَافَسُونَ عَلَى اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ اللَّحْمَ الْجَيِّدَ الْمُشَرَّحَ فَقَالَ جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلالَ فَلا يَطْعَمُونَهُ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ الْخَبِيثَ فَيَأْكُلُونَهُ وَهُمُ الزُّنَاة.
وَرَأَى قَوْمًا تُرْضَخُ رؤوسُهم أَيْ تُكَسَّرُ ثم تَعُودُ كما كانَتْ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يا جبريلُ مَنْ هَؤُلاءِ فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عليهِ السلامُ أَنَّ هَؤلاءِ الذينَ تَتَثَاقَلُ رؤوسُهُم عن تأْدِيَةِ الصَّلاة. جعلنا اللهُ منَ الذِينَ يَتَّعِظُونَ. أقولُ قَولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.
اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.