إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيّدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ.
أما بعد فيا عبادَ اللهِ أوصيكم ونفسيَ بتقوى اللهِ العليِّ القائل في محكم كتابه ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَةِ ٱلقَدرِ ١ وَمَا أَدرَىٰكَ مَا لَيلَةُ ٱلقَدرِ ٢ لَيلَةُ ٱلقَدرِ خَير مِّن أَلفِ شَهر ٣ تَنَزَّلُ ٱلمَلَٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمر ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطلَعِ ٱلفَجرِ ٥﴾[1].
ويقولُ الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم أُنزِلَتِ التوراةُ لِستٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وأُنْزِلَ الإنجيلُ لثلاثَ عشْرةَ خلَتْ من رمضانَ وأُنزلَ الزبورُ لثمانِ عشْرةَ خَلَتْ من رمضانَ وأُنزلَ القرءانُ لأربعٍ وعشرينَ خلَت من رمضانَ[2] اﻫ فكم هو عظيمٌ شهرُ رمضانَ، وكم هي عظيمةٌ ليالِي رمضانَ. وكلامُنا اليومَ عن ليلةِ الليالي ليلةِ القدرِ العظيمة.
يقولُ اللهُ تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلنَٰهُ فِي لَيلَةِ ٱلقَدرِ ١﴾ أُنْزِلَ القرءانُ جملةً واحدةً منَ اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العزّةِ وهو بيتٌ في السماءِ الدنيا في ليلةِ القدرِ وكانَتْ تلكَ السنةَ في ليلةِ الرابعِ والعشرينَ من رمضانَ.
ثم صارَ جبريلُ عليه السلامُ يُنـزلُه على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا فشيئًا على حسبِ ما يُؤْمَرُ منَ اللهِ عزّ وجلّ على حسبِ الأسبابِ والحوادثِ إلى أن تمَّ نزولُه في نحوِ عشرينَ سنةٍ.
﴿وَمَا أَدرَىٰكَ مَا لَيلَةُ ٱلقَدرِ ٢﴾ أي وما أعلمَك يا محمَّدُ صلى الله عليه وسلم ما ليلةُ القدر، وهذا على سبيلِ التعظيمِ والتشويقِ إلى خَبَرِها تَعْظِيمًا لشأنِها.
وليلةُ القدرِ قد تكونُ في أي ليلةٍ من ليالِي رمضانَ ولكنَّ الغالبَ أنها تكونُ في العشرِ الأواخرِ منهُ. فقد وردَ عنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ التَمِسُوها في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ اﻫ رواهُ مسلمٌ. والحكمةُ من إِخفائِها ليتحَقَّقَ اجتهادُ العبادِ في ليالِي رمضانَ كلِّها طمَعًا منهم في إدراكِها كما أخفَى اللهُ ساعةَ الإجابةِ في الجمعةِ.
﴿لَيلَةُ ٱلقَدرِ خَير مِّن أَلفِ شَهر ٣﴾ أي أنَّ العبادَةَ في ليلةِ القدرِ أفضلُ من العبادةِ في ألفِ شهرٍ ليسَ فيها ليلةُ القدرِ وهي ثمانُونَ سنةً وثلاثةُ أعوامٍ وثلثُ عامٍ.
﴿تَنَزَّلُ ٱلمَلَٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمر ٤﴾ في ليلةِ القدرِ يَنْزِلُ جبريلُ عليه السلامُ معَ جمعٍ كبيرٍ منَ الملائكةِ فينْزِلونَ بكلِّ أمرٍ قضاهُ اللهُ في تلك السنةِ مِنْ أرزاقِ العبادِ وءاجالِهم إلى قابِلٍ أي إلى السنةِ القابِلَةِ لأنَّ ليلةَ القدرِ هي الليلةُ التي يَتِمُّ فيها تقسيمُ القضايا التي تحدُثُ للعالمِ من تلك الليلةِ إلى مثلِها في العامِ القابلِ كما جاءَ ذلك في الحديثِ الذي رُوِيَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلةُ القدرِ نزَلَ جبريلُ في كبكبةٍ ـــ أي جماعة ـــ منَ الملائكةِ يُصلُّونَ ويُسلِّمونَ على كلِّ عبدٍ قائمٍ أو قاعدٍ يذكُرُ اللهَ عزّ وجلَ فيَنْزلونَ مِنْ لَدُنْ غروبِ الشَّمْسِ إلى طُلوع الفجرِ[3] اﻫ
والملائكةُ إخوةَ الإيمانِ أجسامٌ نُورانِيّة، لا يأكلونَ ولا يشربونَ ولا يَنامونَ ولا يتنَاكَحونَ ليسُوا ذُكورًا ولا إِناثًا لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمَرونَ.
﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطلَعِ ٱلفَجرِ ٥﴾ أي أنها خيرٌ وبركةٌ إلى طلوعِ الفجرِ، فليلةُ القدرِ سلامٌ وخيرٌ على أولياءِ اللهِ وأهلِ طاعتِه المؤمنينَ ولا يستطيعُ الشيطانُ أن يعمَلَ فيها سُوءًا أو أذًى وتلكَ السلامةُ تدومُ إلى مطلَعِ الفجرِ.
ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حثَّ أمّتَه على قيامِ ليلةِ القدرِ قائِلاً من قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه اﻫ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
ومِنْ عَلاماتِ رؤيةِ ليلةِ القدرِ رؤيةُ نورٍ خلقَهُ اللهُ غيرِ نورِ الشمسِ والقمرِ والكهرباءِ أو رؤيةُ الأشجارِ ساجدةً. ومن علاماتِها طلوعُ الشمسِ صبيحتَها لطيفةً، أو سماعُ صوتِ الملائكةِ ومصافحتُهم، أو رؤيتُهم على أشكالِهمُ الأصليةِ ذَوِي أجنحةٍ مثنى وثلاثَ ورُبَاع. فإِنْ تَشَكَّلوا بشكلِ بَنِي ءادمَ فإنَّهم يكونونَ بِصُوَرِ الذكورِ من غيرِ ءالةِ الذكورةِ لا بصُوَرِ الإناثِ.
ومن حَصَلَ لهُ رؤيةُ شىءٍ من علاماتِ ليلةِ القدرِ يقظةً فقد حصَلَ لهُ رؤيةُ ليلةِ القدرِ، ومن رءَاها في المنامِ دلَّ ذلك على خيرٍ لكنه أقلُّ من رؤيتِها يقَظةً، ومن لم يرَها مَنامًا ولا يقَظةً واجتَهَدَ في القيامِ والطاعةِ وصادَفَ تلك الليلةَ نالَ مِنْ عظيمِ بركاتِها. وقد سأَلَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّها إذا رأَتْ ليلةَ القَدر بِمَ تدعُو، قالَ لهَا قولِي اللهمَّ إنكَ عَفُوٌّ تُحبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عنِّي[4] اﻫ
فهلمُّوا إخوةَ الإيمانِ للاجتهادِ بالطاعةِ في هذهِ الليالِي العظيمَةِ الْمُبَارَكةِ الْمُتَبَقِّيَةِ مِنْ رمضانَ، من قيامٍ وذكرٍ وتلاوةٍ، وأذكِّرُكم من كانَ عليهِ قضاءٌ فَلْيَشتَغِلْ بالقضاءِ فَدَيْنُ اللهِ أحقُّ بالوفاءِ.
هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخُطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وأَودُّ أن أُؤكِّدَ عليكم أيها الإخوةُ الصائمونَ أن صلاةَ عيدِ الفطرِ أعادَه اللهُ علينا وعليكم بالأمنِ والأمانِ في هذا المسجدِ الساعة 9.00 من يومِ الثلاثات أو الاربعاء على حسبِ رؤيةِ هلالِ شوال.
ونُذكرُكم بزكاةِ الفطرِ لهذه السنةِ فلو دفعَ الشخصُ 5 أويرو كان ذلك كافيًا وما زاد منها فصدقَة، أو يدفعُ صاعًا من غالبِ قوتِ البلد.
إخوة الإيمان ما بقيَ من رمضانَ إلا القليلُ ونودعُ هذا الشهرَ العظيمَ المباركَ وقد تتحركُ الدموعُ في عُيونِنا وقد تذرفُ كالسَّيْلِ مِنْ عُيُونِ العابدينَ من عيونِ القائمينَ الذاكرينَ من عيونِ الزاهدينَ الوَلِهينَ بمحبةِ ربِّ العالمينَ فتعالَوا لِنُوَدِّعَ شَهْرَ القِيَامِ وَالطَّاعَةِ والتِّلاوَةِ في هذَا الْمَسْجِدِ الذي أَنَارَتْهُ هذِه الجَمْعِيَّةُ الطيبةُ جمعيةُ المشاريعِ الخيريةِ الإسلاميةِ بنورِ العلمِ لأجلِ التماسِ ليلةِ القدر.
واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾[5]، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمَّ بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهمَّ اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.
عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
[1] سورة القدر.
[2] الجامع الصغير.
[3] رواه البيهقي في شعب الإيمان.
[4] رواه ابن ماجه وغيره.
[5] سورة الأحزاب/56.