حارِبُوا الشَّيطانَ بِبَعْضِكُمْ

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا شبيهَ له ولا مثيلَ له ولا كيفَ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ له، خلقَ المكانَ ولا يحتاجُ إليه، فهو موجودٌ أزلا وأبدًا بلا مكان، خلقَ العرشَ إظهارًا لقُدرَتِه ولم يتّخِذْه مكانًا لِذَاتِه، تنَزَّه ربِّي سبحانَهُ وتعالى عنِ القُعودِ والجلوسِ والاستقرار والصُّعودِ والنُّزولِ والاتّصالِ والانفصالِ، خلقَ الأجسامَ اللطيفةَ كالنُّورِ والهواء، والأجسامَ الكثيفةَ كالبشرِ والحجرِ والشّجَرِ، فرَبُّنا ليس حجمًا، ولا يوصفُ بصفاتِ الأجسام، كالألوانِ والحرَكاتِ والسَّكَناتِ، فالحمدُ لله الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ وجعلَ الظُّلماتِ والنُّور.

وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرةَ أعيُنِنَا محمَّدا عبدُهُ ورسولُه وصفِيُّه وحبيبُه، بلَّغَ الرِّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبِيًّا من أنبيائه، اللهم صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِه وأصحابِه الطيِّبينَ الطاهرين وسلِّمْ تَسْلِيمًا كثيرا.

أما بعدُ عبادَ الله فإني أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتابِه ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ١٠[1]

وعن أبي رُقَـيَّةَ تميمِ بنِ أَوسٍ الدَّاريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال الدِّينُ النَّصيحةُ، قُلنا لِمَن قال للهِ ولِكَتَابِهِ وَلِرَسُولِه وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم اهـ[2] وعن جريرِ بنِ عبدِ الله رضيَ اللهُ عنهُ قالَ بايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والنُّصحِ لِكُلِّ مسلمٍ اهـ[3] ويقولُ الإمامُ الرِّفاعيُّ رضي الله عنه وأرضاه حارِبُوا الشيطانَ ببعضِكم، بِنَصيحةِ بعضِكم، بِخُلُقِ بعضِكم، بحالِ بعضِكم، بِقَالِ بعضكم اهـ

إخوةَ الإيمان، لا شكَّ أنَّ كلامَ سيِّدِ المرسلينَ وحبيبِ ربِّ العالمينَ خيرٌ لنا ونفعٌ عظيمٌ لأمّتِنا وأهلِنا وأحبَّتِنَا وأصدقائِنا، الدِّينُ النَّصيحةُ، فمهما عرفتَ مِنْ هَفْوَةٍ لمسلمٍ بِحُجَّةٍ لا شكَّ فيها فانْصَحْهُ في السِّرِّ، ولا يَخْدَعَنَّكَ الشيطانُ فيَدعُوَكَ إلى اغْتِيابِه، إذا عرفتَ أنّ أخاكَ المسلمَ ابتلاهُ اللهُ تعالى بمعصيةٍ، بِزَلّةٍ من الزّلاتِ، بادِرْ إلى نُصْحِهِ وليسَ إلى فَضْحِه، فهذا الصحابيُّ الجليلُ جريرُ بنُ عبدِ الله رضي الله عنه بايعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ والنُّصحِ لكلِّ مسلمٍ.

فيا أيها الأحِبَّةُ الكِرَامُ، يا إِخْوَةَ العَقِيدَةِ لِيَسأَلْ كلُّ واحدٍ منكم نَفْسَهُ أَيْنَ أنا مِنْ النَّصِيحَةِ التِي حَثَّ عليهَا دِينُنا الإسلامُ العَظِيمُ وهذَا إمامُنا الرِّفاعيُّ الكبيرُ رضي الله عنه يقول حارِبُوا الشيطانَ بِبَعْضِكُمْ، وأَرْشَدَنا رضي الله عنه كَيْفَ نُحَارِبُ الشَّيْطانَ بِبَعْضِنا فقالَ بِنَصيحَةِ بَعْضِكُمْ، بِخُلُقِ بَعْضِكُمْ، بحالِ بعضِكم، بِقَالِ بعضِكم، فكُنْ عونًا لِأَخِيكَ علَى شَيْطانِه، ولا تَكَنْ عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ على أخيكَ، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المؤمنُ مِرْءَاةُ أخيهِ المؤمن اهـ[4] أليسَ الواحِدُ ينظُرُ في الْمِرْءَاةِ لِيُزِيلَ مَا لَا يُعْجِبُهُ، فإِذَا نظرَ في الْمِرْءَاةِ ورَأَى شيئًا في وَجْهِهِ لا يُعْجِبُهُ ماذَا يَفْعَلُ يُزِيلُه، وهَكَذَا كُنْ مَعَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ إذا رأيْتَ عليهِ أَمْرًا لا يُرْضِي اللهَ تعالى لا تَتْرُكْه عَلَى مَا هُوَ علَيْهِ، وتذكَرْ قَوْلَ اللهِ تعالى في ذمِّ الذينَ كفَرُوا مِنْ بَنِي إِسرائِيلَ ﴿كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩﴾[5]

ثم هذا الأمرُ يا أحبابَنَا لابدَّ فيه أولًا مِنَ العِلْمِ الشرعيِّ، لابدَّ فيهِ من علمِ الدّين، لأنه بعلم الدينِ تَعرِفُ الحلالَ مِنَ الحَرَامِ، فَتَعْرِفُ مَنْ تَعَدَّى الحُدودَ، وتَعْرِفُ مَنِ الْتَزَمَ الحدودَ، بعلمِ الدينِ تَعْرِفُ كيفَ تنصَحُ، وماذا تقولُ حينَ تَنْصَحُ، بِعلمِ الدينِ تَعْرِفُ كيفَ تَتَكَلَّمُ، وَلِماذَا تَتَكَلَّمُ وَبِمَاذا تَتَكَلَّمُ، وَإِنْ سَكَتَّ لِماذَا تَسْكُتُ. فَسَلْ نفسَكَ أينَ أنا مِنْ مَجَالِسِ عِلْمِ الدِّينِ وأينَ أنَا مِنَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَرَبُّنا تبارَكَ وتعالى يَقولُ ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾[6] سَلْ نَفْسَكَ أَيْنَ أَنَا مِنْ نَصِيحَةِ الشَّبَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ، كيفَ نَنْصَحُهم وَنُحَارِبُ شَيْطَانَهُمْ، لا شَكَّ بِالْأُسْلُوبِ الْحَسَنِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، فالرِّفاعيُّ قال حارِبُوا الشيطانَ بِخُلُقِ بَعْضِكُم.

فاعلَموا عبادَ الله أن بلادًا قد دخَلَها الإسلامُ بِالأَخْلَاقِ الإسلامية، فُتِحَتْ بِالْأَخْلَاقِ الْمُحَمَّدِيَّة، التِي حَثَّ عليهَا الشَّرْعُ وَذَلكَ أنَّ تُجَّارًا من أهلِ اليمنِ كانوا يذهبونَ بِتِجَاراتِهم إلى بلادِ أندونيسيا وماليزيا فكانَ أهلُ تلكَ البلادِ يرَوْنَ صِدْقَ هؤلاءِ التُّجَّارِ المسلمينَ وحُسْنَ أخلاقِهِم وأمَانَتَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الحِلْمِ والكَرَمِ والإِحسانِ وحُسْنِ الْمُعاملَةِ، وعَرَفوا أنَّ هذه الأَخْلاقَ السَّامِيَةَ إنما هيَ مما أمرَهُم به دينُهم مِمَّا جَاءَ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ فصَارَ النّاسُ يدخُلونَ في الإسلامِ شَيْئًا فَشَيْئًا حتى انْتَشَرَ الإسلامُ في تلكَ البلاد.

حاربوا الشيطانَ بقالِ بعضِكم، فَلْتَكُنِ الكلمةُ الطَّيِّبَةُ التي قال عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَدَقة على لسانِكَ دومًا ولا تَمْنَعْ إِخْوَانَكَ نَصِيحَتَكَ لَعَلَّ اللهَ يَفْتَحُ بها قُلُوبَ قَوْمٍ غَافِلِينَ فَيَصْلُح حالُهم فَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ كانَ سَبَبُ انتِقَالِهِمْ منَ الغَفْلَةِ إلى الصَّلاحِ كلمةً سَمِعُوها، جعلَني اللهُ وإيَّكم مِمَّنْ يستَمِعونَ القولَ فَيَتَّبِعونَ أَحْسَنَه.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم

 

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه.

واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[7] اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ يقول الله تعالى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيم ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾[8] اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أَمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

سورة الحجرات.[1]

رواه مسلم.[2]

متفق عليه.[3]

أخرجه أبو داود بإسناد حسن. [4]

سورة المائدة.[5]

سورة ءال عمران/110.[6]

سورة الأحزاب.[7]

سورة الحج.[8]