إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِه وصحبه وسلِّم.
أما بعد عباد الله فإِنِي أُوصِيكم ونَفْسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ كتابِه ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥﴾[1]
ويقولُ النبيُّ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كانَ يَومُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عليهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمسينَ ألفَ سنَةٍ حتَّى يُقْضَى بينَ العِبادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إلَى الجنّةِ وإِمَّا إلَى النَّارِ اهـ الحَدِيثَ، رواهُ مُسْلِمٌ.
فالزكاةُ إِخْوَةَ الإِيمانِ هِيَ أحدُ الأُمورِ التِي هِيَ أَعظمُ أمورِ الإِسلامِ، ومَنْعُ الزَّكاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عليهِ مِنَ الكبائِرِ لِحديثِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعنَ اللهُ ءاكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَمانِعَ الزَّكاة اهـ. والزكاةُ تجبُ عبادَ اللهِ في المواشِي الإِبلِ والبقرِ والغنَمِ أمَّا ما سِوَى ذلك مِنَ المواشِي فَلا زكاةَ فيها إِلّا إِنِ اتُّخِذَتْ لِلتِّجارَةِ، وَتَجِبُ في التَّمْرِ والزَّبِيبِ والزُّروعِ التِي تُتَّخَذُ قُوتًا في حالِ الاخْتِيارِ كَالقَمْحِ والشَّعيرِ والذُّرةِ والحِمَّصِ ونحوِ ذلكَ مِنَ الزُّروعِ وتجبُ الزكاةُ في الذهبِ وفِي الفِضَّةِ إِنْ كانَ قَدْ مَرَّ عليهِ عامٌ في مِلْكِ الشَّخصِ وكانَ نِصابًا وَهُوَ أوّلُ قَدْرٍ تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ وَأَوّلُ النِّصابِ نَحْوُ خمسةٍ وثمانينَ غراما مِنَ الذهبِ الصَّافي ونحوُ ستِّمائةِ غرام مِنَ الفضّةِ الصافيَةِ ومقدارُ الزَّكاةِ فيهَا ربعُ العُشر.
وإِنْ كانَ عندَهُ عُمْلَةٌ وَرَقِيَّةٌ بَلَغَتْ قيمتُهَا سِتَّمائةِ غرام منَ الفضَّةِ ومضَى عليهَا عامٌ بعينِها في مِلْكِهِ أَخرَجَ كذلكَ زكاتَها رُبعَ عشرِ قِيمَتِها.
وكذلكَ تَجبُ الزكاةُ في أموالِ التّجارةِ فإذَا ابْتَدَأَ إِنسانٌ تجارةً فَمَرَّ عليهِ عَامٌ يُقَوِّمُ قِيمَةَ البِضَاعَةِ التِي عندَهُ عندَما ينتهِي العامُ والمالَ الذي أتاهُ مِنْ هذهِ التجارَةِ وهو كانَ مَا زَالَ يُريدُ استعمالَهُ فيهَا يَنْظُرُ مَا قيمَةُ ذلكَ كُلِّهِ ثُمَّ يُخرجُ ربعَ العُشرِ زَكاةً عنهَا.
كذلكَ الزكاةُ تَجِبُ في البَدنِ وذلكَ في زَكاةِ الفِطْرِ وَهِىَ تَجِبُ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمضانَ وَجُزءٍ من شَوّالٍ علَى كلِّ مسلمٍ عليهِ وعلى مَنْ عليهِ نفقتُهم إذَا كانُوا مُسلِمِينَ إِذَا فَضَلَتْ عن دَيْنِهِ وكِسوتِه ومَسكنِه وقُوتِه وقُوتِ من عليهِ نفقتُهم يومَ العيدِ وليلتَه الْمُتَأَخِّرةَ عنهُ.
فهذهِ الأشياءُ تَجبُ فيهَا الزَّكاةُ مَنْ أخَّرَها عن وقتِها الذِي تَجبُ فيهِ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فعلَيْهِ ذَنْبٌ مِنْ كبائِرِ الذُّنوبِ، وليسَ شَرْطًا أَنْ يكونَ وَقْتُ الوُجوبِ لِدَفْعِ الزَّكاةِ رَمَضانَ إنما كلُّ مالٍ بحسبِهِ فالذّهبُ تجبُ إخراجُ زكاتِه بعدَ عامٍ مِنْ بُلوغِهِ النِّصابَ كمَا ذكَرْنَا والتمرُ والزّبيبُ تَجِبُ زكاتُه بِبُدُوِّ الصَّلاحِ ولا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ عامٍ أمَا مَا أَشَاعَهُ بعضُ الناسِ لِيَأْخُذُوا مِنْ جُيوبِ الخلقِ في شَهْرِ رمضانَ مَا لا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ أَنَّ الزكاةَ تَجِبُ في البِناءِ المملوكِ الذِي يؤجرُه الإِنسانُ وهو لا يُريدُ المتاجرةَ فيهِ أو السيارةِ التِى يؤجرُها أو المحلِّ أو الْمُسْتَوْدَعِ الذِي يؤجرُه إِيجارًا فَهُوَ افتِرَاءٌ على شرعِ اللهِ تبارك وتعالى إنَّما يُقالُ لِمالِكهِ شهرُ رمضانَ شهرُ خيرٍ وَبِرٍّ فَتَطَوَّعْ بالإِنفاقِ للهِ تعالَى ولا يُقالُ لَهُ يَجبُ عليكَ الزَّكاةُ فيهِ.
واعلَمُوا إِخوَةَ الإِيمانِ أنَّ الزكاةَ الواجبةَ لَهَا مَصارِفُ مخصوصَةٌ لا يجوزُ وَضْعُها في غيرِها لأنَّ الزَّكاةَ لا يَجوزُ أن تُدفعَ لغيرِ الأَصنافِ الثمانيةِ الذِينَ ذَكَرَهُمُ القُرءانُ الكريمُ ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَة مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ٦٠﴾[2]
فعَلَى مَنْ وَجَبَتْ عليهِ الزَّكاةُ أَنْ يتَعَلَّمَ هذهِ الأَصنافَ قبلَ أن يُقْدِمَ على توزيعِ مالِ زكاتِه حتَّى لا يدفعَها لِمَنْ لا يَجوزُ دفعُها إليهِ ثُمَّ يأتِي يومَ القِيامَةِ وهِيَ مَا زَالَتْ في ذِمّتِهِ لكن أُنَبهُكم إلى أنَّ قولَ اللهِ تعالَى وفي سبيلِ اللهِ ليسَ معناهُ كلَّ عملِ خَيرٍ فَمَنْ دَفَعَ زكاةَ مَالِهِ لِبناءِ سورِ مَقْبَرَةٍ أو بِناءِ مسجِدٍ أو جِسْرٍ أو مَدْرَسَةٍ ولو كانَتْ لِتَعْلِيمِ الدّينِ أو لِطباعَةِ كتابٍ أو نَحوِ ذلكَ فقد وَضعَ الزكاةَ في غيرِ مَوْضِعِهَا ولَمْ تُجزِئْ عنهُ فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ في مَا مَلَّكَكُمْ واعلَمُوا أَنَّكُمْ يومَ القيامَةِ مسؤولونَ فاستَعِدُّوا لذلكَ اليَوْمِ العَظِيمِ. هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم.
الخطبةُ الثانيةُ:
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِ العَظِيمِ فاتقوه.
إِخْوَةَ الإِيمان، مِمَّا يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ التَّحذيرَ الأَوْكَدَ قَوْلُ بَعْضِ الناسِ “لا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ بِالوَفَاةِ أَنْ تُكَلِّمَ بَشَرًا” وهذا تَكْذِيبٌ لِلشَّرْعِ فَقَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ على جَوازِ أَنْ تُكَلِّمَ القَريبَ والأَجْنَبِيَّ وَأَنْ يَراهَا وتَرَى الْمَحَارِمَ، فَإِطْلاقُ هذه الكَلِمَةِ كُفْرٌ وَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلْيَتَشَهَّدْ. وَقَدْ ثَبَتَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابِيَّاتِ أَنْ تَكَلَّمَتْ مَعَ بعضِ الصَّحَابةِ وكانَتْ مُعْتَدَّةً عِدَّةَ وَفَاةٍ فَلَمْ يُنْكِرْ عليها أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِينَ وَلا مُضِلِينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. وَأَقِمِ الصلاةَ.
[1] سورة البينة.
[2] سورة التوبة.