إنَّ الحمدَ للهِ نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ ولا شبيهَ لهُ أَحَدٌ صمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وأشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورَسُولُه مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا ومُبَشِّرًا وَنذيرًا، علَّمَ الأمةَ ما ينفعُها وحَذّرَ مِمّا يضرُّها في دينِها ودُنْيَاها فَبَيَّنَ أَنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ وَالكَذِبَ مَهْلَكَةٌ فَأَمَرَ بِالصِّدْقِ وَعَظَّمَ أَهْلَهُ وَحَذَّرَ مِنَ الكَذِبِ وَذَمَّ أَهْلَهُ، فَصَلِّ اللهُمَّ على سَيِّدِنا مَحمَّدٍ وعلَى ءالِه وأصحابِه الطَّيبينَ الطاهرِينَ.
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تعالى واعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩﴾[1]
إخوةَ الإيمانِ، إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالَى قد أَمَرَنَا بِفِعْلِ الخيرِ ونَهَانَا عنِ الشَّرِّ. وكذا رسولُهُ الكريمُ فَقَدْ أَرْسلَهُ رَبُّنا مُعَلِّمًا الناسَ الخيرَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلى مكارِمِ الأَخلاقِ ومَحاسنِها كمَا قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ اهـ[2]
وإِنَّهُ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَحثَّ عليهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصِّدْقُ، ومِنْ أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عنهَا الكَذِبُ.
فَقَدْ روَى الإمامُ مسلِمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عليكُم بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلَى الجنّة، وما يَزَالُ العَبْدُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقا، وإيَّاكُم والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفُجُورِ[3] وإنَّ الفُجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ العبدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا اﻫ معنَى هذَا الحديثِ إخوةَ الإيمانِ أنَّ الصدقَ يهدِي إلى العملِ الصَّالحِ الخالِصِ مِنَ كلِّ مَذْمُومٍ ويُوصِلُ إلَى الجنَّةِ وأَنَّ الكذبَ يُوصِلُ إلى الفُجورِ وَهُوَ الميلُ عنِ الاستِقامَةِ والانبعاثُ فِي المعاصِي الْمُوصِلُ إلَى النَّارِ، ففِي هذَا الحديثِ الحثُّ على تَحَرِّي الصِّدْقِ وهُوَ قَصْدُهُ والاعتناءُ بهِ وعلَى التَّحذيرِ مِنَ الكَذِبِ والتَّساهُلِ فيهِ.
والكَذِبُ إخوةَ الإيمانِ وهو مَا نُريدُ بَسْطَ الكَلامِ فيهِ هُوَ الكلامُ على خِلافِ الواقعِ معَ العِلْمِ بأنّهُ بخلافِ الواقِعِ ومنهُ ما هو منَ الكبائرِ ومنهُ ما يكونُ منَ الصغائرِ ومنهُ ما يكونُ كفرًا والعياذُ باللهِ تعالى. فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلِمٍ فهو مِنَ الصغائر، لكن احذَرْ أخي المسلم فإن الصغيرةَ لا يُتَهَاوَنُ بها لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصَى.
وأمَّا إِنْ كَانَ الكَذِبُ فِيهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ مُسْلِمًا فَهُوَ مِنْ كبَائرِ الذُّنوبِ والعياذُ بِاللهِ تَعالَى. وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ الكذِبُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقدْ قالَ عليهِ الصلاةُ والسَّلام مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار اﻫ رواهُ الشيخان. فإذَا كانَ في هذا الكذِبِ تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ بِالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كَالزِّنى واللواطِ والقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ أو تَحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كَالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ باللهِ تعالى، كما يَفْتَرِي بَعْضُهُم لِيُضْحِكَ غيرَهُ فَيَقُولُ قالَ اللهُ تعالى “إذا رَأَيْتَ الأَعْمَى فَكُبَّهُ على وَجْهِهِ إِنَّكَ لَسْتَ أَكْرَمَ مِنْ رَبِّهِ” فيجعلُ هذا الكلامَ السخيفَ قرءانًا فهذا كفرٌ والعياذُ باللهِ مِنْ ذلك.
واعلَمُوا إِخوةَ الإيمانِ أنَّ الكذِبَ حرامٌ سواءٌ قالَهُ الشخصُ مازِحًا أم جادًّا وسواءٌ أرادَ به أنْ يُضْحِكَ القَوْمَ أَمْ لا فَهَذَا حَرَامٌ قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ وَوَيْلٌ لَهُ اهـ[4] أي أنَّ هذَا كبيرَةٌ يستَحِقُّ فاعِلُها العذَابَ الشديدَ في الآخرة.
فَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ كَذْبَةَ أوّلِ نَيسَان، فَالكَذِبُ حَرَامٌ في أَوَّلِ نِيسان وفِي غَيرِه، وَيَحْصُلُ فِيهِ وَفِي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ لِلْمُسْلِمِ فَيَقُولُ لَهُ الكاذبُ مَثلًا إنَّ ابنَكَ ماتَ أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ والعياذُ باللهِ تعالى وترويعُ المسلمِ حرامٌ ففي مُسْنَدِ أَحمدَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم قالَ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا اﻫ قالَهُ لَمَّا رَوَّعَ بَعْضُهُمْ رَجُلًا مِنَ أَصْحَابِهِ مُزاحًا بأخذ نَبْلٍ منه وهو نائم.
كما ونحذِّرُكُم مِنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ “الكَذِبُ مِلْحُ الرِّجال”، وقولِ بعضٍ “وَعَيْب على اللي بِيُصْدُق” فإنهما تكذيبٌ للدينِ مُخرجانِ مِنَ الإسلامِ لأنَّ الأَوَّلَ فيهِ اسْتِحْسَانٌ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ بينَ المسلِمينَ قُبْحُهُ فِي الدِّينِ وفِي الثانِي اسْتِقْبَاحٌ لِمَا هُوَ مَعلومٌ حُسْنُهُ في الدِّينِ فَكِلاهُمَا يَلْزَمُ منهُ تكذيبُ الدِّينِ والعِياذُ بِاللهِ تعالَى.
اللهمَّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ وسائر المحرماتِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين.
هذَا وأستَغفِرُ اللهَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.
اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم اجعلنا منَ الصادقينَ الصِّدِّيقينَ الْمَحْبُوبِينَ عندَكَ واحفظْنا منَ الكذبِ وأَهْلِهِ اللهم فرِّجْ كُرُبَاتِنا وَاقْضِ حاجاتِنا اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَقِمِ الصلاةَ.
[1] سورة التوبة.
[2] رواهُ البيهقيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى.
[3] أي هو وَسِيلَةٌ إلَى ذلك، أي طريقٌ يُوصِلُ إلَى ذلِك.
[4]رواهُ أحمدُ في مُسنَدِهِ.