الإقبالُ علَى الخيرَاتِ والطاعاتِ

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمّدٍ الصادقِ الوَعدِ الأمينِ وعلى إِخوانِه النبيّينَ والمرسلينَ وءالِ كُلٍّ وصحبِ كُلٍّ الطيّبينَ الطّاهرِين. وأشهدُ أن لا إِلهَ إلا اللهُ الْمُنَزَّهُ عنِ الشَّبيهِ والمثيلِ والنِّدِّ والنَّظيرِ ليسَ كمِثلِه شىءٌ وَهُوَ السّميعُ البصيرُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنَا محمّدًا صلى الله عليه وسلم رسولُ اللهِ وَخاتَمُ النبيِّينَ وحبيبُ رَبِّ العالَمين.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أوصيكم ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِه ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡس مَّا قَدَّمَتۡ لِغَد وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨[1].

يقولُ اللهُ تعالى ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡر تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرا وَأَعۡظَمَ أَجۡراۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيمُۢ ٢٠[2] ويقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَريضًا مُمْسِيًا إِلا خَرَجَ معهُ سَبعونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حتّى يُصْبِحَ وكانَ لَهُ خريفٌ في الجنّةِ ومَنْ خرجَ مُصْبِحًا خَرَجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفرونَ له حتّى يُمْسِيَ وكانَ لَهُ خريفٌ في الجنة اﻫ رواهُ الحاكمُ في الْمُسْتَدْرَك، والخريفُ النَّخل.

إخوةَ الإسلام، إنَّ الإسلامَ دينٌ عظيمٌ شرعَ اللهُ تعالَى لَنَا فيهِ مَا فيهِ صلاحُنا في الدنيا وفلاحُنا فِي الآخرةِ ورضِيَ لنا هذا الدينَ الحنيفَ الذِى مَهْمَا حاوَلَ أَعْدَاؤُهُ أن ينالُوا منهُ ويكيدوا له ولأَهْلِهِ ويُشيعُوا الأباطيلَ والافتِراءاتِ فإنَّهم ولا شكَّ عاجِزُونَ عن أن يَجِدُوا فيهِ نَقْصًا أَوْ عَيْبًا، فَدِينُ الإِسلامِ كاملٌ لا نقصَ ولا عيبَ فيهِ. والرسولُ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم أعطَى اهتِمَامًا كَبِيرًا لِتَنْظِيمِ العَلاقاتِ الاجتماعيةِ بينَ المسلمينَ، فقد حضَّ عليهِ الصلاة والسلام على برِّ الوالِدَيْنِ وطاعتِهِما وعلَى صِلةِ الرّحِمِ وعيادةِ المريضِ.

أخي المسلم، إنَّ في حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذِى ذكرناهُ في أوّلِ خُطْبَتِنَا دَعْوَةً للتّضامُنِ والتآلفِ والتّوادِّ، فالمسلمُ الذِى يعودُ مَريضًا مُسلمًا مُمْسِيًا أى في المساءِ وهوَ ما بعدَ غُروبِ الشمسِ خرجَ معه سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يستغفرونَ له حتى يُصْبِحَ ويكونُ له بُستانٌ في الجنَّةِ ومَنْ خَرَجَ لِزيارَةِ المريضِ صبَاحًا أي بعدَ الفجرِ خرجَ معهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفِرونَ له حتّى يُمْسِيَ ويكونُ له بستانٌ في الجنّة. فمَنْ بَكَّرَ في عيادةِ المريضِ المسلِمِ كانَ ثوابُهُ أعظَمَ، فإِنْ عادَهُ بعدَ طلوعِ الشّمسِ كانَ ذلكَ أكثَرَ فائِدَةً ونفْعًا لَهُ مِمَّا لَوْ زَارَهُ بعدَ الظُّهرِ، لأنَّ الملائكةَ يخرجونَ معَهُ مِنْ وَقْتِ خُروجِه لِعِيَادَةِ هذَا المرِيضِ المسلِمِ ويَسْتَغْفِرُونَ لهُ إلَى ءاخِرِ النَّهارِ، وكذلكَ مَنْ يُريدُ أن يعودَ المريضَ بعدَ المغرِبِ فإنّهُ إذَا بَكَّرَ يكونُ أكثَرَ ثَوَابًا مِمّا لَوْ خَرَجَ بعدَ ثلاثِ سَاعَاتٍ أو أربعِ ساعاتٍ مِنْ غُروبِ الشَّمسِ.

ومِمّا يَكسِبُه المسلمُ بعيادةِ أخيهِ المسلمِ المريضِ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى يَجْعَلُ لهُ بُسْتَانًا في الجنَّةِ والبُستانُ في الجنَّةِ خيرٌ منَ الدُّنيا وَمَا فيهَا فَمَا مِنْ شجرةٍ في الجنةِ إِلّا وساقُها مِنْ ذَهَبٍ فَثِمارُها غيرُ مقطوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ إلى أبَدِ الآبِدينَ كلّما قطعَ الرجلُ من أهلِ الجنَّةِ ثمرةً عادَ مكانَها مثلُ التِى قطفَها، وطَعْمُ ثِمارِ الجنَّةِ لا يُقاسُ بطَعْمِ ثمارِ الدنيا وكذلكَ الرّائحةُ لا نسبةَ بينَهُما وكذلكَ مِنْ حيثُ حُسْنُ المنظرِ لا نِسبةَ في ذلكَ بينَ ثَمرِ الجنَّةِ وثمرِ الدنيا إلا أنَّ الاسمَ واحدٌ، هنا في الدنيا يُوجدُ نَخْلٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ وتُفاحٌ وتِينٌ وهناكَ في الجنّةِ نَخْلٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ وتفاحٌ وتينٌ وغيرُ ذلك، فَثِمَارُ الجنّةِ تتَّفِقُ معَ ثمارِ الدُّنيا في الاسمِ أَمَّا مِنْ حيثُ الطعمُ والمنظَرُ والرّائحَةُ فَلا نسبةَ بينَهُما.

فبهذهِ الحسنةِ يا أخي المسلم أى عيادةِ المريضِ المسلمِ يُعطِي اللهُ سبحانَه المسلمَ الذِى عادَ أخاهُ المريضَ هذَا الثوابَ العظيمَ لكن بِشَرْطِ أن تكونَ عيادَتُه خالِصَةً لوَجْهِ اللهِ تعالَى أي أن يَنْوِيَ عندَما يعودُ أخاهُ المريضَ المسلمَ أنّهُ يعودُه للهِ تعالَى أى ابتغاءِ مرضاةِ الله. وأمَّا مَنْ كانَ يَعُودُ المريضَ ويقولُ في نفسِه “أنا أَزُورُه الآنَ حتّى يُكافِئَنِي فيمَا بعدُ إذَا تعافى” فلا تَكونُ عيادَتُه هذهِ للهِ تعالَى، وكذَا الذِى يعودُ المريضَ لِيُقَالَ عنهُ “فُلانٌ يحفَظُ الوُدَّ والعَهْدَ” فإنهُ لا ثوابَ لَهُ في هذا بل عليهِ إثمُ الرِّياءِ وهُوَ إِثْمٌ كَبِير.

أخي المسلم إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم حضَّ أُمَّتَهُ على الْمُبَادَرَةِ إلَى الخيرَاتِ والْمُسارَعَةِ إلى الطّاعاتِ وعلَى قضاءِ حوائجِ الناسِ قبلَ انشغالِهِم بالفِتَنِ وقبلَ قيامِ الساعةِ كما رواهُ مسلِمٌ.

وقال صلى الله عليه وسلم مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا نَفَّسَ اللهُ عنهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليهِ في الدُّنيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ اﻫ رواهُ مسلم.

إخوةَ الإيمانِ، أَلَيْسَ الحَرِيُّ بنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِكَلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فنَزورَ الْمَرْضَى وننفِّسَ كُرُباتِ الْمَكْرُوبِينَ وأَنْ نُيَسِّرَ على الْمَعْسورِينَ وأَنْ نَقْضِيَ حوائِجَ المحتاجِينَ ونَمُدَّ يَدَ المعونَةِ والنَّجْدَةِ لِلْمَنْكُوبِينَ مِنْ إِخوانِنا الْمُسْلِمِين، أليسَ فينَا المحرومُ والمسكينُ والمعدَمُ واليَتِيمُ، أَوَلَيْسَ فينَا الغنِىُّ والموسِرُ ومن يَقْدِرُ علَى سَدِّ ضَروراتِ الْمُحتاجِين؟ أخِي الكريم زيارتُكَ لأَخيكَ المريضِ تُخَفِّفُ مِنْ ءالامِهِ وتُساعِدُهُ علَى الصَّبرِ، وتَفَقُّدُ أَخِيكَ المهمومِ يُزِيلُ عنهُ شيئًا مِنْ هُمومِه وأَحزانِه، وإِغَاثَتُكَ أَخاكَ الملهوفَ أَوِ الْمُحْتَاجَ تُدْخِلُ الفَرحةَ إلَى قلبِه وتساعِدُهُ على طاعةِ اللهِ.

بل قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المعروفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخاكَ بِوَجْهٍ طَلق اﻫ رواهُ مسلمٌ. وهذَا يا أَخِي المسلم مِنْ أَسْهَلِ الحسنَاتِ، أَيْ أَنْ تَلْقَى أَخاكَ المسلمَ بِوَجْهٍ طَلقٍ بَشُوشٍ فَيَدْخُلُ السرورُ إلَى قلبِه.

أخي المسلم اشكرِ اللهَ علَى نِعْمَةِ الإِسلامِ وعلَى بِعْثَةِ محمَّدٍ خيرِ الأنامِ واسأَلْهُ سبحانَهُ وتعالَى أَنْ يَجْعَلَكَ مِنَ الْمُقْبِلِينَ علَى الخيراتِ الْمُبَادِرينَ إلَى الطّاعاتِ وَالْمَبَرَّاتِ إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

اللهمّ حَسِّنْ أَحوالَنا واخْتِمْ بِالصَّالِحاتِ أَعمالَنا وَاجْعَلْنَا مِنَ الفَائِزِينَ الغَانِمينَ فِي الآخرةِ يا رَبَّ العالَمِينَ.

هذا وأستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ وتركِ الغفلةِ وأداءِ الواجباتِ كما أمرَ اللهُ والابتعادِ عَمّا حَرَّمَ، فإنكم مَيِّتونَ ومَبعوثُونَ ومُحاسَبونَ فَاتَّقُوا اللهَ واعمَلُوا عمَلًا صَالِحًا.

واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيِّهِ الكَريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ علَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الذينَ ءامنُوا صَلُّوا عليهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب/56، اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُـوا رَبَّكُـمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾، سورة الحج/1ـ2، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم بِجاهِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ وأَدْخِلْنَا الجنَّةَ مَعَ الأَبْرَارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّار اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا.

عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

سورة الحشر/18.[1]

سورة المزمل/20.[2]