الحمدُ للهِ نحمدُه ونستغفرُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ المهتد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدّ له، وَلا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، ولا حَيِّزَ ولا جهةَ ولا مكانَ له، جَلَّ رَبِّي لا يُشبِهُ شيئًا ولا يشبهُهُ شىءٌ ولا يَحلُّ في شَىءٍ ولا يَنْحَلُّ منهُ شىء، ليسَ كمثلِه شىءٌ وَهُوَ السميعُ البصيرُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ مَا جَزَى نبيًّا مِنْ أنبيائِهِ. اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وأَكْرِمْ وأَنْعِمْ علَى سيدِنا محمّدٍ الْمُعَلِّمِ وعلَى ءَالِه وأصحابِه الطّاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أما بعدُ عبادَ اللهِ اتّقُوا اللهَ واستَقِيمُوا علَى هُدَاهُ واذْكُروا قولَهُ تعالَى في مُحْكَمِ التنْزِيلِ ﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُر مَّعۡلُومَٰت فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡر يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ١٩٧﴾[1]
أيّها الأحبّةُ المسلمونَ نحنُ اليومَ فِي أشهرِ الحجِّ المباركِ والمشتاقونَ لزيارةِ البيتِ الحرَامِ وزيارةِ قبرِ النبِيِّ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قَدِ امْتَلأَتْ أَفْئِدَتُهُمْ شَوْقًا لِتِلْكَ الزِّيارَةِ الطيِّبةِ، فَفِي مِثْلِ هذهِ الأيّامِ تتأَجَّجُ مشاعِرُ المسلِمينَ ويَشْتَدُّ حَنِينُهُم إلَى البَيْتِ العَتيقِ الذِي جعلَهُ اللهُ مثَابَةً للنّاسِ وَأَمْنًا فَتَتَحَرَّكُ جُموعُهمُ الغفيرةُ مِنْ شَتَّى بِقاعِ الأرضِ مُتَّجِهَةً إلى المسجدِ الحرامِ لِيَشْهَدُوا عِبادَةَ الحجِّ العظيمةَ، لذلكَ أيُّها الرَّاغبُ في زيارَةِ البَيْتِ الحرامِ وفِي زيارةِ قبرِ النبيِّ محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ هَلُمَّ إلى مَجْلِسِ علمِ الدِّينِ لتتَعَلَّمَ كَيْفِيّةَ أداءِ الحجِّ وكيفيّةَ أداءِ العُمْرَةِ وءادابَ الزيارةِ الكَريمة.
فَمَنْ أرادَ رضَا اللهِ سبحانه وتعالى والتقرُّبَ إليهِ بأداءِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرةِ ينبغي لَهُ أن يَتَكَلّفَ وَقْتًا قبلَ الشروعِ وقبلَ البَدءِ بِمَناسِكِ الحجِّ والعمرةِ لتَعَلُّمِ أَحكامِ الحجِّ والعمرةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُها كَما أنهُ يتكلفُ مِنْ مالِه وصِحَّتِهِ ووَقْتِهِ لهذهِ الرّحلةِ العَظيمَة.
وذلك أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ “مَنْ عَمِلَ عملا ليسَ عليهِ أمرُنا فَهُوَ رَدٌّ” أَيْ مَرْدُودٌ لا يُقْبَلُ، فَلا يكونُ العملُ صالِحًا صحيحًا مقبولا عندَ اللهِ إلا أَنْ يكونَ مُوافِقًا لِشَرْعِ اللهِ، والحجُّ مِنْ أَعْظَمِ أُمورِ الإِسلامِ وَهُوَ واجِبٌ علَى المسلِمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ المستطيعِ مَرَّةً فِي العُمُرِ وفيهِ مَشَقَّةٌ وبَذْلُ مالٍ وسَفَرٌ وَغُرْبَةٌ فَينبغِي علَى الإِنسانِ أن يَحْرِصَ على أَدائِه على الوجهِ الذِي يكونُ مَقْبُولا بهِ في الشّرعِ لا سيّما وقد قيلَ “مَا أَكْثَرَ الضَّجيجَ وَمَا أَقَلَّ الحجِيجَ” ومعناهُ أنّه معَ كَثْرَةِ الناسِ الذينَ يَذْهَبُونَ للحجِّ فكثيرٌ منهُمْ في حَجِّهِم خَلَلٌ، وَسَبَبُ ذلك أَنَّ كثيرينَ مِمّنْ يَذْهَبُونَ لأَجْلِ الحجِّ والعُمرةِ يَذْهَبُونَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَتَعَلّمُوا أركانَ الحجِّ والعُمْرَةِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلّموا مُفْسِدَاتِ الحجِّ والعُمرة، يذهبونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا كيفَ يَصِحُّ الحجُّ وكيفَ تصحُّ العُمرةُ ومِنْ غيرِ أَنْ يَعْرِفُوا ما هو الذِي يُجْبَرُ بدَمٍ وما هُوَ الذِي إذَا تَرَكَهُ لا يُجْبَرُ بِدَمٍ فيكونونَ حَيارَى، كثيرٌ هُمُ الذينَ يذهبونَ ولا يَعْرِفُونَ حُدودَ عرفاتٍ فيَقفونَ خارِجَ عَرفاتٍ حيثُ لا يُجْزِئُ الوُقُوف. وكثيرونَ يذهَبونَ ولا يعرفونَ مَتَى بدءُ الرَّجمِ وكيفَ يصحُّ وكيفَ لا يَصِحُّ وماذَا يَتَرَتَّبُ على ذلكَ، وكثيرٌ لا يعرفونَ غيرَ ذلكَ مِنَ القَضَايا التِي تتعلّقُ بالحجِّ، ثم إنَّ بعضَهم قد يكونُ مُغْتَاظًا غاضِبًا لِقَضِيّةٍ مَا أو حادثَةٍ مُعَيّنةٍ فتراهُ يَتَلَفّظُ بأَلفاظٍ سَفِيهَةٍ حتَّى قيلَ إنَّ بعضَهم يَسُبُّ اللهَ أو دينَ المسلِمِ أو الحجَّ والعياذُ باللهِ فيكونُ بهذا أبطلَ حَجَّهُ وخرجَ مِنَ الإسلامِ.
إخوةَ الإيمانِ هذَا الحجُّ المباركُ له مزِيَّةٌ عظيمَةٌ خصَّهُ اللهُ تباركَ وتعالى بِها لَمْ تُجعلْ في الصَّلاةِ ولا في الصّيامِ ولا في الزكاةِ وهيَ أنَّ الحجَّ المبرورَ يُكَفِّرُ الكبائِرَ والصّغائرَ كما وردَ في حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حَجَّ فلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنوبِه كَيَومَ ولدَتْهُ أُمُّهُ اﻫ لكن حتى يُكفِّرَ الحجُّ الكبائرَ والصَّغائرَ ويَجْعَلَ الإنسانَ كيومَ ولدتهُ أمُّه هناكَ شُروطٌ لا بد منها يَغْفُلُ عنها كثيرٌ منَ الناسِ فَمِنْ ذلكَ أَنْ تَكونَ نيَّتُه خالصَةً للهِ تعالى فإنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلا مَا كانَ خَالِصًا لَهُ وَمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ أَيْ رِضوانُهُ كما جاءَ في الحدِيثِ، ويُشترطُ أيضًا لِلْحُصولِ على تِلْكَ المزِيَّةِ أَنْ يحفَظَ نفسَهُ منَ الكُفرِ بِكُلِّ أنْواعِهِ وَمِنَ الفُسوقِ أَيْ مِنَ كبائِرِ الذُّنوبِ وأَنْ يَكُفَّ نفسَهُ عَنِ الجِماعِ مَا دَامَ في الإِحرامِ كما هو مفهومٌ من قولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَنْ حَجَّ فلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنوبِه كَيَوْمَ ولَدَتْهُ أُمُّه اهـ لأنَّ معنَى فلَمْ يَرْفُثْ أَيْ لَمْ يُجامِعْ وَهُوَ في الإِحرامِ ومعنَى وَلَمْ يفسُقْ أَيْ تَجَنَّبَ الكَبائرَ كسِبَابِ المسلمِ وضَرْبِ المسلِمِ ظُلْمًا ونحوِ ذلكَ مِنَ الكَبائرِ التِي لا بُدَّ للحاجِّ أَنْ يَكونَ على علمٍ بِها حتَّى يَتَمَكَّنَ منَ اجْتِنَابِها، ويُشترطُ أيضًا لِلحصولِ علَى تلكَ الْمَزِيّةِ أَنْ يَكونَ المالُ الذِي يَتَزَوَّدُه لِحَجِّهِ حَلالا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهذِهِ الصِّفةِ فَلا يَجْعَلُهُ حَجُّهُ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
أخي المسلمَ الحَجُّ والعُمْرةُ فَرْضَانِ مُهِمّانِ لا بُدَّ فيهِمَا مِنْ عِلْمٍ كَافٍ حتّى لا يَقَعَا فَاسِدَينِ غَيْرَ مَقْبُولَيْنِ فَاحْرِصْ أخي المسلم على أداءِ العبادةِ صحيحَةً وذلك بحضور مَجَالِسِ العِلْمِ لمعرفةِ أركانِ وواجباتِ ومُحَرَّمَاتِ الحَجِّ والعمرةِ. وَءاخِرُ دعوانا أَنِ الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ وصلّى اللهُ علَى سيِّدِنا محمّدٍ وعلَى ءالِه وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم
الخُطبةُ الثانيةُ
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين. أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتقوه.
إخوةَ الإيمانِ، مِنْ مَحَبَّةِ الخَيْرِ لِلْمُسْلِمينَ تَحْذِيرُهُمْ مِنْ كَلِمَاتٍ تُخالِفُ التَّوحِيدَ وَمِنْهَا مَا شَاعَ عِنْدَ أُنَاسٍ مُنْتَسِبِينَ إلى بَعْضِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُمْ يَقُولونَ كَلِمَةً صَرِيحَةً في الكُفْرِ وَهِيَ “اللهمَّ صَلِّ على كُلِّ الْمَخْلوقَاتِ وَمَخْلوقَاتِها وكُلِّ الكائناتِ وَكائِنَاتِها إِكْرَامًا لِمَنْ كانَ السَّبَبَ في وُجودِهَا” فَهؤلاءِ جَعَلُوا لِلْعِبادِ مَخْلُوقِينَ وَجَعَلُوا لِلْكَائِنَاتِ كائِنَاتٍ وهذا ضِدُّ التَّوحِيدِ لأَنَّ التوحيدَ هو أَنَّهُ لا خَالِقَ إلا اللهُ وَمَا سِوَى اللهِ مَخلوقٌ فَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ هذا الكلامُ فَلْيَرْجِعْ إلى الإسلامِ بِقَوْلِ لا إله إلا اللهُ محمدٌ رَسُولُ اللهِ.
اللهمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهمَّ لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهمّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهمَّ يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلوبَنا علَى دِينِك، اللهم ثَبِّتْنَا علَى سبيلِ المؤمنين اللهم ثبِّتْنا على عقيدةِ نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهمَّ أحيِنا علَى الإسلام وتوَفَّنا علَى كامِلِ الإيمانِ، ربّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب، رَبَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللهمَّ استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ اللهمَّ اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَقِمِ الصلاةَ.
[1] سورة البقرة/197.