فضلُ الجُودِ والكَرمِ والإِحسانِ في رَمضان

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهْدِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثِيلَ ولا شبيهَ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لَهُ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ. اللهُمَّ صَلّ على سَيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِه وأصحابِه الطّيبِين الطّاهِرين.
أما بعد عباد الله فإِنِي أُوصِيكم ونَفْسي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقنَٰكُم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَوم لَّا بَيع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَٰعَة وَٱلكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٥٤﴾
ويقولُ النبيُّ الأعظَمُ صلى الله عليه وسلم سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِهِ أَىْ فِي ظلِ عرشِه يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ أَىْ يَوْمَ القِيامَةِ إِمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادَةِ اللهِ تعالَى، وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ قلبُهُ في المساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عليهِ وتفَرَّقَا عليهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ إِنِي أَخَافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، وَرَجُلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففَاضَتْ عينَاه اﻫ


قالَ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلٌ تصدَّقَ بصدقَةٍ فأَخْفاها حتى لا تعلَمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه.
عبادَ الله، إِنَّ الصّدقةَ والجُودَ والسَّخاءَ والسّماحَةَ خِصالُ خَيْرٍ وصفاتٌ حَميدةٌ وإنَّ التصدُّقَ والإِنْفَاقَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالطَّاعاتِ علَى أنواعِها احْتِسَابًا لِلأَجْرِ مِنَ اللهِ تعالَى وَثِقَةً بهِ سبحانَهُ أيْ بِوَعْدِهِ الذِي لا يَتَخَلَّفُ مِنْ حُسنِ الجزاءِ على ذلكَ في دارِ القَرارِ في الجنةِ دليلُ الفَلاحِ والخيراتِ، كيفَ لا وقَدْ قالَ الرسولُ العظيمُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ والصَّدَقةُ بُرهان اﻫ أَيْ دَليلٌ على قُوَّةِ إيمانِ مَنْ تَصَدَّقَ وعَلامَةٌ علَى تصدِيقِ بَاذِلِها بِوَعْدِ اللهِ تعالَى الذِي لا يَتَخَلَّفُ وعدُه حيثُ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿وَمَا أَنفَقتُم مِّن شَيء فَهُوَ يُخلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٣٩﴾ الآية .
ومما وردَ عنِ الرَّسولِ العظيمِ صلى الله عليه وسلم في حَضِ مَنْ عليهِ دفعُ الزَّكاةِ الوَاجِبَةِ لِدَفْعِها قولُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مَا مِنْ يَومٍ يُصبِحُ العبادُ فيهِ إِلّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ فَيقولُ أحدُهُما اللهمَّ أَعطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ويقولُ الآخَرُ اللهمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا مُتَّفَقٌ عليهِ. ويقُولُ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَٰلَهُم فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَة مِّاْئَةُ حَبَّة وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٢٦١﴾
وقالَ العُلمَاءُ “إِنَّ الصدقَةَ الحلالَ الْمُخْرَجَةَ مِنَ المالِ تقرُّبًا إلَى اللهِ تعالى واحتِسابًا للأَجْرِ مِنْهُ سبحانَهُ يُبارِكُ اللهُ عزَّ وجَلَّ في مَالِ صاحبِها بِالبَركَةِ الخَفِيَّةِ التِي تَحصُلُ في مَالِ صَاحبِهَا”.
وقالوا “إنَّ المالَ الذي خَرجَتْ منهُ الصدقَةُ وإِنْ نَقَصَتْ صورَتُهُ لكنْ ثوابُه المعَدُّ لَهُ في الآخرَةِ جَابِرٌ لِنَقْصِهِ”.
ويَشْهَدُ لذلكَ مَا أخبرَ بهِ الرسولُ العظيمُ صلى الله عليه وسلم بقولِه بَينَمَا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوتًا في سَحابَةٍ اسْقِ حَديقةَ فُلان فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ فأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ وهِيَ الأَرْضُ الملبّسةُ حِجَارةً سُودًا فَإِذَا شَرْجَةٌ وَهِيَ مَكانُ مَسِيلِ الماءِ مِنْ تِلْكَ الشِراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ فتَتَبَّعَ الماءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حديقَتِهِ يُحَوِلُ الماءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ صاحبُ الحديقَةِ فُلانٌ لِلاسمِ الذِي سَمِعَ فِي السَّحابَةِ أي هو نفسُ الاسمِ الذِي سمعَهُ مِنَ السحابَةِ فقالَ لهُ أَيْ صَاحِبُ الحديقَةِ يا عبدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي فقالَ إِنّي سَمِعْتُ صَوتًا في السحابِ الذِي هذا مَاؤُهُ يقولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فيهَا ؟ قالَ أَمَّا إِذَا قلتَ هذَا فَإِنِي أَنْظُرُ إلَى مَا يَخْرُجُ منهَا فَأَتَصَدَّقُ بثُلثِه وءاكُلُ أَنَا وعيالِي ثُلُثًا وأرُدُّ فيهَا ثُلُثَهُ” اﻫ
ولنَا فِي نَبِيّنَا الأَعْظَمِ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ قدوةٌ حسنةٌ في سَخائِهِ وكرَمِه وإِنفاقِه الكثيرَ في سبيلِ اللهِ تعالَى. كيفَ لا وهو سَيِدُ الكُرَمَاءِ وأَجْوَدُ النّاسِ فقَدْ جاءَ في الصحيحينِ عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ وأشجعَ الناسِ وأَجْوَدَ النّاس اهـ
وكانَ جودُه صلى الله عليه وسلم يتضاعَفُ في رمضانَ ويزدَادُ، وذلكَ لأسبابٍ أحدُها أَنَّ شهرَ رمضانَ مَوْسِمُ الخَيْرَاتِ لأنَّ نِعَمَ اللهِ على عِبادِهِ فيهِ زَائِدَةٌ علَى غيرِه. ثَانِيهَا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ منهَا في غيرِه لِمَا جَاءَ في سُنَنِ التّرمِذِيِ عن أنسٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَان اهـ وَمِنْهَا أَنَّ شَهْرَ رمضانَ شهرُ الْمُواساةِ والتعاوُنِ والمساعدةِ والرحمةِ والمغفرةِ والعِتْقِ مِنَ النَّارِ. هُوَ شهرٌ أولُهُ رحمةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وءاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ. قالَ اللهُ تعالَى ﴿لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرجُواْ ٱللَّهَ وَٱليَومَ ٱلأخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا ٢١﴾.
فَاجْعَلْنَا اللهُمَّ مِنَ الْمُقْتَدِينَ بِنَبِيِكَ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الذينَ لا يَنْسَوْنَ بَذْلَ المالِ في الخيرِ عندَ الاستطاعَةِ ولا يُضيّعونَ واجِبَ الإعانَةِ علَى نَشْرِ عِلْمِ الدّينِ ومواجَهَةِ الجهلِ والضَّلالِ. اللهمَّ احشُرْنَا معَ سيّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومعَ إِخوانِهِ النبِيّينَ والصِديقينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ.
هذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُم

الخطبةُ الثانيةُ:
إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيّينَ وَالْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ المؤمِنينَ وءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ أبِي بكرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وَعَلِىٍ وعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أبِي حنيفَةَ ومَالِكٍ والشافِعِيّ وأحمَدَ وعنِ الأولياءِ والصَّالحينَ أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِ العَظِيمِ فاتقوه واعلمُوا أن تقوَى اللهِ رأسُها تعلُّمُ علمِ الدينِ فنُذَكِركُم بِحضورِ مَجالسِ العلمِ في رمضانَ التِي ستُقامُ بِإِذْنِ اللهِ تعالَى في هذا المكانِ لِتَعَلُّمِ أحكامِ الصيامِ وغيرِ ذلكَ منَ الضّروريات.
واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ والسلامِ علَى نَبِيّهِ الكَريمِ فقالَ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا ٥٦﴾، اللهُمَّ صَلِ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سَيّدِنا محمدٍ كما صلَّيتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبَارِكْ عَلَى سيدِنا محمَّدٍ وعلَى ءالِ سيدِنا محمدٍ كمَا باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلَى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ، يقولُ اللهُ تعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم ١ يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد ٢﴾، اللهم إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنا فَاغْفِرِ اللهم لنا ذُنوبَنَا وإِسرافَنَا في أمرِنا، اللهم اغفِرْ لِلمؤمنينَ والمؤمناتِ الأَحْياءِ منهم والأَمواتِ، ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّاب، ربَّنا ءاتِنَا فِي الدُّنيا حسنَةً وفِي الآخرَةِ حسنَةً وقِنَا عَذَابَ النارِ، اللهُمَّ اجعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غيرَ ضَالِينَ وَلا مُضِلِينَ، اللهم استُرْ عَورَاتِنا وءامِنْ رَوْعاتِنَا واكْفِنَا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ، اللهم اجْزِ الشيخَ عبدَ اللهِ الهررِيَّ رَحَمَاتُ اللهِ عليهِ عنَّا خَيْرا. عبادَ الله إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ والإِحسانِ وإِيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يُثِبْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يَجْعَلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.