الحذر من أدعياء التصوف زورًا

الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونستغفِرُهُ ونستَرْشِدُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شبيهَ ولا مَثِيلَ لَهُ مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبالكَ فاللهُ بِخِلافِ ذلكَ وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وأشهدُ أَنَّ سیدَنا وحبيبَنا وقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمدًا عَبْدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّهُ وحبيبُه وخَلِيلُهُ، اللهمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلَى ءالِه وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أما بعدُ عبادَ اللهِ فَأُوصِي نَفْسِي وإياكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ القائِلِ في كِتابِه الكَريمِ في سورةِ الأَحْزَابِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلا سَدِيدا﴾[1].

لقد أمرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ القَوْلِ الْمُوَافِقِ لِلْحَقِّ الذِي حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَأَقَرَّهُ، وَلَيْسَ القَوْلُ الحَسَنُ السَّدِيدُ هُوَ مَا يَعْتَبِرُهُ الناسُ الذينَ لَيْسَ لَهُمْ فَهْمٌ فِي الدِّينِ قَوْلًا حَسَنًا، لأنَّ أمثالَ هؤلاءِ قَدْ يَرَوْنَ القَوْلَ الفَاسِدَ حَسَنًا كَمَا قَدْ يَرَوْنَ القَوْلَ الحَسَنَ الْمُوَافِقَ لِشَرْعِ اللهِ فَاسِدًا، وَذلكَ أَنَّهُمْ أَضَاعُوا الْمِيزانَ الشرعيَّ فَقَاسُوا الْمَسائِلَ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ البَعِيدِ عَنْ ضَوَابِطِ النَّقْلِ، وَبِالتَّالِي فَالْعِبْرَةُ إذًا بِالنَّاسِ الذِينَ فَقِهُوا الدِّينَ وَعَرَفُوا كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وأَقْوَالَ العُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ وَعَمِلُوا بِالْأَحْكَام، لِأَنَّ القَاعِدَةَ الدِّينِيَّةَ التِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا مُؤْمِنَانِ وَلَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ أَنَّ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ قَبِيحٌ.

وَمِمَّا ابْتُلِينَا بِهِ في هَذَا الزَّمانِ وَغَيْرِه مِنْ سَالِفِ الأَزْمَانِ نَاسٌ انْتَسَبُوا إلَى التَّصَوُّفِ
وَهُوَ مِنْهَمُ بَرَاءٌ فَخَالَفُوا الكِتابَ وَالسُّنةَ وَلَبَّسُوا علَى العَوَامِّ فَكَانُوا عَوْنًا لِلشَّيطانِ علَى الناسِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَمَا ذاكَ إِلَّا بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ طَلَبِ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ عُلومِ الدِّينِ، عَنَيْتُ بذلكَ أَدْعِياءَ التَّصَوُّفِ الذِينَ انْتَسَبُوا إلَى هذَا النَّهْجِ الرَّاقِي الحَسَنِ علَى غَيْرِ مَا يُوَافِقُ أُصُولَ وَقَوَاعِدَ التَّصَوُّفِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أصلَ التصوفِ مَبْنِيٌّ علَى مُوَافَقَةِ الكِتَابِ وَالسُّنةِ وإجماعِ الأُمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا خَالَفَ ذَلِكَ.

أَمَّا وَقَدِ انْتَسَبَ أُنَاسٌ للتَّصَوُّفِ فَأَفْسَدُوا وَأَلْحَقُوا بِمَذْهَبِ القَوْمِ شَيْنًا فَاحِشًا فَقَدِ
اقْتَضَى ذلكَ التَّحْذِيرَ مِمَّا يَقُولونَ فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ والعياذُ باللهِ أَنَّ اللهَ تعالَى يَحُلُّ في الأَشْخَاصِ اهـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ عَيْنُ كُلِّ شَىءٍ اهـ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا اعْتَقَدَ الفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ سَقَطَ الغُسْلُ اهـ وَمُرَادُهُ إذَا اعْتَقَدَ النَّاكِحُ وَالْمَنْكُوحُ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ أَيْ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا لِأَنَّهُمَا اللهُ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا، فَمَا أَشْنَعَ هذَا الضَّلَالَ البَعِيدَ.

والكلامُ في مَخَازِي جهلةِ المتصوفةِ كثيرٌ وطويلٌ وكمْ يحصُلُ في مجالِسِهِمُ اليومَ مِنْ ضلالاتٍ وَتُرَّهَاتٍ وَقَبائِحَ بسببِ بُعدِهمْ عنِ العِلْمِ الشرعيِّ وتَقْلِيدِهمُ الأَعْمَى الذِي يتَعَارَضُ معَ دَلِيلِ الشرعِ حيثُ يُزَيِّنُ بعضُهُمْ لِلْبَعْضِ التَّسْلِيمَ لِلشَّيخِ وَعَدَمَ الاعْتِرَاضِ علَيْهِ في أَيِّ شَىءٍ، بَلْ قَدْ قَالَ أَحَدُهُمْ مَرَّةً خَطَأُ الشيخِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابِ الْمُرِيدِ اهـ وَلَيْتَ شِعْرِي أَلَمْ يَطْرُقْ أَسْمَاعَ هَؤُلاءِ حَادِثَةُ الْمَرْأَةِ التِي عَارَضَتْ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ وَرَدَّتْ علَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مُهُورِ النِّساءِ فقَالَ عُمَرُ أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وأَخْطَأَ عُمَرُ اهـ والقصةُ بتَمَامِهَا رَوَاهَا سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ في سُنَنِهِ.

أَلَمْ يَنْظُرْ هؤلاءِ في حَدِيثِ الطبرانيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُدَعُ غَيْرَ النَّبِيِّ اهـ.

فالشيخُ ليسَ مَعْصُومًا بَلْ يُراجَعُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إِنْ أَخْطَأَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَاعَ فِي مَا أَمَرَ إِنْ كَانَ أَمْرُهُ مُخَالِفًا لِلشَّريعَةِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ فِرْقَةٌ يُعْرَفُونَ بِاليَشْرُطِيَّةِ نِسْبَةً إلَى الشيخِ علِيّ نُورِ الدینِ اليَشْرُطِيِّ الشَاذِلِيِّ الذِي نُبَرِّئُهُ وَنُبَرِّئُ الشيخَ الشاذِليَّ مِمَّا سَوَّغَهُ هَؤُلاءِ الْمُنْتَسِبُونَ إليهِمَا لِأَنْفُسِهِمْ فَرِجَالُ وَنِسَاءُ هذهِ الفِرْقَةِ يُقَبِّلُ بَعْضُهُمْ أَيْدِيَ بَعْضٍ، وَاشْتَهَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ الحَالِفَ إلَّا إِذَا حَلَفَ بِسَيِّدِهِمْ. وَمِنْ قَبَائِحِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ في اللَّيالِي فِي مَا يُسَمُّونَهُ الحَضْرَةَ بِدَعْوَى الذِّكْرِ فَيَتَحَلَّقُونَ لِيَذْكُرُوا اللهَ بِزَعْمِهِمْ فَيُحَرِّفُونَ القَولَ وَيَعْصُونَ اللهَ بِتَحْرِيفِهِمْ لِلَفْظِ الجَلَالَةِ الله فَيَقُولُونَ ءَاه ءَاه، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يقولُ في سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٨٠﴾. وَمَعْنَى الحُسْنَى الدَّالَّةُ علَی الكَمَالِ، وَلَفْظُ ءَاه ليسَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ علَى الكَمَالِ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلشِّكَايَةِ والتَّوَجُّعِ، وهذا إِلحادٌ في أَسْماءِ اللهِ أي تحريفٌ وَتَبْدِيلٌ. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الأَزْهَرِ الأَسْبَقُ الشيخُ سليمٌ البِشْرِيُّ رحمهُ اللهُ عَنْ هَؤُلاءِ فقالَ حُضُورُ مَجَالِسِهِمْ حَرَامٌ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ تَرْجَمَ لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ اليَشْرُطِيِّ مِنْ مُعَاصِرِيهِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ اليشرطيَّ كانَ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَلَهُ کَرَامَاتٌ عَظِيمَةٌ فَافْتَتَنَ بِهِ بعضُ أَتْبَاعِهِ في بِلَادِ الشامِ فزَاغُوا فَبَلَغَهُ ذلكَ فَأَرْسَلَ يُحَذِّرُ مِنْهُمْ.

فَمَنْ أَرَادَ التَّصَوُّفَ الحَقَّ فَلْيَأْخُذْهُ مِنْ أَعْلَامِهِ الأَكَابِرِ أَئِمَّةِ الهُدَى الذِينَ شَهِدَ بِهُدَاهُمْ أَهْلُ العِلْمِ الْمُعْتَبَرُونَ، فَلِلتَّصَوُّفِ أَهْلُهُ وَأَمَّا الذِينَ يَدَّعُونَهُ إِفْكًا وَيُخَالِفُونَ شَرْعَ اللهِ فَسَيُحَاسِبُهُمُ اللهُ. هذَا وَأَسْتَغْفِرُ الله.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فاتّقوه. وَاعْلَمُوا أَنَّ بعضَ النَّاسِ نَسَبُوا إلى الوَلِيِّ العارفِ الشيخِ عبدِ القادِرِ الجِيلانيِّ مَا لم يَقُلْهُ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ

وَلَوْ أَنَّنِي أَلْقَيْتُ سِرِّي علَى لَظَى   لَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ مِنْ عُظْمِ بُرْهَانِي

وَهَذَا رَدٌّ للنُّصوصِ لا يَقُولُه مُؤْمِنٌ عَرَفَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الجنةَ والنَّارَ لِلْبَقَاءِ فَلا تَفْنَيَانِ أبَدَ الآبَادِ وأنَّ نارَ جهنمَ لا يَلْحَقُهَا انْطِفَاءٌ أبدًا. هَذِهِ عقيدَةُ كلِّ مُسْلِمٍ، فكيفَ يُنْسَبُ هذا الكلامُ إلى الشيخِ عبدِ القادرِ رضيَ اللهُ عنه.

اللهمَّ ءَاتِ نُفوسَنا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أنتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاها اللهمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بهِ مِنَّا أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وأَنْتَ علَى كُلِّ شَیْءٍ قَدِيرٌ اللهمَّ الْطُفْ بالمسلمينَ واكْفِهِمْ ما أَهَمَّهُمْ وَقِهِمْ شَرَّ مَا يَتَخَوَّفُونَ وَفَرِّجْ كُرُباتِهِمْ واشفِ مَرْضَاهُمْ وَارْحَمْ مَوتَاهُمُ الْمُؤمِنِين وَقِهِم شَرَّ مَا يَتَخَوَّفُونَ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالعَدْلِ وَالِإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَی عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

[1] سورة الأحزاب ءاية 70.