التحذير من شرب الخمر والمخدّرات والوَشْم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ لهُ ولا نِدَّ لهُ ولا شكلَ لهُ ولا صورةَ لهُ ولا أعضاءَ لهُ ولا جوارحَ لهُ ولا جهةَ لهُ ولا مكانَ لهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، صلّى اللهُ على سيدِنا محمد صلاةً يَقضي بها حاجاتِنا ويفرِّجُ بها كُرُباتِنا وسلّمَ عليهِ وعلى ءالهِ وإخوانِهِ النّبيِّينَ والمرسلينَ سلامًا كثيرًا.

وبعدُ عبادَ الله فأُوصِي نفسِي وإيَّاكُم بتَقْوَى اللهِ العَظِيم وأُذَكِّرُكم بقولِه عزَّ وَجَلَّ ﴿وَٱتَّقُواْ يَوما تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفس مَّا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ ٢٨١﴾[1]

اعلَمُوا أَيُّها الأَحِبَّةُ أَنَّ مَنْ أَرادَ السَّلامةَ ونَيلَ الدَّرجاتِ العُلْيَا فِي الآخِرَةِ فعلَيْهِ بِتَقْوَى اللهِ تعالَى فَإِنَّ التقوَى سَبِيلُ الفَلاحِ والسعادَةِ والكَيِّسُ مَنْ دانَ نَفْسَهُ وأَلْزَمَها التَّقْوَى لاسِيَّمَا في هذَا الزَّمَنِ الذِي نَعيشُ فيهِ حيثُ فشَتِ الْمُنْكَرَاتُ، وزَادَتْ في الناسِ السَّيِّئَاتُ وأَغْوَى الشَّيطانُ كَثِيرًا مِنْ عبادِ اللهِ فَصَرَفَهُمْ عَنْ طَريقِ التَّقوَى فَمِنْهُم مَنْ وَصَلَ إلى حَدِّ الكُفْرِ والعياذُ باللهِ تعالَى وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ إلى حَدِّ اقتِرافِ الكَبائِرِ والموبِقَاتِ وغَفَلَ عن ذِكْرِ الموتِ والآخِرَةِ فَتَراهُ يَتَخَبَّطُ في المعاصِي والآثامِ فَلا يَتَّعِظُ بالأمواتِ الذِينَ سَبَقُوهُ وَلا يَزْجُرُهُ الشَّيْبُ الذِي نَزَلَ بِرَأْسِهِ فإِلَى متَى الغَفْلَةُ وإلَى مَتَى التَّمادِي فيمَا حَرَّمَ اللهُ فطوبَى لِمَنِ اغْتَنَمَ أَنْفَاسَهُ بِمَا يكونُ لَهُ ذُخْرًا في أُخراهُ وأرضَى خالقَهُ قبلَ أَنْ يَلْقَاهُ.

أيُّها الأحبَّة، ما أكثرَ الناسَ الذينَ ابْتَعَدُوا عَنِ التَّقْوَى اليَوْمَ ورَاحُوا يَنْغَمِسُونَ فِي الْمُحَرَّماتِ ولَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَعْرِضَ حَالَ كثيرٍ مِنَ الناسِ اليَوْمَ ومَا يتَعَاطَوْنَهُ مِنَ الحرَامِ لضَاقَ بِنَا المقَامُ لكنَّنِي أَحْبَبْتُ في خُطْبَتِي هذِهِ أَنْ أُنَبِّهَ وَأُحَذِّرَ مِنْ ثَلاثَةِ أُمُورٍ تَفَشَّتْ في المجتَمَعِ والعياذُ باللهِ تعالَى وهي شُربُ الخَمرِ وتَعاطِي الْمُخَدِّراتِ والوَشْمُ وكُلُّها مِنَ المعاصِي التِي نَهَى اللهُ عنهَا وَحَذَّرَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم منها.

وغَنِيٌ عَنِ البَيانِ مَا لِلخمرِ مِنْ أَضْرار على الصعيدِ الصِّحِّي وَالاجْتِمَاعِيِّ فهي معَ التَّأثِيرِ على العَقلِ تُسَبِّبُ أَضْرَارًا أُخرى كثيرَةً والعياذُ باللهِ وَلَقَدْ صدقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ قالَ “لا تَشْرَبِ الخمرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ” رواهُ ابنُ مَاجَه. فكم وكم مِنَ النَّاسِ اقْتَتَلُوا وَسَفَكُوا دِماءَ بَعْضِهِم البَعْض بِسَبَبِ السُّكْرِ الشَّديدِ وَكمْ مِنَ النَّاسِ خَسِرُوا ثَرَواتِهِم وَجَنَى أَعمارِهِم في القِمارِ والْمُراهَناتِ وَهم تحتَ تأثيرِ الخمرِ وكم مِنَ النَّاسِ اغْتَصَبُوا أَقْرَبَ الناسِ إليهم وهُمْ تحتَ وَطْأَةِ تأثيرِ الخمرِ ومِنَ المؤسِفِ أنَّ كَثيرًا مِنَ الشُّبانِ يَظُنُّونَ أَنَّ تناوُلَ الخمرِ سِمَةٌ مِنْ سِماتِ التقدُّمِ في حينِ أنَّ اللجوءَ إلى المشروباتِ الكحوليَّةِ فضلا عَنْ ضَرَرِهِ العُضْوِيِّ والنّفْسِيِّ والاجتماعِيِّ والاقتِصادِيِّ هو سِمَةُ ضعافِ النُّفوسِ والعياذُ باللهِ تعالى. وتَرَى مِنَ الناسِ مَنْ يَذْهَبُ أبعدَ مِنْ ذلكَ فمَعَ تعَاطِيهِ الخمرَ يضيفُ إلى ذلكَ خصْلَةً أخرى مِنْ خِصالِ الشَّرِّ وقبيحةً أخرى من القَبائِحِ التي نَهى عنهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتَراهُ يَجْمَعُ مَعَ شُربِ الخمرِ تعاطيَ المخدِّراتِ ولا يَخْفَى ما تُؤَدِّي إليهِ المخدِّراتُ مِنَ الضّعفِ والمرضِ والعَجْزِ معَ مَا يَلحقُ صاحبَها منَ الإِثمِ ولِهَؤلاءِ نَقُولُ: قالَ اللهُ تعالَى ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ ٱلعَدَٰوَةَ وَٱلبَغضَاءَ فِي ٱلخَمرِ وَٱلمَيسِرِ   ويَصُدَّكُم عَن ذِكرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ ٩١﴾[2] فقولُه تعالى ﴿فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ مِنْ أَبلَغِ مَا يُنْهَى بهِ كَأَنَّهُ قيلَ قَدْ تُلِيَ علَيْكُمْ مَا فيهِمَا (أي الخمرِ والميسِرِ) مِنْ أنواعِ الصَّوارِفِ والزَّواجِرِ فهل أَنْتُمْ مَعَ هذهِ الصَّوارِفِ مُنْتَهُونَ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عليهِ كَأَنْ لَمْ تُوعَظُوا ولَمْ تُزْجَرُوا، والميسِرُ القِمَار.

وروى أبو داودَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتّرٍ. والمفتِّرُ هو مَا يُحدِثُ في الجسمِ والعَينِ أثَرًا ضَارًّا. وفي الحديثِ دَلِيلٌ علَى تَحريمِ تعاطِي الْمُخَدِّراتِ مثلِ الحشيشةِ والأفيونِ بل إنَّ كلَّ ما يُؤَدِّي بالإِنسانِ إلَى الهلاكِ فَهُوَ حَرَامٌ أَنْ يَتعاطَاهُ كَمَا دَلَّ علَى ذلكَ قولُه تعالى ﴿وَلَا تَقتُلُواْ أَنفُسَكُم﴾[3]

ثم ليُعلَمْ أيضًا أَنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يَزِيدُ إِثْمُهُ فَإِذَا بهِ معَ شربِ الخمرِ وتَعاطِي الْمُخَدِّراتِ يَضُمُّ إليهِمَا مَعْصِيَةً أُخرَى دَرَجَ عليهَا كَثِيرٌ مِنَ الناسِ اليَوْمَ وهي الوَشْمُ وهيَ منَ الكَبائِرِ والعياذُ باللهِ وَالوَشْمُ غَرْزُ الجِلْدِ بِالإِبْرَةِ حَتَّى يَخرجَ الدَّمُ ثم يُذَرُّ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَسْوَدَّ وَمَا أَكْثَرَ مَن يَفْعَلُ هَذَا في هذهِ الأَيامِ. فَلْيَنْظُرْ هؤلاءِ مَاذَا يُعِدُّونَ وَمَاذَا يُقَدِّمونَ لِقُبورِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ معصيةٍ مِنَ المعاصِي الثلاثِ التِي ذَكَرتُ وَهِيَ شُرْبُ الخمرِ وتَعَاطِي المخدِّراتِ والوشمُ يسْتَحِقُ فَاعِلُها عَذابَ اللهِ الشديدَ في القبرِ وفِي الآخرَةِ فكيفَ إذَا اجْتَمَعَتِ الثلاثةُ فإنَّ الخطرَ يكونُ عندَئِذٍ أكبَرَ وأكبَرَ.

أيها الأحبةُ، فَلْيَحْذَرْ كلٌ مِنَّا خُطُواتِ الشيطانِ ولْيَتَّخِذْهُ عَدُوًّا وَلْيَحْذَرِ الوُقُوعَ فيمَا يُوَسْوِسُ لَهُ مِن ارتِكابِ الإثمِ والفُجورِ فقد قالَ اللهُ تعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّ مُّبِينٌ ١٦٨﴾[4]

هذا وأستغفِرُ اللهَ لي وَلَكم.

الخطبةُ الثانيةُ

إنّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن يُضلِلْ فلا هادِي لهُ، والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمينِ وعلَى إِخوانِه النبيِّينَ وَالْمُرْسَلِين.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ فإِنِّي أوصيكُمْ ونفسِي بتَقوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَاتَّقُوهُ. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدِينَ غيرَ ضالِّينَ ولا مُضِلِّينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى ويَنهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروهُ يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

[1] سورة البقرة.

[2] سورة المائدة/ءاية 91.

[3] سورة النساء/ءاية 29.

[4] سورة البقرة.